وهدّد النظام يوم الإثنين الماضي مرة أخرى قوات "قسد" التي تعدّ الوحدات الكردية عصبها الرئيسي، في حال عدم تسليم الأخيرة لمنطقة نهر الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية. وقال وزير الدفاع في حكومة النظام، علي عبد الله أيوب، في مؤتمر صحافي جمعه مع رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن عثمان الغانمي، ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، في العاصمة السورية دمشق "إنّ الورقة المتبقية مع القوات الأميركية هي قسد، وسنتعامل معهم إما بالمصالحات، وإمّا بتحرير الأرض".
ولم يتأخّر ردّ ما يُسمّى بـ"الإدارة الذاتية" التي أعلنتها أحزاب كردية أبرزها حزب "الاتحاد الديمقراطي" بشكل أحادي في مناطق سيطرة الأكراد بشمال شرقي سورية ولا يعترف بها النظام، على تهديدات أيوب، إذ نقلت وكالة "رويترز" أول من أمس عن مصدر في "الإدارة" قوله، إنّ تهديدات النظام باستعادة المنطقة التي يهيمن عليها الأكراد بالقوة "تؤكد على إصرار الحكومة السورية على سياسة القمع والعنف"، معتبراً أنّ "هذه التصريحات تظهر أنّ دمشق تريد التهرب من الحلول السلمية الديمقراطية للصراع السوري".
وحسم النظام بتصريحات وزير دفاعه موقفه من الأكراد السوريين، والذي يقوم على "مصالحة" وفق شروط النظام، أو الحرب في حال عدم الانصياع لها. واتخذ النظام من سياسة "المصالحة" سبيلاً للعودة مرة أخرى إلى المناطق التي خرج منها جبراً أو طوعاً، والفتك بسكانها. ولعل محافظة درعا وريف حمص الشمالي وغوطة دمشق الشرقية أمثلة على هذه السياسة، حيث تكثر حوادث قتل واعتقال المعارضين وتضييق الخناق على المدنيين والسطو على الأملاك.
وكانت جرت جولات تفاوض بين النظام و"قسد" من أجل رأب الصدع في العلاقة التي تجمعهما، والبحث في مصير منطقة شرقي الفرات التي تسيطر "قوات سورية الديمقراطية" على أغلبها، وتعتبر "سورية المفيدة" كونها تضم أغلب ثروات البلاد النفطية والزراعية والمائية. ولكن هذه الجولات باءت بالفشل بسبب إصرار النظام على استلام المنطقة من دون شروط، مستغلاً خوف الأكراد السوريين من محاولات الجيش التركي اقتحام المنطقة والقضاء على الوحدات الكردية في شرقي الفرات، كما فعل العام الفائت في منطقة عفرين شمال غربي حلب. ويبحث الأكراد عن مكاسب ثقافية واقتصادية وعسكرية في منطقة شرقي الفرات التي تضمّ غالبية الأكراد السوريين، ولكنهم يعتبرون أقلية في المنطقة، حيث يشكل العرب معظم السكان.
ورفض النظام أن تكون "قسد" جزءاً من قواته كما طرح الأكراد على طاولة التفاوض، كما رفض أن يتحكّم الأكراد بقسم من آبار النفط، مكتفياً بطرح منحهم حقوقاً ثقافية فقط. وهو ما رفضته "قوات سورية الديمقراطية" التي تعتمد على دعم كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
ويخشى الأكراد السوريون من تبعات سحب الأميركيين لقواتهم من منطقة شرقي نهر الفرات، إذ ربما يوفّر ذلك مدخلاً واسعاً لتدخّل عسكري تركي لا تخفيه أنقرة لإنشاء منطقة آمنة شمال شرقي سورية، بعمق يتراوح بين 40 و60 كيلومتراً، ما يعني نهاية آمال الأكراد التي تجددت خلال الثورة السورية، بحصولهم على "وضع خاص" يرقى إلى مستوى الإقليم في سورية الجديدة. كما يتحسب الأكراد السوريون من اقتحام قوات النظام لمنطقة شرقي الفرات في حال انسحاب الأميركيين، وهو ما دفع المجلس السياسي لـ"قسد" لفتح باب تفاوض وحوار برعاية روسية مع النظام.
وتعليقاَ على هذه التطورات، أشار بسام إسحق، عضو المكتب السياسي في "مجلس سورية الديمقراطية"، الذي يعد الذراع السياسية لـ"قسد"، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ النظام "يسعى لاستعادة مناطق شرق نهر الفرات التي تمثّل ثلثي اقتصاد البلاد، وهو الذي يعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة". وأضاف "كان للنظام فرصة للمصالحة مع قوات سورية الديمقراطية، ولكنه أهدرها، والكلام التهديدي الآن لن يداوي ولن يجدي. لو كان النظام يملك القوة العسكرية لإخراج الأميركيين من (قاعدة) التنف، فكان الأولى به أن يخرج الإسرائيليين من الجولان والأتراك من عفرين وجرابلس والباب" (مدن في شمال سورية يسيطر عليها الجيش التركي وفصائل معارضة مرتبطة به).
وتابع إسحق "النظام يريد من قسد استسلاماً وتسليماً، ولكن من حرر الأرض بدماء ألوف الشهداء لا يستسلم ولا يسلّم مقابل عودة النظام ليحكم الشعب السوري في شمال وشرق الفرات بلوي اليد. على النظام أن يدرك أنّ المعادلة في شرق الفرات غير المعادلة في غربه".
وأنشأ "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن "قوات سورية الديمقراطية" أواخر العام 2015، والتي استطاعت إجبار تنظيم "داعش" على التخلّي عن معاقل مهمة، خصوصاً في مدينة الرقة التي كانت تعتبر "عاصمة لدولة" التنظيم.
ويقترب الصراع مع "داعش" من نهايته، إذ لم يتبق إلا جيب صغير في ريف دير الزور الشرقي، وهو ما يولّد لدى "قسد" مخاوف من تخلي التحالف الدولي عنها مع انتهاء مهمتها، وتركها وجهاً لوجه، إما مع النظام الساعي إلى إعادة سيطرته على الجزء الأهم من البلاد، أو مع الجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة به. لكن من الواضح أنّ واشنطن تضع في حساباتها الإبقاء على تعاون مع "قوات سورية الديمقراطية" في المدى المنظور، وأنها لن تسمح للنظام بالعودة إلى المنطقة بالقوة، كما أنّ التدخل العسكري التركي المباشر غير وارد في الوقت الراهن.