في انتظار الجثمان

10 يونيو 2015
حقد الحكومة العراقية كبير حتى على الأموات (فرانس برس)
+ الخط -
محزنة نهاية طارق عزيز، الرجل الذي طاف الدنيا يمثل دبلوماسية نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فالرجل يقبع اليوم جثة هامدة في إحدى ثلاجات الطب العدلي في بغداد، بعدما قبع لسنوات طويلة في أعقاب الغزو الأميركي للعراق جسداً منهكاً في أحدى زنازين حكام بغداد الجدد، الذين غضوا الطرف عن تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقه، تحت ضغوط دولية وكنسية.

المحزن في موت الرجل، أنه يعطي مؤشراً لحجم الثأرية والحقد اللذين يتعامل بهما حكام بغداد، مع خصومهم حتى بعد انكسار الخصوم، وهو المؤشر الذي يتعدى تعاملهم مع خصومهم من رموز النظام السابق، ويمتد إلى تعاملهم مع خصومهم الحاليين الأحياء الذين لربما كانوا حلفاء في القريب. نهجٌ يجعل الخروج من دائرة الفوضى في بلاد الرافدين حلماً بعيد التحقق، بل حلماً مستحيلاً.

اليوم تبقى جثة عزيز في ثلاجة الموتى البغدادية إلى أجل غير مسمى، ويبقى قبره الفارغ في عمّان، ينتظر وصول الجثمان، بعدما أعلنت الحكومة الأردنية موافقتها على استقبال الجثمان ليدفن في الأردن حيث تقيم عائلة المتوفى، الموافقة التي جاءت لأسباب إنسانية، كما أعلنت، عازلة نفسها عن أي توتر سياسي مع الحكومة العراقية في حال أبدت بعداً سياسياً لقرارها باستقبال الجثمان. وفيما قالت الحكومة الأردنية كلمتها وصمتت، انشغل المجتمع الأردني المتعاطف والمؤيد في معظمه للنظام العراقي السابق بانتظار الجثمان، الذي يعيق وصوله تمنع الرسميين العراقيين الخائفين من أن يتحول تشييع الرجل إلى تظاهرة لإدانة الحكومة العراقية، رغم أن نظيرتها الأردنية تعهدت بعدم إقامة أي طقوس رسمية خلال التشييع.

انشغال الأردنيين بانتظار الجثمان، وصل حد التنازع بينهم، فتسابق الجميع على شرف استضافته، فأعلن المسيحيون الأردنيون أنهم أحق بدفن الرجل المسيحي في مناطق وجودهم، فيما عبر سكان مدينة الكرك التي تعتبر معقلاً للبعثيين، عن رغبتهم بتكريم الراحل ببيت عزاء يقام في المدينة بعد دفنه. يؤكد وقت الانتظار إلى أن خروج الجثمان يتطلب مغادرة ساسة العراق عقليتهم الانتقامية في الخصومة السياسية، ويتطلب من الأردنيين تعقلاً حتى لا يفجر الجثمان أزمة سياسية لبلادهم هي في غنى عنها.