"شرقي الفرات" السورية... هل اقترب الحسم؟

06 اغسطس 2019
تؤكّد "قسد" استعدادها لمواجهة أي تهديد لمناطق نفوذها(غوزيبه كاكاس/Getty)
+ الخط -
يتجه الموقف إلى مزيد من التوتر والتصعيد فيما بات يُعرف إعلامياً بـ "منطقة شرقي الفرات" السورية، في ظلّ مؤشرات على أنّ الأتراك حسموا أمرهم أخيراً لتبديد مخاوفهم من إقليم ذي صبغة كردية من المحتمل أن يرى النور في شمال شرقي سورية بدعم غربي، وهو ما تعتبره أنقرة تهديداً لأمنها القومي لن تسمح بإقامته سلماً إن أمكن أو حرباً في حال لم تُردم هوّة الخلاف بينها وبين واشنطن حول مصير هذه المنطقة التي تعادل نحو ثلث مساحة سورية. وقد عقد الطرفان أمس، في ظلّ هذه التطورات، اجتماعاً وُصف بـ"الحاسم" بشأن مصير المنطقة الآمنة شرقي الفرات التي يختلفان بشأنها، على أن يستكمل اليوم، بما يؤشّر إلى أنّ محادثات أمس لم تصل إلى طريق مسدود، وسط ترويج تركي بأن أنقرة تحتاج إلى شهر لإطلاق أي عملية بحال قررت ذلك. ويأتي ذلك فيما يواصل الأكراد السوريون التهديد بمواجهة أي قوات تدخل مناطق نفوذهم، معولين على دعم غربي لهم، خصوصاً أنّ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي يشكلون ثقلها الرئيسي تعتبر الذراع البرية للتحالف الدولي في حربه ضدّ الإرهاب في سورية.

وكرّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أوّل من أمس الأحد تهديده بشن عمل عسكري واسع النطاق ضدّ "قسد" في منطقة شرقي الفرات، لافتاً إلى أن بلاده أبلغت روسيا والولايات المتحدة بخصوص العملية المرتقبة. بدوره، جدّد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس الإثنين، دعوة بلاده لواشنطن كي تكف عن دعم الفصائل الكردية في شمال سورية. وقال خلال مؤتمر صحافي في أنقرة "ننتظر الولايات المتحدة كي تردّ إيجابياً على دعوتنا الكفّ عن التعاون" مع وحدات حماية الشعب الكردية.
وأمام هذه التطورات وتهديدات أنقرة التي تبدو أكثر جديةً هذه المرة، أعلنت وزارة الدفاع التركية أمس، أنّ اجتماعاً فنياً تركياً أميركياً لتنسيق إنشاء المنطقة الآمنة شمال سورية، بدأ في مقر الوزارة بأنقرة، صباح أمس على أن يستكمل اليوم. وأوضحت الوزارة في بيان صدر عنها أنّ "الاجتماع يضم مسؤولين عسكريين أميركيين، إضافة إلى الجانب التركي، بهدف مناقشة المنطقة الآمنة"، فيما يُعتبر هذا الاجتماع هو الثاني بعد لقاءات جرت قبل أسبوعين في أنقرة، ضمّت المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، ومسؤولين أتراكاً.
وفي السياق، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب أطلقت جهداً أخيراً من أجل تجنب اجتياح تركي لشمال شرق سورية، من المتوقع أن يبدأ خلال الأسبوعين المقبلين. وتحدّثت الصحيفة عن أنّ الوفد رفيع المستوى من وزارة الدفاع الأميركية هدف لتقديم ما يصفه المسؤولون الأميركيون بـ"العرض الأخير"، لمعالجة مخاوف تركيا في الاجتماع الذي عقد في أنقرة. ويتضمّن العرض الأميركي عملية عسكرية أميركية تركية مشتركة، لتأمين شريط جنوبي الحدود السورية التركية، بعمق 14 كيلومتراً وبطول 140 كيلومتراً، يتم سحب المقاتلين الأكراد منه. وتقوم القوات الأميركية والتركية، بموجب هذه العملية، بتدمير التحصينات الكردية، وحراسة المنطقة الواقعة في الثلث الأوسط من الحدود الشمالية الشرقية، بين نهر الفرات والعراق، على أن يتمّ توضيح الأمور بشأن الثلثين المتبقيين في وقت لاحق. في المقابل، ترفض تركيا هذا العرض، مع إصرارها على منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً على الأقل، وتفضيلها السيطرة عليها لوحدها.

وفي حين أنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها تركيا باجتياح هذه المنطقة، إلا أنّ التهديد هذه المرة حقيقي ووشيك، وفق ما أكد مسؤولون أميركيون وأكراد وأوروبيون، تحدث بعضهم لـ"واشنطن بوست"، شرط عدم الكشف عن هويتهم.
في غضون ذلك، ذكرت مصادر مطلعة في المعارضة السورية لـ "العربي الجديد"، أنّ هناك خلافات بين أنقرة وواشنطن حول عمق المنطقة الآمنة، إذ يصرّ الأتراك على أن تكون 40 كيلومتراً على طول الحدود السورية التركية شرقي نهر الفرات، في حين يرى الأميركيون أنّ 5 كيلومترات كافية، وفق ما نصّ عليه اتفاق "أضنة" الموقع بين النظام والأتراك في عام 1998 بعد تهديد باجتياح شمال سورية في ذلك الحين، رداً على دعم نظام حافظ الأسد لحزب "العمال الكردستاني". وأعطى الاتفاق الشهير تركيا حق "ملاحقة الإرهابيين" في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، و"اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرّض أمنها القومي للخطر".


ووفق المصادر، لا تزال هوة الخلاف واسعة بين الطرفين التركي والأميركي حول إدارة المنطقة الآمنة، إذ تطالب أنقرة بانسحاب الوحدات الكردية من المنطقة وتشكيل مجالس محلية على غرار ما جرى في منطقة عفرين. وفي حال تطبيق فكرة "المنطقة الآمنة"، وفق الرؤية التركية، فإنّ ذلك يعني خروج الوحدات الكردية من أهم المدن التي تسيطر عليها حالياً، ومنها: عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين والقامشلي في ريف محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية.

في السياق، فضّل القيادي في "الجيش السوري الحر" في شمال سورية، مصطفى سيجري، انتظار نتائج الاجتماع التركي الأميركي الحاسم الذي بدأ أمس في أنقرة قبل الحديث عن سيناريوهات محتملة حول مصير شرقي الفرات. لكنّ سيجري أكّد لـ"العربي الجديد"، أنّ العمل العسكري هو الخيار الوحيد في حال فشل المفاوضات بين الجانبين التركي والأميركي. وأشار إلى أنّ محاور العملية المرتقبة تحددها غرفة العمليات العسكرية القائمة الآن بين الجيش التركي والجيش الوطني التابع للمعارضة السورية المسلحة.
ورداً على سؤال حول مصير مدينة تل رفعت ومحيطها التي تسيطر عليها الوحدات الكردية في ريف حلب الشمالي، أشار سيجري إلى أنّ هذه المنطقة تقع تحت النفوذ الروسي، مضيفاً "هناك مفاوضات حول المنطقة قائمة بين موسكو وأنقرة".
من جانبه، يبدو أن الجانب الكردي السوري يعوّل على الجانب الأميركي والغرب عموماً في إيقاف أي محاولة اجتياح تركي لشرقي نهر الفرات. وفي هذا الصدد، رأى الباحث السياسي المقرّب من "الإدارة الذاتية" الكردية في شرقي نهر الفرات، إدريس نعسان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تركيا "تسعى بكل الطرق والوسائل إلى هدم وتدمير حالة الإدارة الذاتية والاستقرار في شمال شرق سورية، وتغيير ديمغرافية المنطقة عبر توطين اللاجئين السوريين من المناطق السورية الأخرى فيها".
وتابع "هي (تركيا) لذلك لا توفر جهداً لشنّ عملية عسكرية واسعة ضدّ هذه المنطقة، ولكن لا أعتقد أنّ الظروف ولا التوازنات مواتية لها لتنفيذ تهديداتها والتوغل شرق الفرات، كما يصرح ويهدد به الرئيس التركي وكبار مسؤولي حكومته". وأشار نعسان إلى أنّ "شرق الفرات تتمتع بحماية قوات سورية الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وهو الأمر الذي يجعل من المغامرة التركية مستحيلة ما لم تحصل أنقرة على موافقة أميركا أولاً وروسيا ثانياً، باعتبار الأخيرة حليفة للنظام والدولة السورية".

وأعرب نعسان عن اعتقاده بأنّ الموافقة الروسية على عملية تركية شرقي الفرات "قد تكون سهلة فيما لو قايضتها بإدلب"، مضيفاً: "لكن الموافقة الأميركية صعبة وتكاد تكون مستحيلة، وفقاً لمعطيات الشد والجذب التي تعتري جهود التفاوض الأميركية لحلحلة هذه العقدة التركية". وأشار إلى "أنّ الأميركيين يبدون التزاماً واضحاً وجدياً في حماية حلفائهم في قوات سورية الديمقراطية، ويثنون بافتخار على الإنجازات التي حققوها ضدّ داعش، ويحذرون تركيا وكل الأطراف التي تهدد هؤلاء الشركاء من مغبة القيام بذلك".
واعتبر نعسان أنه "لا توجد مخاوف فعلية من قرب شنّ عملية عسكرية تركية ضدّ شرق الفرات"، مضيفاً: "باعتقادي أنّ التهديدات التركية هي أولاً للتغطية على المشاكل السياسية الداخلية التي تعانيها الحكومة التركية. وعليه، يسعى الرئيس التركي إلى إلهاء الرأي العام الداخلي بحرب خارجية، وابتزاز حلفاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي المنزعجين من صفقة صواريخ أس 400 الروسية، عبر تهديداته المتعددة بإغراق أوروبا باللاجئين والهجوم على شمال شرقي سورية وغيرها".



المساهمون