رحبت مصر بتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن اهتمام بلاده باستئناف مسار المفاوضات الثلاثية مع مصر والسودان بشأن سد النهضة، استناداً إلى قاعدة الاتفاق الثلاثي الموقع في مارس/آذار 2015، بعدم الإضرار والمشاركة في التنمية والاستفادة من مجرى النيل بصورة تراعي مصالح جميع الأطراف. وكان وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو نقل هذا الأمر، عبر القنوات الرسمية الخميس الماضي، إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما استدعى الأخير إلى الترحيب بأن تستضيف القاهرة، أو إحدى العاصمتين الأخريين، مباحثات سريعة لإحياء المسار التفاوضي المجمد منذ الصيف الماضي لأسباب مختلفة.
وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، أنه لا يوجد حتى الآن اتفاق بين الدول الثلاث على صيغة استئناف المفاوضات، وما إذا كانت ستجرى على مستوى سداسي بحضور وزراء الخارجية والمياه، أم على المستوى التساعي بإضافة حضور مديري الاستخبارات، وهي الصيغة التي كانت قد اقترحتها القاهرة، وعلى ما يبدو لم تلق قبول أديس أبابا في الفترة الماضية نظراً لخروج المناقشات عن المواضيع التقنية والتنموية، ودخولها في سياقات أخرى لا يرغب رئيس الوزراء أبي أحمد في إثارتها حالياً.
وذكرت المصادر أن التجربة العملية على مدار الشهور العشرة الماضية أكدت فشل ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شكلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة. وتختص المجموعة بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف، حيث لم يتم حتى الآن البت في الملاحظات التي أبدتها الدول الثلاث على توضيحات الاستشاري الفرنسي، في تقريره، بشأن الآثار الاجتماعية والاقتصادية على دولتي المصب. وأضافت المصادر المصرية أن السيسي يتمسك بحسم مسألة ملء الخزان قبل نهاية العام الحالي بالنظر للمعلومات الواردة من إثيوبيا عن اقتراب نسبة البناء العامة في السد إلى 70 في المائة وتوقعات ببلوغها 75 في المائة بنهاية العام، وأن الأعمال الكهروميكانيكية تقترب من 30 في المائة بالرغم من أنها لم تبدأ قبل بداية العام، وذلك بعد انضمام عدد من المستثمرين، الفرنسيين والصينيين، إلى المشروع، والاتفاق على تزويد السد بعدد 11 وحدة توليد طاقة، سيبدأ بعضها في العمل العام 2020، الأمر الذي يؤكد أن إهدار المزيد من الوقت ليس في مصلحة مصر.
ويقلق الإرجاء الدائم لوضع حلول جذرية لهذه المسألة الدوائر الحكومية في القاهرة، خصوصاً أن الاجتماع التساعي الأخير في أديس أبابا لم يتطرق بتركيز إلى هذه المسألة، بل أحالها إلى اجتماعات لاحقة للتعليق على التقرير الجديد المنتظر من المكتب الاستشاري، وبالتالي تم إرجاء حسم مقترح كانت تداولته اللجنة الفنية لوزراء الري، يتضمن أن تشارك مصر في تحديد الكميات التي سيتم تخزينها بشكل ربع أو نصف سنوي قبل فترة الملء الكلي، وأن يكون لها الحق في مراقبة دقة تنفيذ ذلك الجدول، ولا يكون لمصر أو السودان حق تغيير تلك الكميات خلال العام، ولا يكون لهما الحق في طلب وقف ملء الخزان في أي مرحلة. وأشارت المصادر إلى أن حسم مسألة فترة الملء الأولى يعتبر حالياً أبرز المشاكل العالقة، وأن التركيز على حلها يسير بالتوازي مع اتصالات بين القاهرة وأديس أبابا حول إنشاء المنطقة المصرية الصناعية الحرة في إثيوبيا، حيث كان الطرفان قد توصلا إلى خطة طويلة الأجل لتنفيذها لتشجيع المستثمرين المصريين لدخول السوق الإثيوبية في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي، ومنتجات الألبان، وتصنيع الأخشاب، والبناء والتشييد، والحديد والصلب، والكهرباء والطاقة، على أن يتم إعفاؤهم من بعض الضرائب والرسوم التي كانت تقف عائقاً أمام استثمار المصريين في أقاليم الاتحاد الإثيوبي. وأوضحت أن الهدف من هذه الخطة هو محاولة ملء الفراغ الذي نشأ في السوق الإثيوبية أخيراً، نتيجة خروج عشرات الشركات من الصين ودول الخليج منها بعد أحداث الشغب التي شهدتها مناطق مختلفة من البلاد، والتحضير لخطوات لاحقة في سياق الاستفادة المشتركة من مشروع سد النهضة، وأن السيسي يراهن على نجاح هذه الخطوة لدفع أديس أبابا إلى مزيد من المرونة إزاء المطالبات المصرية بشأن تمديد فترة الملء الأولى.