تفاهمات دولية تطيح بمسار جنيف...وترتيبات للتخلص من "عبء" الثورة

15 يوليو 2017
دي ميستورا في ختام جنيف أمس (فرانس برس)
+ الخط -
اختُتمت الجولة السابعة من مفاوضات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة في سورية أمس الجمعة، من دون تحقيق أي نتائج عملية، وسط مزيد من المعطيات التي تشير إلى تضاؤل أهمية هذا المسار، مقابل تقدّم دور التفاهمات والاتفاقات الجانبية التي تتم بين الدول الرئيسية الفاعلة في القضية السورية، وهي تفاهمات باتت تتم على حساب المطالب الأساسية للثورة السورية، بما يتضمن التسليم بدور رئيس النظام السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة، والقبول بشبه تقسيم للبلاد، تحت يافطة محاربة الإرهاب و"الجيوب الأمنية"، والتي يجري تشريعها على أساس أنها "مؤقتة" وتمهد للحل السياسي الشامل.

وفي اليوم الأخير من أيام جنيف الخمسة، عقد وفدا النظام والمعارضة مزيداً من الاجتماعات مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، تركزت حول القضايا الإجرائية المتعلقة بالدستور وقضايا أخرى، لكن من دون التطرق إلى مسألة الانتقال السياسي، كما تطالب المعارضة، بينما يريد وفد النظام التركيز على ما يسميه محاربة الإرهاب.
وشارك في اجتماعات أمس المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، والذي اعتبر أن العملية السياسية تسير ببطء شديد، بسبب عدم رغبة النظام وحلفائه في الوصول إلى الحل السياسي، وسعيهم إلى سد كل الطرق المؤدية إليه. وأكد حجاب خلال اجتماعه مع وفد المعارضة، تمسك الأخير بالعملية السياسية على الرغم من تقدّمها البطيء، مطالباً بموقف دولي حاسم يضع حداً لمعاناة السوريين و"يعيد الاستقرار للمنطقة ويحقق الانتقال السياسي بعيداً عن الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق الشعب". وأكد أهمية التركيز على الحل السياسي وانتقال السلطة المنظم بهدف "منع الفوضى أو تقسيم البلاد أو إقامة مناطق نفوذ دولية".

وبينما تسود المماطلة أجواء جنيف التي لا تحظى بحضور دولي فاعل، يرى مراقبون أن هناك توجهاً دولياً للقضاء على الثورة السورية، عسكرياً وسياسياً، معتبرين أن هذا التوجه قد بدأ بالظهور على شكل انعطافات في مواقف الدول، خصوصاً تلك التي كانت محسوبة كدول داعمة للثورة، إذ تبدو الإجراءات الأحادية التي اتُخذت خارج جنيف، وحتى خارج اجتماعات أستانة، أن لها الأولوية على الأرض، ما دفع المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، للدعوة إلى جعل إقامة منطقة "تخفيف التوتر" في جنوب سورية مثالاً لغيرها من المناطق في إدلب وشمالي حمص والغوطة الشرقية.
وقالت زاخاروفا خلال مؤتمر صحافي أمس الجمعة، إن الوضع في سورية "لا يزال متوتراً، إلا أن هناك تغيرات إيجابية تسمح بالأمل في التوصل إلى تسوية سياسية دائمة وإحلال السلام واستعادة النظام في جميع أنحاء البلاد". وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد بحث مع الملك الأردني عبد الله الثاني، في اتصال هاتفي، مسألة إنشاء منطقة لخفض التوتر في جنوب سورية إضافة إلى القضايا المتعلقة بمحاربة الإرهاب، وفق بيان صدر عن الكرملين.

وفي السياق ذاته، أعلنت الحكومة الأردنية أن الجهود ما زالت متواصلة لصياغة التفاصيل الخاصة باتفاق الجنوب، وقد وصل العمل إلى المراحل النهائية. وقال المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، في تصريحات صحافية، إن "تفاصيل فنية وعسكرية وأمنية دقيقة ما زال العمل جارياً على مراحلها النهائية، ومن الصعب جداً وضع إطار زمني لهذه التفاصيل وما هو شكلها، وجزء كبير من التفاصيل ربما يكون غير معلن وغير متاح للإعلام".
ومع الابتعاد الدولي المتواصل عن المطالبة بتنحية الأسد، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا لا تدعم الأسد، لكنها متمسكة بحق الشعب السوري في تقرير مصيره، حسب تعبيره. وتابع الوزير الروسي: "في ما يتعلق بالأسد فنحن لا ندعمه، لكننا لا نريد إطلاقاً أن يتكرر ما حصل في العراق، حيث كانت دول غربية كثيرة متعطشة للقضاء على الديكتاتور هناك".

وفي ما يبدو أنه امتداد لهذا "الزخم" الذي ولّده الاتفاق الأميركي-الروسي في الجنوب السوري، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد محادثاته مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، أنه طلب ونظيره الأميركي من دبلوماسيين إعداد مبادرة ملموسة في الأسابيع المقبلة بشأن مستقبل سورية، في حين كشف ترامب عن وجود خطة للوصول إلى وقف ثانٍ لإطلاق النار في منطقة بالغة الصعوبة بسورية. وقال ماكرون في مؤتمر صحافي مشترك مع ترامب في قصر الإليزيه، إنه "بالنسبة للموقف في العراق وسورية اتفقنا على مواصلة العمل معاً، خصوصاً في ما يتعلق بصياغة خريطة طريق لفترة ما بعد الحرب". وأوضح أن المبادرة السياسية المشتركة تتألف من مجموعة اتصال تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وعدداً من دول المنطقة وممثلين عن النظام السوري.
وأعلن ماكرون أن فرنسا غيّرت في عهده سياستها حيال سورية، قائلاً: "غيّرنا بالفعل العقيدة الفرنسية حيال سورية، وذلك من أجل التمكّن من الحصول على نتائج والعمل بشكل وثيق جداً مع شركائنا وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية". وأردف ماكرون "لدينا هدف رئيسي: القضاء على الإرهابيين، جميع الإرهابيين". ورأى أنه "من البديهي" أن يشارك ممثلون عن النظام السوري في محادثات حول مستقبل سورية. وقال ماكرون "في هذا الإطار، لا أجعل من رحيل وتنحية بشار الأسد شرطاً مسبقاً لتدخّل فرنسا"، معتبراً أن باريس أغلقت سفارتها في دمشق منذ سبع سنوات من دون أن يحقق ذلك أي جدوى. وشدد الرئيس الفرنسي على خطوط بلاده الحمراء في سورية، وفي مقدمتها استخدام أسلحة كيميائية، مهدداً بأن الرد سيكون مباشراً.


من جهته، أشاد الرئيس الأميركي بإعلان وقف إطلاق النار في جنوب سورية، وقال "عبر إجراء حوار استطعنا أن نرسي وقفاً لإطلاق النار سيستمر بعض الوقت، وبصراحة نحن نعمل على وقف ثانٍ لإطلاق النار في منطقة بالغة الصعوبة في سورية. وإذا نجحنا في ذلك فستفاجؤون بأنه لا نيران تُطلق في سورية، وهذا سيكون رائعاً".

هذه التطورات التي تجرى بمعزل عن رغبة المعارضة السورية، وضعت الأخيرة في موقف جديد لا يتعدى التعبير عن الموافقة أو الرفض لما يجري أو إبداء التحفظات، من دون أن يكون لها أي دور في التأثير على مجريات الأمور. وفي هذا السياق، أصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، بياناً حدد فيه موقفه من اتفاق الجنوب الذي أعلن في السابع من هذا الشهر. وشدد البيان على أنه لا بديل عن الحل السياسي الشامل وفق قرارات الشرعية الدولية، داعياً إلى الكف عن التعاطي مع حلول مجتزأة، وخارج إطار الأمم المتحدة وقراراتها. وقال البيان إنه "لا يمكن القبول ببقاء الشعب وممثله الشرعي خارج إطار الاتفاقيات والمفاوضات التي تمسّ سيادة سورية ومستقبلها".

وحول التغير الذي حصل في مواقف بعض الدول من "أصدقاء الشعب السوري"، بشأن النظر للثورة السورية وللأسد، اعتبر الائتلاف أن ذلك يندرج في إطار "إعادة تأهيل النظام بحجة محاربة الإرهاب". وإذ رحب بأي اتفاق يؤدي إلى وقف العنف والقتل والتدمير بحق الشعب السوري، شدد الائتلاف على أن هذا الاتفاق "يجب أن يكون شاملاً لجميع الجغرافيا السورية، وأن يتكامل بفك الحصار عن المدن والمناطق السورية، والسماح لقوافل الإغاثة الدولية بالوصول، والتوزيع، وإطلاق سراح جميع المعتقلات والمعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وخروج جميع القوات والمليشيات الأجنبية، وعودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم، وهي خطوة غير منفصلة على طريق الحل السياسي الشامل". وقال إن لديه "كثيراً من التخوّف، والتحفظ حول اتفاقية الجنوب أهمها أنها أحدثت شرخاً بين مناطق سورية في الشمال والجنوب، وأوجدت مساراً آخر بعيداً عن جنيف ورعاية الأمم المتحدة، وعززت مناطق النفوذ التي تتموضع في البلاد بأشكال مختلفة، وتمهد لأشكال من إقامة كيانات مرفوضة تشرخ الوحدة الترابية لسورية". وطالب الولايات المتحدة وروسيا، باعتبارهما الطرفين الراعيين للعملية السياسية، أن يتوافقا على فرض الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، وإجبار نظام الأسد على الالتزام بها. وأكد الائتلاف أنه "لا يقبل أن يبقى مبعداً عن المشاركة في كل ما يخصّ الاتفاقات التي تحدث، وفي إدارة المناطق التي تحرر من قوى الإرهاب".

من جهتها، أعلنت غرفة عمليات "البنيان المرصوص" العاملة في درعا، في بيان لها، أنها ترحب بأي جهد لإيقاف "شلال الدم النازف منذ سنين"، مشددة على أن "ذلك لا يتم إلا بإزالة نظام الأسد ومساعدة الشعب السوري في قيادة البلد للوصول إلى الأهداف التي يطمح إليها بالحرية والعدالة".
أما فصائل غرفة عمليات "جيش محمد" العاملة في محافظة القنيطرة، والتي تقودها "هيئة تحرير الشام"، فقد أعلنت رفضها لاتفاقية وقف إطلاق النار في جنوب سورية ووصفتها بـ"المجحف" وتسعى لتقسيم البلاد.
وفي تحليله لهذه التطورات، رأى الصحافي السوري شادي العبدلله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "عملية جنيف برمتها لم تعد مجدية، إذ لا النظام والمعارضة يستطيعان تقديم شيء في هذا المسار طالما كانت الأمور الأساسية تُبحث ويتم البت فيها خارج جنيف"، داعياً إلى وقف "هذه المسرحية".
ورأى العبدلله أنه من الناحية العملية لم يعد هناك ما يستدعي أن يتحادث الوكلاء ما دام القرار ليس في أيديهم، وطالما بات ممكناً أن يتحادث "الأصلاء" أي الراعيين الأميركي والروسي، بالتنسيق مع القوى الإقليمية الفاعلة في طهران وأنقرة وعمان وتل أبيب، فلا حاجة لاجتماع ممثلي النظام والمعارضة في جنيف، لأن هذه الاجتماعات الماراتونية لن ينتج عنها شيء ضمن المعطيات الحالية، وفقدت حتى بريقها الإعلامي. وأضاف أن الدول الكبرى تنهمك اليوم في توزيع الحصص وتقاسم النفوذ في سورية، في ظل غياب أي سند قوي للمعارضة السورية، إذ تنشغل دول الخليج بأزمتها الخاصة، بينما تهتم تركيا بتحقيق مصالحها الخاصة والذود عن أمنها القومي في وجه التهديدات الناشئة عن الأزمة السورية.