أحمد مناصرة... رمز معاناة أطفال فلسطين على يد الاحتلال

10 نوفمبر 2015
تختصر قضية أحمد معاناة كل طفل فلسطيني (فرانس برس)
+ الخط -
من جريح على شفا الشهادة إلى أسيرٍ يتعرّض للتعذيب النفسي والجسدي، بات الطفل أحمد مناصرة رمزاً فلسطينياً حياً، لما يعانيه جيل فلسطيني كامل، فتح عيونه وهو يرى الاحتلال الإسرائيلي يُمعن في القتل والاعتقال، وهدم البيوت وسرقة الأرض.

وقد ظهر الطفل مناصرة (13 عاماً)، يوم الإثنين، في شريط فيديو صادم، وهو يتعرّض لضغوطٍ نفسية هائلة من المحققين الإسرائيليين. لا أحد يعرف كيف تمّ تسريب الشريط، أو من سرّبه، لكن الشكوك الكبيرة تحوم حول الاستخبارات الإسرائيلية، التي أرادت أن يكون تعذيب أحمد عبرة لأطفال فلسطين، فإذ بالسحر ينقلب على الساحر، ويصبح الطفل رمزاً للصمود والثبات، ومثلاً أعلى لأقرانه.

وقد شاهد الملايين أحمد، وهو يدافع عن نفسه من تهمة القتل، وفي كل مرّة كان يردّ فيها على أسئلة محققيه بعبارات "نهائي"، و"مش متذكر"، كان المحقق يمعن في الصراخ عليه وشتمه، موجّهاً لأحمد تهمتي "القتل"، و"مساعدة عدو في زمن الحرب".

عن الشريط يقول والد أحمد بنبرة حزن ممزوجة بالغضب، لـ"العربي الجديد"، إنها "المرة الأولى التي نشاهده فيها في غرف التحقيق. كان أمراً مفاجئاً وصادماً لنا. انهارت والدته وهي تشاهده. لم نحتمل رؤية ما يحدث، فأغلقنا التلفزيون كي لا ترى ما يحدث مع نجلها لاحقاً. وقد بدا أنه لا يتذكر شيئاً، وهو لا يتذكر ما حدث معه حتى هذه اللحظة".

لا يدرك والد أحمد المغزى من بث الشريط، ويرى أن "من سرّبه ربما يريد ترهيب غيره، وبث الرعب في قلوبهم"، ويضيف "أنا مش عارف كيف العالم كله بشوف اللي شفناه وشو صار مع أحمد، وبظل ساكت؟ حسبي الله ونعم الوكيل". وكانت عائلة أحمد قد زارته في مقرّ احتجازه في بلدة يركا، ويقول والده في هذا الصدد، إنه "بدا هزيلاً، وتؤلمه تسع غرز في رأسه". ويكشف أن "نجله يخضع لإشراف ورقابة من قبل مرشدين في تلك الإصلاحية، علماً بأنه اشتكى من تعرّضه لضغوطٍ عنيفة من سجّانيه، وسوء معاملة خلال اعتقاله، حين كانوا يُسمعونه تهديداتٍ بالقتل".

من جهته، يرى العضو العربي، مسؤول ملف الأسرى في الكنيست، أسامة السعدي، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الغاية من وراء التسريب، أكبر من مضمونه، على الرغم من المخالفات الكبيرة الموجودة فيه، مما يقود إلى الاستنتاج بأن الاستخبارات الإسرائيلية، هي من قامت بالتسريب على الأغلب".

ويتابع السعدي: "في ملف مناصرة، تمّ تسريب أربعة أشرطة حتى الآن. سُرّب الشريط الأول يوم إصابة أحمد (الشهر الماضي) وتركه ينزف فيما كان أحد المستوطنين يكيل له شتائم نابية، والثاني في المستشفى، والثالث في المحكمة، والرابع أمس الأول، في التحقيق". ويوضح أن "الهدف من التسريب هو إرسال رسالة ترهيب وتخويف للأطفال، بأن مصيركم سيكون مثل مصير أحمد مناصرة، وأن هذا هو المصير الذي ينتظركم في غرف التحقيق".

ووفقاً للسعدي، فقد تحرّك النواب العرب في الكنيست عبر توجيه رسالة مستعجلة للمستشار القضائي (يهودا فاينشتاين) ووزير الأمن الداخلي (جلعاد أردان)، تمّ طلب عقد جلسة خاصة للجنة الداخلية في الكنيست، فضلاً عن المطالبة " بالتحقيق في مضمون الشريط والمخالفات الواضحة فيه، وفصل المحققين على الفور، وإطلاق سراح مناصرة".

اقرأ أيضاً: أطفال الانتفاضة في سجون الاحتلال... ضحايا الانتقام الإسرائيلي 

وتكشف عن أنه "نحن على اتصال مع جميع المعنيين بالأمر، بما في ذلك نقابة المحامين، وجمعيات حقوق الإنسان، ويجب اتخاذ خطوات استثنائية لمواجهة هذا التصعيد الخطير، والانتهاكات المتكررة والمنهجية بحق الأطفال".

وكانت ما تُسمّى بالمحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة، قد أجّلت، أمس الثلاثاء، محاكمة مناصرة، المتهم بطعن مستوطنين في مستوطنة "بسغات زئيف" المقامة على أراضي الفلسطينيين، حتى 26 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

وقال طارق برغوث محامي مناصرة، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار التأجيل كان متوقعاً"، واتهم برغوث المحكمة الإسرائيلية بـ"المماطلة في إصدار قرار الحكم، وذلك لكي تتمكن النيابة العامة من استمرار اعتقاله، تمهيداً لإصدار حكم بالسجن بحقه".

ويُعرب برغوث عن تفاؤله بإمكانية إنهاء القضية ضد موكله قبل التئام جلسة المحكمة القادمة. ويقول إن "موكله أحمد، بات رمزاً مهماً، بعد تسريب الشريط الذي يُظهره ملقياً على الأرض ويتلقّى الشتائم والتهديد بالقتل من قبل مستوطنين وعناصر شرطة، والشريط الثاني الذي شاهده الملايين في أرجاء المعمورة، ويُظهره وهو يتعرّض لضغوط هائلة وتعذيب نفسي شديد من قبل محققيه". ويدعو برغوث إلى "نشر معاناة أحمد على مستوى العالم، لأنه يمثل معاناة كل طفل فلسطيني، وبالتالي علينا أن نوصل صوت أحمد وصرخته لهذا العالم، الذي يرى في إسرائيل واحة الديمقراطية في المنطقة، في حين أن ما ظهر عليه محققوها وأجهزتها الأمنية يكذب تلك المقولة ويدحضها".

ويضيف أن "مثل هذه الممارسات قد تكون حدثت قبل 70 عاماً، أي قبل أن توقع دول العالم اتفاقيات حقوق الطفل وحمايته، لكن هذه الممارسات لا تزال موجودة في دول مارقة مثل إسرائيل، لا تحترم المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وبالتالي لا بد من أن يتحول هذا الفيديو إلى وثيقة أساسية نقدمها إلى محكمة الجنايات الدولية لنعاقب بها إسرائيل، على ما ترتكبه من انتهاكات ترقى إلى مستوى الجرائم".

ويدعو برغوث إلى "استثمار الفيديو إعلامياً أيضاً، تماماً كما فعل الإسرائيليون في إعلامهم، حين شيطنوا أحمد الطفل، وأظهروه كإرهابي وقاتل، بينما هو في الحقيقة عكس ذلك تماماً". ويتساءل: "ما شاهدناه بالأمس كان ما سمح بتصويره، مع العلم بأن كل جلسة تحقيق يتم تصويرها، فما بالك بالمقاطع غير المصوّرة، والتي ربما تعرّض فيها أحمد للضرب والضغط الجسدي العنيف أيضاً".

بدوره يُطالب رئيس "نادي الأسير" قدورة فارس، وزارات الخارجية، والإعلام، والعدل، الفلسطينية، ودائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير، بـ"جمع مشاهد الفيديو التي تظهر إطلاق النار على الطفل مناصرة، وتركه ينزف، فيما يقوم المستوطن بتوجيه الشتائم النابية له، مع المشاهد الواردة خلال التحقيق معه، لإرسالها في شريط واحد لكل السفارات والقنصليات الفلسطينية". ويضيف فارس في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المادة تظهر محطة من محطات الاعتقال، وليس أبشعها بالتأكيد، كونه من المستحيل تسريب المحطات البشعة من التعذيب الجسدي في الزنازين".

ويشير فارس إلى أن "النادي يعمل على بلورة موقف بمقاطعة المحاكم الإسرائيلية بشكل كامل، إلى أن يتم إطلاق سراح مناصرة". ويردف: "نعمل على بلورة هذا الموقف بأسرع وقت ممكن، للضغط على المحاكم الإسرائيلية، لإطلاق سراح مناصرة". وحول إمكانية الاستفادة من شريط الفيديو كدليل تتم إضافته لملف الفلسطينيين المقدم للمحكمة الجنائية، يشرح فارس بأن "المحكمة الجنائية تحتاج إلى موقف كامل، لا نصف موقف. والوضع الفلسطيني الحالي موجود في المنطقة الرمادية، نصفه يقاوم الاحتلال ونصفه يتعايش معه، ونحتاج إلى موقف حاسم من الحركة الوطنية الفلسطينية".

اعتقالات الأطفال
في سياق متصل، يؤكد رئيس "لجنة أهالي أسرى القدس" الباحث والناشط، أمجد أبو عصب، على أن "رمزية أحمد كطفل، عكست معاناته آلام وأوجاع نحو 650 طفلاً، اعتُقلوا منذ مطلع العام الحالي، ومثلهم اعتُقلوا العام الماضي وعُذّبوا، تحديداً بعد استشهاد الطفل، محمد أبو خضير في يوليو/تموز 2014".

ويكشف أبو عصب، في حديثٍ مع"العربي الجديد"، عن معطيات وثّقها، تُظهر اعتقال قوات الاحتلال منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن، طفلتين دون سن الثانية عشرة، و24 طفلة تتراوح أعمارهن بين 12 و18 عاماً، في حين وصلت أعداد الأطفال الذكور المعتقلين في الفترة عينها إلى 646 معتقلاً، تراوحت أعمارهم ما بين 12 و18عاماً، بالإضافة إلى اعتقال 64 طفلاً دون سن الثانية عشرة. ويلفت أبو عصب إلى أنه "تمّ إخضاع أعداد كبيرة من المعتقلين لعقوبة الحبس المنزلي، قبل أن تعاد محاكمتهم ويُزجّ بهم في سجون الاحتلال".

كما تُفيد معطيات مركز "معلومات وادي حلوة"، بـ"ارتقاء ستة أطفال مقدسيين شهداء منذ يوليو/تموز 2014، وهم: محمد أبو خضير، ومحمد سنقرط، ومصطفى الخطيب، ومعتز عويسات، واسحق بدران، بالإضافة إلى الشهيد حسن مناصرة ابن عم الطفل أحمد، حيث كانا سوياً في جولة في مستوطنة بسغات زئيف، قادت حسن إلى الشهادة، في حين سقط أحمد أرضاً مضرجاً بدمه".

اقرأ أيضاً: الشيطان في التفاصيل... الفلسطينية

المساهمون