حراك قضائي بانتظار اختيار السيسي لرؤساء الهيئات: تهافت وتحريات

09 مايو 2019
تتمّ التعديلات وفقاً لنتائج الاستفتاء الدستوري(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الهيئات القضائية المختلفة في مصر حراكاً صامتاً على مستوى دوائر شيوخ الهيئات وأكبر أعضائها سناً، استعداداً للتطبيق الأول للتعديلات الدستورية الجديدة المتعلقة باختيار رؤساء الهيئات في نهاية شهر يونيو/ حزيران المقبل، إذ سيعيّن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين أقدم سبعة من نواب الرؤساء الحاليين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة المتبقية حتى بلوغهم سن التقاعد. أما بالنسبة للمحكمة الدستورية العليا، فسيتم اختيار رئيسها من بين أقدم خمسة نواب حاليين لرئيس المحكمة. وبعد إقرار التعديل بإعلان نتيجة الاستفتاء الذي أجري الشهر الماضي، أصبح من حق أقدم 7 نواب لرؤساء الهيئات الحاليين أن يحلموا بأن يتم اختيارهم من قبل رئيس الجمهورية، وذلك في مجلس القضاء الأعلى (محكمة النقض) ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية. ما دفع عدداً من النواب الكبار سناً في هذه الهيئات والمتواجدين خارج البلاد لقطع إعاراتهم أو إجازاتهم والعودة استعداداً لطرح أسمائهم من ضمن المرشحين للاختيار كرؤساء للهيئات.

وبحسب مصادر قضائية في هيئة قضايا الدولة ومحكمة النقض، فإن عدداً من النواب بدأوا إجراء اتصالات بوزارة العدل وبشخصيات نافذة في الجيش والمخابرات وبدوائر مختلفة على صلة بالنظام، لطرح أسمائهم على "القيادة السياسية" وتزكيتهم لتولي رئاسة الهيئتين. كما عاد اثنان من القضاة المعارين في الهيئتين إلى عملهما فجأة، ليكون اسماهما مطروحين من المرشحين. ووصفت مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، الحراك الحاصل بأنه "تهافت غير مسبوق على إرضاء السلطة السياسية" إلى حد تقديم بعض الشخصيات تعهدات بتقديم بعض الخدمات للحكومة وتحديث العمل داخل الهيئة حسب توجيهات السيسي، غير المحددة بالفعل، وذلك في إطار الترويج ومحاولة اكتساب الثقة.

ويكتسب تطبيق النص الدستوري الجديد هذا العام أهمية استثنائية لأن هذا العام سيشهد تغيير جميع رؤساء الهيئات الحاليين وهم: رئيس المحكمة الدستورية المستشار حنفي جبالي، وهو آخر من وصل لهذا المنصب بالأقدمية المطلقة، ورئيس مجلس الدولة المستشار أحمد أبو العزم، الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في عام 2017، ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض المستشار مجدي أبو العلا، الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017، ورئيس هيئة قضايا الدولة المستشار حسين عبده خليل، الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في عام 2017، ورئيسة النيابة الإدارية، المستشارة أماني الرافعي، التي تم تعيينها بالمخالفة للأقدمية في عام 2018.

لكن "مخالفة الأقدمية" وفقاً للنص الدستوري الجديد، ستكون مغايرة للمخالفة التي طُبّقت عام 2017 بإصدار السيسي القانون الذي يمكنه من اختيار رؤساء الهيئات، بهدف التخلص من المستشار يحيى دكروري في مجلس الدولة والمستشار أنس عمارة في محكمة النقض، لأن القانون السابق (واجب التعديل الآن) كان يمنح المجالس العليا للهيئات سلطة إرسال قائمة قصيرة مكوّنة من 3 مرشحين ليختار السيسي أحدهم رئيساً للهيئة. أما النص الدستوري الجديد، وإمعاناً في امتهان القضاة، فجعل من حق السيسي الاختيار من دون شروط، من بين أقدم 7 نواب، وهو ما يعني عملياً انتقال سلطة الاختيار والاستبعاد إلى الجهات الأمنية والمخابراتية التي ستعد للسيسي بياناً بشأن كل مرشح محتمل ومميزاته ومشاكله.

في السياق، كشف مصدر بوزارة العدل، لـ"العربي الجديد"، أن "عملية الاستعلام الأمني عن جميع المرشحين في كل هيئة، بدأت بالفعل في اليوم التالي لإقرار التعديلات الدستورية، مع طلب هيئة الأمن القومي وجهاز الأمن الوطني من وزارة العدل ومن الأمانة العامة لكل هيئة صوراً ضوئية من الملفات الشخصية الخاصة بكل قاض من المرشحين. وهي الملفات التي تشمل الدرجات الوظيفية التي شغلها سلفاً، والجهات الحكومية التي انتدب بها، ودخله الشهري الإجمالي، والقروض السابقة وحتى الأموال التي حصل عليها من مشروع العلاج للقضاة وأسرهم".



وأضاف المصدر أن "هذه البيانات ستُضاف بالطبع إلى معلومات أخرى خاصة بالجوانب الأمنية والسياسية للقضاة وأفراد أسرهم وبالأخص لأبنائهم وزوجاتهم، وسيتم توثيقها بصور من حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك فقد وجه بعض المسؤولين نصائح للقضاة المرشحين الراغبين في الوصول للمنصب بأن يغلق أبناؤهم صفحاتهم الشخصية على فيسبوك وتويتر، تحسباً لاصطياد أي منشورات قديمة تحتوي على سخرية أو معارضة لسياسات النظام".

وأوضح مصدر وزارة العدل لـ"العربي الجديد" أن "إدارة التشريع بالوزارة انتهت من إعداد تعديل على قانون تعيين رؤساء الهيئات الصادر في عام 2017، ليكون متماشياً مع النص الدستوري الجديد. كما أجرت تعديلاً آخر على قانون المحكمة الدستورية العليا، وسيكون الأول منذ عهد المجلس العسكري الحاكم، بعد خلع (حسني) مبارك، لتعديل طريقة تعيين رئيس المحكمة ورئيس هيئة المفوضين".

وأضاف المصدر أن "الوزارة تعكف على إعداد قانون المجلس الأعلى لرؤساء الجهات والهيئات القضائية، الذي ينصّ الدستور بعد تعديله على إنشائه برئاسة السيسي وينوب عنه رئيس الهيئة الذي يفوضه، على أن يختص بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية وترقيتهم وتأديبهم، ويؤخذ رأيه في مشاريع القوانين المنظمة لشؤون هذه الجهات والهيئات، وتصدر قراراته بموافقة أغلبية أعضائه على أن يكون من بينهم رئيس المجلس، أي سيكون للسيسي صوت راجح وحق نقض للقرارات المخالفة لاتجاهه".

وكشف المصدر عن أن "مشروع القانون الجاري إعداده سيتضمن مادة تمثل مشكلة لقضاة مجلس الدولة تحديداً، لكونها تشترط موافقة المجلس على التعيينات والترقيات لتكون متوائمة بين كل الهيئات. الأمر الذي سيصبّ في مصلحة الهيئات التي بها عدد أكبر من القضاة وينخفض فيها دخل القاضي الواحد، لأن مجلس الدولة كان قد عمد في السنوات العشر الأخيرة إلى ترقية عدد كبير من القضاة الشبان وخفض السن الدنيا لبعض الدرجات القضائية العليا، كنائب رئيس مجلس الدولة، ليتم ترقية القضاة بشكل أسرع ويضمن حصولهم على أجور أكبر من أقرانهم بالهيئات الأخرى. وهو ما كان يزيد من الاحتياجات المالية السنوية للمجلس".

وسيلبي هذا التنظيم الجديد رغبة السيسي في خفض الميزانيات المخصصة للهيئات القضائية ومجلس الدولة تحديداً. الأمر الذي كان يحاول تطبيقه منذ عام 2014. بالتالي سيتم إسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى، بناء على الترقيات التي يحدد هو شروطها، مع حرمان كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات كما كان يحدث في السنوات الست الماضية، وذلك نظراً لتملّص القضاة المستمر من القيود المالية التي وضعها السيسي، المتمثلة في قانون الحد الأقصى للأجور وخفض جهات ندب القضاة للعمل كمستشارين للحكومة وتطبيق الدفع والتحصيل الإلكتروني، واستمرار محاولتهم إخفاء مخصصاتهم عن الرقابة.

وبحسب مصدر وزارة العدل فإن "القانون سيتضمن أيضاً مادة تقنن وتنظم تدريب الخريجين المختارين للتعيين في الهيئات القضائية بالأكاديمية الوطنية للشباب أو أي جهة يختارها المجلس الأعلى. وهو ما يأتي في سياق تنفيذ تعليمات السيسي بعدم اعتماد تعيين أي دفعة جديدة من الخريجين بعد تخطيهم الاختبارات والمقابلات الشخصية المشترطة والتحريات الأمنية والرقابية، إلا بعد الالتحاق أولاً بدورات التأهيل بالأكاديمية الوطنية، واستبعاد من لا يجتازون هذه الدورات أو يتبين من الفحص أن لديهم انتماءات سياسية أو أفكارا معارضة، حتى إذا كانوا من الأوائل على دفعاتهم، أو كانوا على رأس اختيارات الهيئات للالتحاق بها".