الأسبوع الفرنسي لترتيب التحالف العالمي: ترميم شعبية ومصالحات إقليمية

23 نوفمبر 2015
يؤيد كاميرون إرسال قوات بريطانية لمحاربة "داعش" (مصطفى يالسين/الأناضول)
+ الخط -
على وقع استمرار التحقيقات في ملابسات اعتداءات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وبعد أسبوعٍ من القرارات الأمنية الداخلية، يخوض الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند غمار ماراثون دبلوماسي مكثف وحافل بالمواعيد الحاسمة، من أجل حشد الدعم لإنشاء تحالف دولي شامل، لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق.

وباشر هولاند أولى خطواته في سبيل تشكيل هذا الحلف، باستقباله، أمس الاثنين، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي عبّر له عن دعم بريطانيا الكامل لفرنسا، ورغبته في الانضمام للائتلاف الدولي ضد "داعش". وقبل المحادثات الثنائية زار هولاند وكاميرون معاً مسرح "باتاكلان"، حيث وقعت المجزرة الأكبر في اعتداءات 13 نوفمبر.

وكانت اعتداءات باريس قد عزّزت العلاقة بين المسؤولين الفرنسي والبريطاني، حتى أن كاميرون أعرب في مستهلّ الأسبوع الماضي عن رغبته في طلب الضوء الأخضر من البرلمان البريطاني، كي تساهم بلاده بقوة في الغارات الجوية ضد "داعش" في سورية إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا. وهو الأمر الذي كان شبه مستحيل قبل اعتداءات باريس، إذ سبق أن رفض البرلمان بشكل قاطع فكرة المشاركة البريطانية في الغارات ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد قبل عامين. كما اعتبر كاميرون السبت الماضي، أن قرار مجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضي، الذي دعا دول العالم أجمع، إلى المساهمة في الحرب ضد "داعش"، هو مبادرة مهمة، تعزز من موقفه.

وسهّل زعيم المعارضة، رئيس حزب "العمال" جيريمي كوربين، المهمة على كاميرون، معرباً عن استعداده لدرس مقترحات الحكومة بشأن الحرب ضد "داعش". ويرغب كاميرون في إرسال طائرات "تورنادو" التابعة لسلاح الجو الملكي، والمزوّدة بصواريخ "بريمستون" الفائقة الدقة للمساهمة في قصف مواقع "داعش" في سورية.

اقرأ أيضاً: الإرهاب والحفاظ على القيم الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي

ويتوجه هولاند، اليوم الثلاثاء، إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، في البيت الأبيض، كما أعلن في خطاب فرساي، الاثنين 17 نوفمبر، أمام أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ. والهدف من الزيارة القصيرة جداً، هو التباحث في تفاصيل تشكيل جبهة دولية موحّدة ضد "داعش" بالتعاون مع روسيا. وكان أوباما قد أعلن مساندته الكاملة لفرنسا بعد اعتداءات 13 نوفمبر، معتبراً أن "تدمير داعش ليس فقط هدفاً واقعياً، بل مهمة يجب تحقيقها حتى النهاية". كما أكد الرئيس الأميركي في بحر الأسبوع الماضي، مشاركته في قمة المناخ العالمية في باريس في 30 نوفمبر.

ومساء غد الأربعاء، سيلتقي هولاند في باريس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، للتباحث بشأن الإجراءات الأمنية الأوروبية الموحّدة ضد الإرهاب، ومسألة اللاجئين، وتعليق اتفاقية "شنغن" بشأن التنقّل الحرّ بين بلدان الاتحاد الأوروبي، التي أضحت عائقاً في وجه سياسة محاربة الإرهاب "الداعشي" على الأراضي الأوروبية.

وسيتوجّه هولاند، يوم الخميس أيضاً، إلى موسكو في زيارة بالغة الأهمية للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتباحث بشأن الائتلاف الدولي الموحّد ضد "داعش". وتأتي الزيارة في سياق عودة الدفء إلى العلاقات بين الرجلين، بعد اعتداءات 13 نوفمبر، وحادث تفجير الطائرة الروسية في سيناء، في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي تبنّاه "داعش". وكان هولاند قد تحادث مطولًّا عبر الهاتف مع بوتين، الأسبوع الماضي، واتفقا على ضرورة التنسيق العسكري والاستخباراتي بين البلدين، في الغارات الجوية ضد معاقل "داعش" في سورية. وهو الأمر الذي رحّب به بوتين بحرارة رغم الخلافات بين الزعيمين بخصوص الحلّ السياسي في سورية، ومستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.

وسيحضر هولاند، في إطار حراكه الدبلوماسي، يوم الجمعة المقبل، اجتماع دول "الكومونويلث" التابعة للتاج البريطاني، للتحضير لقمة المناخ، وإقناع دول مثل كندا وأستراليا بضرورة الاتفاق حول خطة دولية شاملة لمكافحة الاحتباس الحراري، خلال القمة. ويصرّ هولاند على تنظيم القمة في باريس في 30 نوفمبر، بحضور 140 زعيم دولة، على الرغم من التهديدات الإرهابية وحالة الطوارئ القصوى، التي تمّ بموجبها إلغاء العديد من الفعاليات والتظاهرات في فرنسا.

وسيختم هولاند الماراتون الدبلوماسي بعشاء عملٍ، يوم الأحد المقبل، مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، عشية قمة المناخ، يتطرّق فيه إلى المساهمة الصينية في الحرب ضد "داعش"، بالإضافة إلى التزامات بكين بشأن الخطة الدولية لمحاربة الاحتباس الحراري. وبموازاة هذه الأجندة الدبلوماسية "الثقيلة"، سجّلت استطلاعات الرأي، السبت الماضي، تعاظم شعبية هولاند ورئيس وزرائه مانويل فالس، بعد اعتداءات 13 نوفمبر، علماً بأن شعبيتهما كانت تعرف تدنياً ملحوظاً قبل هذه الاعتداءات.

كما أظهر استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة "إيفوب" لصالح صحيفة "ويست فرانس" نُشرت نتائجه، الأحد، بأن 91 في المائة من الفرنسيين يؤيدون التدابير الأمنية التي اتخذتها الحكومة بعد الاعتداءات، ويؤيدون قانون تمديد قانون الطوارئ الذي أقرّه البرلمان بغالبية ساحقة، لمدة ثلاثة أشهر إضافية. كما أن 94 في المائة يؤيدون العودة إلى مراقبة الحدود، في حين أعرب 95 في المائة عن اتفاقهم مع قرار تجريد الجنسية للمواطنين الفرنسيين، في حال معاداتهم لمبادئ الجمهورية الفرنسية، أو تورّطهم في أعمال ارهابية.

وتمنح هذه الثقة الشعبية في هولاند، دعماً كبيراً للمسار الحربي والأمني، الذي رسم معالمه في خطاب فرساي، الأسبوع الماضي، على الرغم من الأصوات التي بدأت تتعالى أخيراً، في ظلّ أجواء الوحدة الوطنية، منتقدة سياسة "المواجهة المباشرة" مع التطرّف، التي قد تُعرّض فرنسا للمزيد من التهديدات مستقبلاً، في الداخل كما في الخارج. ويعللون ذلك، بما حصل في الاعتداء الذي استهدف فندقاً في عاصمة مالي، باماكو، وتبنّاه تنظيم "المرابطون"، الذي يستهدف المصالح الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي، حيث يخوض الجيش الفرنسي حرباً استنزافية ضد الجماعات الجهادية.

اقرأ أيضاً: التعاون الفرنسي مع شمال أفريقيا... المغرب أولاً

المساهمون