الجزائر: عصابة ناعمة وخراب كبير

24 ابريل 2019
على الجزائريين العمل على تنظيف البلاد(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

اكتشف الجزائريون أن حجم الخراب واسع وأكبر من أن يتم اصلاحه في أسابيع أو أشهر، وأن عبد العزيز بوتفليقة الذي جاء رئيساً منقذاً عام 1999، كان يغطي غابة من الفساد، وأن البلد بكل مقدراته كان مجرد سمكة في صحن عصابة. لكن الجزائريين سيكتشفون أيضاً أن هذه "العصابة" التي كانت تحكم وتُحكم قبضتها على المقدرات، لا تشبه عصابات كارتل ميديين الكولومبية ولا طرابلسية تونس ولا حتى المافيا الإيطالية. إنها عصابة ناعمة أسست لمدرسة جديدة في الفساد، تُسمّى "الفساد بالقانون"، فيتم تفصيل القوانين على مقاس يتناسب مع مؤهلات الفساد والنهب الممكن، ويتم بنفس القانون توظيف واستخدام كافة مؤسسات الدولة السياسية والأمنية باسم الاستثمار والصناعة والسياحة.

لن يكون مفاجئاً أن يطلع الجزائريون على توصية وزير لصالح بارون مخدرات لبناء فندق سياحي، أو تصريح مدير مصرف بأنه منح قروضاً بالمليارات بمجرد "تعليمة هاتف". أكثر من ذلك سيكتشف الجزائريون أن القضاء الذي يسائل الفاسدين الآن، هو نفسه الذي أصدر أحكامه الظالمة على شباب ناشط كان يعارض خيارات سياسية خاطئة، وعلى شرفاء رفضوا مسايرة المافيا، وأن جهاز الدرك الذي يلاحق رجال الأعمال ومسؤولين في العهد الجديد بتهم الفساد، هو نفسه من استُخدم من قبل "العصابة" وذراعها المالي والإعلامي لملاحقة نشطاء، وأن جهاز المخابرات الذي قصّر في رصد إرهابيين يهاجمون منشأة الغاز في تيقنتورين، وعن الجواسيس في شركات النفط التي تشرب نفط الصحراء، تحول في عهد بوتفليقة إلى جهاز يلاحق المعارضين ويتنصت على هواتفهم ومقراتهم، وأن قائداً عسكرياً مؤتمناً على أمن البلد وسلامته يوزع السلاح ويبدد الذخيرة لصالح "عصابة".

لا شيء يدعو للاستغراب فالفساد لم يكن بحاجة إلى دليل في الجزائر أو إثبات حتى، كان يمكن لأي زائر أجنبي ينزل بمطار الجزائر الدولي ويدلف من باب الخروج أو حتى قبلها، أن يدرك أن هذا المطار ليس مطار بلد نفطي، وأن هذه البوابات والشرطي الذي يقف في استقباله لا يليقان ببلد نفطي، وكذلك الشوارع ووسائل النقل والمستشفيات والمدارس والمدن حيث البؤس والعبوس، وحيث يكتشف كل زائر أن أن ثمة خللا لا محالة في هذا البلد، وأنه لا يمكن صرف 989 مليار دولار في 20 سنة والنتيجة كل هذا الخراب. "الحراك الأصغر" في الجزائر أعطب مشروع العهدة الخامسة الذي كان يتوجه بالبلد إلى كارثة تصفّي كامل مخزونه المالي ويضعه على حافة الانهيار الكامل. ما ينتظر الجزائريين الآن بكثير من الجهد والصبر، هو "الحراك الأكبر" لتنظيف كل هذا الخراب السياسي والاقتصادي والإعلامي، ووضع أسس انطلاق سياسي جديد يحتكم فيه للقانون والعدالة وتكافؤ الفرص وإعادة بناء بلد مشعّ.
المساهمون