استهداف القنصلية الصينية في كراتشي: تهديد للمشاريع الثنائية

24 نوفمبر 2018
الهجوم على القنصلية يأتي بظل تصاعد التهديدات الأمنية(صابر مزهر/الأناضول)
+ الخط -
شهدت الساحة الأمنية الباكستانية، أمس الجمعة، تطورين أمنيين خطيرين، أحدهما الهجوم الانتحاري على القنصلية الصينية في مدينة كراتشي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، أما الثاني فهو الهجوم على حسينية في شمال غرب باكستان، وأدى إلى مقتل 25 مدنياً وإصابة العشرات.

الهجوم الأول الذي أدّى إلى مقتل أربعة أشخاص، هما رجلا أمن ومدنيان، حمل في طياته الكثير من الرسائل الخطيرة. وتأتي خطورة الهجوم على القنصلية من معطيين، أولهما توقيته، إذ وقع في وقت تمر فيه العلاقات الصينية الباكستانية بفترة صعبة، بسبب استياء بكين من تعامل إسلام أباد مع قضية الممر الاقتصادي الصيني. وظهر ذلك خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الأخيرة إلى بكين. أما المعطى الثاني، فهو أنه أول هجوم انتحاري يقوم به انفصاليون بلوش، مستهدفين العلاقات الصينية الباكستانية. ويطرح الهجوم تساؤلات كبيرة حول المشاريع الصينية الباكستانية التي يمر معظمها عبر بلوشستان، لا سيما إذا استمرت مثل هذه الهجمات، وتداعياتها على المشاريع الصينية في البلاد، والتي ستصبح أمام مخاطر كبيرة، وهذا ما قد ترغب فيه بعض دول المنطقة وقوى عالمية تضرّرت بسبب تلك المشاريع. هذه النقطة تحدث عنها رئيس الوزراء عمران خان ووزير الخارجية شاه محمود قرشي. وركّزت تصريحات قرشي على هذه القضية، مع إشارته إلى وجود قوى عالمية ودول في المنطقة لا تتحمّل العلاقات الصينية الباكستانية، وتتربص بها، مع تشديده على أن إسلام أباد وبكين مصممتان على المضي قدماً في تعزيز العلاقات بينهما، على الرغم من الأجواء القائمة ومخاطر وقوع مثل هذه الهجمات.

أما عمران خان فقد قال إن الهجوم على القنصلية ردّ فعل من قبل أعداء البلاد على الاتفاقية الاقتصادية الأخيرة بين الدولتين، والتي تم التوقيع عليها خلال زيارته إلى بكين، مشيراً إلى أنه استهداف لمشروع الممر الصيني. وأضاف أن الهجوم في شمال غرب البلاد على الحسينية والهجوم على القنصلية "يأتيان ضمن خطة مبرمجة من قبل أعداء بلادنا، تهدف إلى إرباك الأمن، ولكنهم نسوا قدراتنا الأمنية والعسكرية ووزننا في المنطقة".

وعلى الرغم من إعلان السلطات الباكستانية أن قواتها أفشلت محاولة المهاجمين الدخول إلى مقر القنصلية، مشيدة بدور قوات الأمن والحراسة الموجودة، غير أن بعض التسجيلات من داخل القنصلية، والتي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تسجيلها من قبل بعض الزائرين، أظهرت أن إطلاق نار حصل داخل القنصلية، ما يطرح تساؤلات حول ادعاء السلطات الباكستانية، كما يثبت تمكّن الانفصاليين البلوش من الدخول، وتعاظم خطرهم.


ويدقّ الهجوم ناقوس الخطر، مع نجاح مجموعة "جيش تحرير بلوشستان" في الوصول إلى القنصلية، إذ إن المجموعة، وهي أشهر وأكبر الجماعات الانفصالية البلوشية، كانت في السابق تستهدف الجيش الباكستاني والقوات المسلحة والمشاريع الصينية في إقليم بلوشستان فقط. لكنها إذا استمرت بمنحاها التصعيدي، فإن ذلك سيكون خطراً كبيراً في وجه السلطات الباكستانية، لا سيما في ما يتعلق بالمشاريع الصينية التي تهتم بها البلاد كثيراً، في ظل ضغوط كبيرة تواجهها من الغرب وتوتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة. كما أن بكين نفسها مستاءة بسبب ما تسميها لامبالاة الحكومة الباكستانية حيال الممر الاقتصادي.

أما بالنسبة إلى شمال غرب باكستان، حيث استهدف الهجوم الثاني حسينية وأدى إلى مقتل 25 مدنياً، فهناك حالة من الإرباك قد تزيدها سوءاً الموجة الجديدة من العنف إذا استمرت. فـ"حركة الحماية عن البشتون"، التي تعاظم حضورها في الأشهر الأخيرة، وتتهم السلطات الباكستانية جهات أجنبية بدعمها وحمايتها، تعيد حساباتها وتستعد لموجة جديدة من الاحتجاجات، بعد أن تحركت القبائل البشتونية وتعاطفت معها بسبب اختطاف أحد رموزها، وهو ضابط كبير في الشرطة الباكستانية يدعى طاهر داور، من إسلام أباد في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ووجد جثمانه في 14 الحالي شرق أفغانستان.

في المحصلة فإن الهجمات الأخيرة، وبالنظر إلى الوضع العام في الحزام القبلي، سواء المناطق التي تقطنها العرقية البلوشية في بلوشستان، أو البشتونية في شمال غرب وجنوب باكستان وبمحاذاة أفغانستان، لها دلالات خطيرة، تفرض على الحكومة الباكستانية إعادة حساباتها واستراتيجيتها في التعامل مع تلك المنطقة والقبائل التي تقطنها، إذ إن الوضع المتوتر هناك لا يهدد المشاريع الصينية فحسب، بل حتى الوضع الأمني في البلاد بشكل عام.

دلالات