مفارقات الانتخابات العراقية: مشاركة متدنية وتراجع المالكي و"الحشد"

14 مايو 2018
تظاهرة في كركوك احتجاجاً على نتائج الانتخابات(علي مكارم غريب/الأناضول)
+ الخط -
يكاد يكون انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية العراقية إلى أدنى معدل لها منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، الحدث الأهم، خصوصاً أن نتائج مشاركة المدن الجنوبية المستقرة كانت صادمة، إذ لم يتعدَ بعضها عتبة الثلاثين في المائة، فيما أخرى شفع لها التصويت الخاص للجيش ونزلاء السجون لرفع نسبة مشاركتها. والأمر نفسه في إقليم كردستان العراق، الذي سجّل هو الآخر انخفاضاً في المشاركة بين السكان على خلاف الانتخابات التي نُظّمت في السنوات السابقة.

وفي الوقت الذي تواصل فيه مفوضية الانتخابات عمليات العد والفرز تحت إشراف مراقبين أمميين ودوليين ووكلاء الكيانات السياسية، بغية إعلان النتائج الأولية للانتخابات التي أجريت السبت وأسماء الكيانات والمرشحين الفائزين في المحافظات العراقية الثماني عشرة، تشي تسريبات من مصادر عدة بتقدّم قائمتي رئيس الوزراء حيدر العبادي (النصر) وزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر (سائرون)، وتحقيقهما نتائج جيدة في مناطق منافسيهما في المحافظات الشمالية والغربية. كما يبرز حديث عن تراجع قوائم أخرى، مثل "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، و"الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"القرار" بزعامة أسامة النجيفي، فضلاً عن عدم تحقيق قائمة "الفتح" التي تمثّل مليشيات "الحشد الشعبي" نتائج كانت ترجوها للظفر بمنصب رئاسة الوزراء الذي كانت تطمح إليه.

نسبة مشاركة صادمة
اليأس من التغيير مع وجود الوجوه والأحزاب نفسها، والتدخّل الإيراني والأميركي في رسم وتشكيل الحكومات العراقية المتتالية بعد الاحتلال، لعلها كانت أبرز أسباب عزوف العراقيين عن الانتخابات، إذ شفع التصويت الخاص والمغتربين ونزلاء السجن في رفع النسبة العامة من 39 في المائة فقط إلى 44 في المائة، وهي نسبة تبقى أيضاً محل تشكيك من قِبل كيانات سياسية ومراقبين قالوا إنها مبالغ فيها نظراً لما شهده الشارع العراقي يوم السبت من عزوف عام عن المشاركة في الانتخابات.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، أحمد عبدالله الحمداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الشارع العراقي بات مؤمناً بشكل كامل بأن الانتخابات مجرد مرحلة عبور شكلية نحو مفاوضات وتفاهمات تشكيل حكومة يجب أن تحظى بقبول إيراني وأميركي في الدرجة الأولى، ولا علاقة لأصوات المواطنين بها، مضيفاً أن "القانون الانتخابي الذي أقره البرلمان مطلع العام الحالي محبط للمواطنين، إذ يسمح بمصادرة أصواتهم والتلاعب بها، وهذا الأمر لا يحتاج شرحاً مع التلاعب بنظام سانت ليغو الانتخابي وتعديل نسبة الأصوات والقاسم الانتخابي وخلق ما يُعرف بتسلسل رقم واحد في القائمة الانتخابية".

ولفت الحمداني إلى أن "تكرار الوجوه نفسها التي عرفها العراقيون بعد الاحتلال ولغاية اليوم، مع الخطابات والشعارات والوعود نفسها أيضاً، صار مملاً بالنسبة إلى المواطن، الذي اعتبر أن مشاركته من عدمها لا تعني شيئاً كون هذه الوجوه ستعود مرة أخرى لأربع سنوات"، معتبراً أن وجود نسبة كبيرة من الاستمارات الباطلة في صناديق الاقتراع وكتابة عبارات احتجاجية أو وضع علامة "أكس" عليها هي طريقة احتجاج من نوع آخر لا تختلف عمن ظل جالساً في منزله ولم يشارك.

هذا الرأي وافقه فيه القيادي في "التحالف الوطني" الحاكم في البلاد، كريم النوري، الذي رأى أن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات بمثابة ناقوس خطر للجميع. وأضاف في تصريح صحافي أن "بائعي السكراب الذين جمعوا حديد وخشب يافطات الانتخابات بعد إغلاق صناديق الاقتراع كانوا أكثر من المواطنين الذين شاركوا في الانتخابات نفسها"، في إشارة إلى عمليات سرقة الأطر الحديدية والخشبية الخاصة بإعلانات المرشحين من قبل مواطنين وبائعي خردة وحدادين ونجارين.

من جهته، اعتبر القيادي في "جبهة الحراك الشعبي العراقي"، سلام حسين، أن نسبة المشاركة كانت فضيحة وتدل على أن الشعب العراقي غادر مرحلة السذاجة وملّ من استغلال الدين والطائفة سياسياً بل كرهها. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنه في حال استمرت أوضاع العراقيين بالتراجع والإحباط من النظام السياسي حتى الانتخابات المقبلة، ستكون هناك ثورة في العراق وستنطلق هذه المرة من كربلاء والنجف قبل غيرهما، إذ يصح القول وصلت السكين العظم".

أما عضو الحزب "الشيوعي العراقي"، وليد الحبوبي، فقال لـ"العربي الجديد" إن عدم مشاركة العراقيين في هذه الانتخابات صادم للجميع، مضيفاً: "من أصل 24 مليون عراقي يحق لهم التصويت، 11 مليوناً فقط حدّثوا بطاقاتهم الانتخابية، بمعنى أن هناك أكثر من 50 في المائة غير مكترثين أصلاً بالانتخابات مسبقاً، ثم من الذين حدّثوا بطاقاتهم الانتخابية لم يشارك سوى 44 في المائة، وحتى هذا الرقم أراه مبالغاً به وغير واقعي"، مشيراً إلى أن "الناس أصيبت باليأس من التغيير، فقانون الانتخابات وضعه من يشارك في الانتخابات وفيه محاباة لتبقى الأحزاب الحالية في السلطة".


العبادي والصدر يتصدّران

وكشفت تسريبات من مسؤول في مفوضية الانتخابات العراقية، تحدث لـ"العربي الجديد"، أن النتائج الأولية أظهرت تقدّم قائمة "النصر" (حيدر العبادي)، تليها قائمة "سائرون" التابعة لمقتدى الصدر والشيوعيين. وأشار المصدر إلى حصول قوائم، "الفتح" التابعة لـ"الحشد الشعبي"، و"القائمة الوطنية" التابعة لإياد علاوي، وقائمة المالكي "ائتلاف دولة القانون"، على نتائج متقاربة لكنها بعيدة من قائمتي الصدر والعبادي، وأن إحدى هذه القوائم ستحل في المرتبة الثالثة.
وكشف المصدر نفسه عن حصول قائمة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على نتائج متقدّمة في محافظات إقليم كردستان، موضحاً أن قائمة "القرار العراقي" التي يتزعمها نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي هي المتصدرة في المحافظات الشمالية والغربية "السنّية"، فضلاً عن تحقيقها نتائج جيدة في منطقة الكرخ في بغداد. ولفت إلى أن نصيب تحالف "النصر" لن يقل عن 19 أو 20 مقعداً في بغداد وحدها، فضلاً عن مقاعد المحافظات الأخرى.

وحول حظوظ الشخصيات المدنية أو اللادينية في هذه الانتخابات، أكد المسؤول ذاته أن نتائج الفرز في النجف والبصرة والمثنى والقادسية وذي قار فضلاً عن بغداد تؤكد حصولها على مقاعد جيدة، وفي اقتراع المغتربين تصدّرت هذه الشخصيات على باقي القوائم. ولفت إلى أن ائتلاف "دولة القانون" التابع لنوري المالكي يُعتبر أبرز الخاسرين، أخذاً في الاعتبار أنه حصل في الانتخابات الماضية على 92 مقعداً، فيما قد لا يتجاوز في هذه الانتخابات الثلاثين مقعداً، كما أن "الفتح" (الحشد الشعبي) الذي يريد التنافس على رئاسة الوزراء لن يستطيع ذلك، فالنتائج مخيبة له أيضاً، مرجّحاً أن تُعلن النتائج اليوم الإثنين أو غداً الثلاثاء على أبعد تقدير. وأشار إلى أن "تأخير إعلان النتائج يعود لأسباب عدة، أبرزها الجدل الذي رافق عملية التصويت، وخصوصاً في كركوك التي شهدت جدلاً واسعاً في هذا الشأن".

يشار إلى أن الأحزاب العربية والتركمانية في كركوك كانت قد أصدرت السبت بياناً مشتركاً أمهلت فيه مفوضية الانتخابات المركزية في بغداد 24 ساعة للبدء بعملية العد والفرز اليدوي، لكشف النتائج الحقيقية للانتخابات، بعد توجيه اتهامات لأحزاب كردية بتزوير الانتخابات في المحافظة. كما دعا العبادي مفوضية الانتخابات إلى الإسراع بفحص الصناديق والأجهزة المطعون بها وإعلان النتائج أمام الرأي العام.

ولم تقتصر اتهامات التزوير على كركوك، إذ اتهم عضو البرلمان العراقي عن "الجماعة الإسلامية" الكردية، زانا سعيد، "الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، بتزوير الانتخابات في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، موضحاً أن أربعة أحزاب كردية ترفض نتائج الانتخابات في أربيل.
وأشار سعيد في تصريح صحافي إلى أن هذه الأحزاب تمتلك أدلة دامغة على تزوير الانتخابات من قبل حزب البارزاني، موضحاً أن الأحزاب الأربعة التي ترفض هيمنة "الديمقراطي الكردستاني" هي "الجماعة الإسلامية"، و"الاتحاد الإسلامي الكردستاني"، و"التحالف الديمقراطي الكردستاني"، و"حركة التغيير" الكردية. وأضاف أن هذه الأحزاب الأربعة "ستبارك في حال تطابقت النتائج يدوياً مع ما ظهر إلكترونياً"، مؤكداً أن حزب البارزاني تلاعب بالنتائج.

في المقابل، اعتبر القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، محما خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، هذه الاتهامات "إفلاساً سياسياً من قبل هذه الأحزاب"، مضيفاً: "عند الخسارة يأتي الخاسر بذرائع مختلفة تبرر خسارته"، رافضاً الأحاديث التي تشير إلى قيام حزبه بالتلاعب بنتائج الانتخابات. وهاجم الأحزاب الكردية الأخرى، سائلاً: "أين كانت هذه الأحزاب حين طلبنا منها المشاركة في الانتخابات بقائمة واحدة؟ أين كانت هذه حين طلبنا منها مقاطعة الانتخابات؟"، لافتاً إلى أنه "لا توجد مرجعية سياسية عراقية بحجم مسعود البارزاني، وهذا الأمر منح الحزب الديمقراطي الكردستاني فرصة الحصول على أعلى النتائج في الانتخابات"، معتبراً أن الحزب هو الذي وقف بوجه "تمادي" السلطات العراقية في بغداد حين دخلت قواتها برفقة مليشيات "الحشد الشعبي" كركوك والمناطق المتنازع عليها في 16 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وأكد خليل أن "الديمقراطي الكردستاني" تصدّر النتائج بشكل واضح في محافظات إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، مرجحاً حصول حزبه على 24 مقعداً في البرلمان المقبل، معتبراً أن هذه الانتخابات تُعدّ ناجحة نسبياً مع ما رافقها من شكاوى وطعون وقلة المشاركة، مشدداً على ضرورة احترام النتائج.

الأنظار نحو الحكومة
في غضون ذلك، أكدت منظمة تموز لمراقبة الانتخابات العراقية، وجود عدد كبير من الخروقات التي رافقت الانتخابات. وقالت رئيسة المنظمة، فيان الشيخ علي، إن منظمتها رصدت نحو ألف حالة ما بين خرق وملاحظة رافقت سير الانتخابات، مشيرة خلال مؤتمر صحافي عقدته في بغداد إلى أن نسبة المشاركة كانت 40 في المائة، وهذه النسبة تقل عن تلك التي أعلنتها مفوضية الانتخابات والتي قالت إنها تجاوزت 44 في المائة. وأشارت الشيخ علي إلى وجود مشاكل فنية في عمل الأجهزة الالكترونية للانتخابات، لافتة إلى رصد المئات من حالات التلكؤ، فضلاً عن وجود بيانات خاطئة عند قراءة بطاقات الناخبين الالكترونية.
إلا أن رئيس شبكة حمورابي لمراقبة الانتخابات، عبدالرحمن المشهداني، قلّل من أهمية هذه الخروقات، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن بعض الأعطال التي أصابت الأجهزة الالكترونية التي تُستخدم في العراق لأول مرة لا تعني أن الانتخابات كانت فاشلة.

وعلى الرغم من عدم إعلان النتائج، إلا أن تحالف "النصر" بدأ منذ الآن الحديث عن تشكيل الحكومة المقبلة. وأكد عضو البرلمان العراقي، والقيادي في "النصر" عباس البياتي، أن تحالفه ليس لديه أي فيتو أو خطوط حمر على الكتل والأحزاب والشخصيات الفائزة بالانتخابات في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، مرجحاً أن ترى الحكومة الجديدة النور بعد عطلة عيد الفطر. وأضاف في مقابلة تلفزيونية أن "البرامج الانتخابية ومدى التقارب سيحددان نوعية التحالفات"، مؤكداً أن الحكومة الجديدة ستركز على التكنوقراط سواء كانوا سياسيين أم من خارج دائرة العمل السياسي وضمن التخصصات المهنية، مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة ستبحث عن برنامج عملي وواقعي واقتصادي ونهضوي وستحصل على دعم برلماني قوي كي لا يتم استهدافها لاحقاً، موضحاً أن "تحالف النصر سيخوض مفاوضات مع كل الكتل، وسينفتح على الجميع سواء كانوا داخل التحالف الوطني الحاكم أم خارجه".

لكن حوارات تشكيل الحكومة المقبلة ستكون ماراثونية في ظل عدم الثقة ووجود طعون بنتائج الانتخابات، وفقاً لعضو تحالف "القرار" محمد عبدالله، الذي توقّع مرور أشهر طويلة قبل أن يتم الإعلان عن الحكومة الجديدة. ورأى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "أغرب ما في هذه الانتخابات هو قيام كل تحالف أو جهة سياسية بإعلان نتائج خاصة بها وعدم قبولها بأي شيء لا يتفق مع هذه النتائج"، معتبراً أن الحكومة المقبلة لا يمكن أن تتشكّل إلا وفقاً للمحاصصة التي تفرضها التدخّلات الخارجية.

في هذه الأثناء، دعا "ائتلاف الوطنية" الذي يتزعمه إياد علاوي إلى إلغاء نتائج الانتخابات، وتشكيل حكومة تصريف أعمال لحين توفير الظروف الملائمة لإجراء انتخابات جديدة، مؤكداً في بيان أن عزوف العراقيين عن المشاركة في الانتخابات، وانتشار أعمال العنف والتزوير والتضليل وشراء الأصوات واستغلال ظروف النازحين والمهجرين، أمور دفعت الائتلاف إلى هذه المطالبة. وأشار إلى ضبابية في الإجراءات التي اتخذتها مفوضية الانتخابات في التصويت الالكتروني، معتبراً أن الانتخابات التي أجريت السبت ستفرز حكومة ضعيفة لا تحظى بثقة المواطن.