واستغل البرلمان، شهر رمضان، في تمرير عدد من الملفات المعلقة، وعلى رأسها: اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، المرفوضة شعبياً، فيما لم يستغرق وقتاً في مناقشة بنود الموازنة، وفق الأعراف البرلمانية، واكتفى بعقد إحدى لجانه (الخطة والموازنة) لاجتماعات عدة، لإقرار موازنات الوزارات والهيئات، بحسب ما جاءت في مشروع الحكومة.
وقال مصدر برلماني مطلع إن "الكتلة المعارضة لاتفاقية الجزيرتين لن تكون موحدة بالضرورة في مواجهة تمرير الموازنة"، موضحاً أن ارتفاع توقيعات النواب على المذكرة الرافضة للاتفاقية (119 نائباً)، جاء نتيجة لحملات الضغط الشعبي على أعضاء البرلمان في دوائرهم، خلاف الموازنة، التي سيمررها البرلمان، من دون أن يشعر المواطن بخطورة بنودها. وخالفت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي نصوص المواد (18) و(19) و(21) و(23) من الدستور، للعام الثاني على التوالي، بعدما خصصت ما يزيد قليلاً عن نصف المخصصات الدستورية الواردة بتلك المواد، المحددة كالآتي: 3 في المائة من إجمالي الناتج القومي لقطاع الصحة، و4 بالمائة للتعليم، و2 بالمائة للتعليم العالي، و1 بالمائة للبحث العلمي.
وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أن الكتل الرئيسية داخل البرلمان، ممثلة في ائتلاف الغالبية (دعم مصر)، وأحزاب المصريين الأحرار ومستقبل وطن والوفد أعلنت تأييدها للموازنة، مع تسجيل عدد من الملاحظات والتوصيات المعتادة، التي لا تأخذ بها الحكومة في الأغلب، على غرار ما حدث في موازنة السنة المالية (2016/2017).
وأفاد المصدر بعقد رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، اجتماعين مع رئيس البرلمان، علي عبد العال، في حضور رئيس ائتلاف الغالبية، محمد السويدي، الأسبوع الحالي، انتهت إلى تمرير الموازنة بشكلها الحالي، ورفض أي تعديلات مقدمة من النواب لزيادة اعتمادات التعليم والصحة، بدعوى استيفاء مخصصاتها الدستورية، بعد تحميل جانب كبير من فوائد الدين على موازناتها.
دور رجل الحكومة
عضو تكتل (25-30)، أحمد الطنطاوي، قال إن "تعطيل التصويت الإلكتروني من رئيس المجلس، بشكل عمدي، لن يظهر حجم الكتلة المعارضة للموازنة للرأي العام"، متهماً عبد العال باعتياد المخالفات الدستورية واللائحية، بعدما رفض الالتزام بنص المادة (325) من اللائحة، التي تجيز التصويت، نداءً بالاسم، بعد استيفاء النواب للشروط اللائحية بشأن اتفاقية "تيران وصنافير".
وأوضح الطنطاوي، المحال للتحقيق أمام لجنة القيم، لموقفه الرافض لسعودية الجزيرتين، أن عبد العال يؤدي دور "رجل الحكومة" تحت قبة البرلمان، ولا يتحمل أي صوت معارض لها، مشيراً إلى أنه يعد سبباً رئيساً في حالة الغضب الشعبي المتزايد من البرلمان، لانحيازاته الواضحة للسلطة التنفيذية، وتوجيهه للنواب من على المنصة، بالمخالفة للدستور.
التمهيد للزيادات
وتغيّب نواب التكتل، المعارض من داخل النظام، عن جلسة تمرير بعض مشروعات القوانين الحكومية، أول من أمس الإثنين، وشملت رفع حد الإعفاء الضريبي إلى 7200 جنيه سنوياً، وزيادة المعاشات للمدنيين والعسكريين بنسبة 15%، بحد أدنى 150 جنيه، وإقرار علاوة غلاء استثنائية لا تتجاوز 130 جنيها، لكل من المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية.
وتمهد تلك العلاوات المحدودة لموجة التضخم الجديدة التي ستضرب المصريين، من جراء قرارات الحكومة بزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، مطلع يوليو/تموز المقبل، علماً بأنها قاصرة على موظفي الدولة (6.5 ملايين موظف)، ولن يستفيد بها نحو 37 مليون مصري من العاملين في القطاع الخاص، الذين يواجهون ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية.
تقنين مخالفات البناء
من جهته، قال وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، ياسر عمر، إن اللجنة أوصت بزيادة مخصصات بعض القطاعات، وشملت 20 مليار جنيه للتعليم ما قبل الجامعي، و5 مليارات للتعليم الجامعي والبحث العلمي، و5 مليارات للصحة، من خلال اقتراح تدبير موارد جديدة للموازنة بقيمة 80 مليار جنيه.
وأضاف عمر في تصريح خاص، أن اقتراح اللجنة يستند إلى إصدار تشريع جديد لتحصيل رسم يُسمى "جدية تقنين أوضاع"، يُحصل من المخالفين لأحكام البناء، بواقع ألف جنيه عن كل محرر مبان، وعشرة آلاف جنيه كل فدان أراض، تحت حساب التسوية، وتوجيه تلك الحصيلة لتمويل مشروعات التنمية في المحافظات.
خسائر متوقعة
ووفقاً للتقرير المعد من اللجنة عن الموازنة، فإن هناك خسائر متوقعة لعدد 52 هيئة اقتصادية بقيمة 69 مليار جنيه، مقارنة بنحو 37 ملياراً في العام الحالي، وهي الهيئات التي أنشئت بغرض الربح، ومن أهمها: قناة السويس، والعامة للبترول، والسكك الحديدية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو).
ونوه التقرير إلى أن 87 في المائة من الأرباح المستهدفة في الموازنة بنحو 83 مليار جنيه، ترتكز في الهيئة العامة للبترول، وقناة السويس، وأن ما ستدفعه الخزانة العامة من إعانات ومساهمات للهيئات الاقتصادية سيصل إلى 243 مليار جنيه، في حين يبلغ فائض الهيئات الذي سيؤول للحكومة 174 مليار جنيه.
الأمن أولاً
وانحازت الموازنة الجديدة إلى مخصصات الأمن والقضاة على حساب الصحة والتعليم، بعدما رفعت مخصصات وزارة الداخلية إلى 41.4 مليار جنيه، مقابل 38 ملياراً في العام الحالي، بزيادة بلغت 3.4 مليارات جنيه، ذهبت في معظمها لبند أجور ضباط وأفراد الشرطة، وديوان عام الوزارة، ومصلحة السجون.
كما رفعت الحكومة من مخصصات قضاة المحكمة الدستورية إلى 119 مليوناً و920 ألف جنيه، بزيادة 26 مليوناً و200 ألف جنيه، وزعت بواقع: 95 مليون جنيه للأجور والتعويضات، و18 مليوناً و500 ألف جنيه لبند المزايا الاجتماعية، و3 ملايين و700 ألف جنيه للاستثمارات، ومليونين و700 ألف جنيه لشراء السلع والخدمات.
في المقابل، قدرت مخصصات البحث العلمي في الموازنة بنحو 3 مليارات جنيه فقط، بأقل 25 ملياراً من النسبة الدستورية المستحقة للقطاع، البالغة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن عدم تخصيص الاعتمادات المالية لتنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، المتعلقة بتطوير البنية التحتية للمستشفيات العامة.
التحايل على الدستور
وضمت الحكومة مخصصات مياه الشرب والصرف الصحي إلى اعتمادات وزارة الصحة في الموازنة الجديدة لعام (2017 /2018)، في تحايل على الدستور، بعدما خصصت 54.922 مليار جنيه للصحة، في حين يقترب الناتج المحلي من 4.2 تريليونات جنيه، بما يستلزم تخصيص 126 مليار جنيه للقطاع، وفقاً للدستور.