بعد سنوات من التخبط سياسياً في كيفية مقاربة الملف اللبناني وتحديداً منذ عام 2005، تحاول السعودية اليوم العودة إلى لبنان، عبر مشاركة المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، الذي وصل إلى بيروت مساء الثلاثاء ويبقى حتى الخميس حين يشارك في مهرجان ذكرى اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، في حدث يبدو فريداً تنظمه سفارة السعودية في بيروت بالتعاون مع "مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة"، تحت عنوان "منتدى الطائف… إنجازات وأرقام".
يعني الدور السعودي في لبنان منذ ما بعد الطائف، ثلاثية واضحة: اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وكرس صلاحيات رئيس الوزراء على حساب رئاسة الجمهورية، ورفيق الحريري، وإعادة إعمار لبنان، وهي الثلاثية التي انهارت بعد عام 2005 عملياً، إثر اغتيال الحريري الأب، والتضعضع وحتى عدم وضوح الرؤية السعودية مما يراد من لبنان. هكذا كانت المملكة تريد لبنان تارة ساحة ضد إيران، مثل مرحلة استقالة سعد الحريري القسرية من الرياض خريف 2018، وتارة أخرى تريده ساحة تهدئة، وفي كل المراحل دفع تيار "المستقبل" وحلفاء السعودية في لبنان الثمن.
في مرحلة التخبط هذه، كان الدور الإيراني وحضور "حزب الله" لبنانياً وإقليمياً يتعاظم، وصولاً إلى الوضع السائد الحالي، وبسط سيطرة الحزب سياسياً على البلد، وعلى مجلس النواب وعلى الحكومة، وصولاً إلى طرح مشاريع تضرب الطائف، بالمباشر عبر طروحات المثالثة على المواقع الثلاثة الأولى (رئاسات الجمهورية والحكومة والنواب) والمؤتمر التأسيسي، أو مواربة عبر قوانين أو ممارسات، تصب في خانة ضرب الطائف.
تحيي المملكة ذكرى الطائف، وكذلك ذكرى اغتيال الحريري، على الرغم من أن سياساتها في لبنان لا تزال متضاربة ومتذبذبة، وليس أدل على ذلك سوى العلاقة التي لا تزال مضطربة مع سعد الحريري، وسط حديث عن أن زيارة العلولا قد تحمل تحولاً جديداً في المقاربة السعودية للبنان، وتعيده إلى أولوية اهتماماتها في مواجهة نفوذ إيران.
ودارت أحاديث كثيرة قبل وصول العلولا إلى بيروت عن "مفاجآت" ستتخلل زيارة الموفد السعودي إلى لبنان، في رد على زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان قبل يومين، وهي مرتبطة بتقديمات أو مساعدات مالية، كذّب العلولا وجودها اليوم لدى وصوله، أو تعاون لبناني – سعودي، انقطع قبل سنوات إثر الخلاف بشأن تورط "حزب الله" في سورية، وتحديداً مساعدات الجيش اللبناني.
ويستند هذا التوقع أيضاً إلى أن رفض الحريري المساعدات الإيرانية جاء ليصب في هذه الخانة خصوصاً أنه لفت إلى مصالح لبنان، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية. وتقول المصادر إنه حتى في حال لم يعلن العلولا عن استئناف المساعدات السعودية بمليار دولار المخصصة للجيش اللبناني، إلا أن الملف سيكون حاضراً بقوة في لقاءات المسؤول السعودي.
وتؤكد المصادر أن زيارة الموفد السعودي لا يمكن وضعها في خانة السياسة الواضحة تجاه لبنان، خصوصاً أنها أتت على عجل للرد على زيارة الوزير الإيراني ظريف، ولهذا أرادت المملكة وفداً كبيراً يضاهي ضخامة الوفد الإيراني، لتؤكد أنها لا تزال حاضرة في لبنان، ولها دور فيه، على الرغم من أن هذا يجافي الحقيقة السياسية.
ترتيب الزيارة على عجل ترك أيضاً مشاكل لوجستية وبروتوكولية، خصوصاً أن البلاد مشغولة بجلسات منح الثقة للحكومة، إلا أن الموفد سيجول على القيادات اللبنانية من حلفاء الرياض، مثل النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وغيرهما من رموز معسكر 14 آذار سابقاً، فضلاً عن الحريري طبعاً، خلال مدة إقامته ليومين فضلا عن لقاءات مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري.
وفي انتظار تبيان ما سيحمل معه الموفد السعودي للرد على الموفد الإيراني، تؤكد المصادر أن نظرة المملكة إلى لبنان لم تتغير بعد، وأن الزيارة وكل ما ستحمله لن يعدو كونه محاولة للرد على إيران، حتى لو تضمنت الزيارة "سخاء" ماليا، خصوصاً أن النظرة السعودية إلى لبنان، تعتبره رهينة بيد "حزب الله" وتالياً إيران.