ديمقراطيون على دبابة حفتر

29 ديسمبر 2019
سقوط طرابلس بيد حفتر لن يُنهي الحرب(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
أظهرت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتونس أخيراً، أن بعض الشخصيات السياسية والأحزاب التونسية لم تنضج بعد ولم ترتقِ إلى مستوى مسؤولياتها، ولم تُشفَ من مرضها الأيديولوجي وعماها الذي يدفعها في كل مرة إلى تقييم كل شيء على أساس معيار واحد، هو ما تجمّع لديها من أفكار ومقولات سجنتها في سبعينيات القرن الماضي وجعلت أغلبها على جانب لحظات مهمة في مساراتها السياسية، الشخصية أو الوطنية.

كثيرون منهم يعتبرون أنهم يدافعون عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وهم يتمنون أن تسقط العاصمة الليبية طرابلس على يد عسكري، تدل كل تصرفاته على أنه ديكتاتور همه الوحيد السلطة، ولو على رقاب الليبيين ودمائهم وتهجيرهم، وهو في سبيل ذلك مستعد لأن يتحالف مع الشيطان. هؤلاء، في خضمّ تصريحاتهم الرنانة حول منع التدخّل العسكري الخارجي في ليبيا والحل الليبي-الليبي، يهملون عمداً أن الجنسيات الموجودة حالياً على الأرض الليبية لا تُحصى ولا تُعَدّ. أما أن تمنع تركيا سقوط طرابلس، وإن كان هدفها طبعاً مصالحها والاستفادة من الكعكة الليبية التي تُسيل لعاب كل العالم، فهذا أمر غير مقبول لديهم، فقط بسبب الشبهة الإسلامية، وليس خوفاً على ليبيا ولا أهلها.

الديمقراطيون الليبيراليون القوميون جداً، يعرفون بالحساب أن سقوط طرابلس لن يحسم الحرب في ليبيا ولن يزيد تونس إلا مشاكل على مشاكلها، ولكن هذا لا يهمّ، لأن أردوغان يُعتبر من "الإخوان"، والمدافعون عن طرابلس يعتبرونهم "إخوان"، أما دبابة خليفة حفتر ومن صنعها وباعها أو أهداها إليه وأوصلها إليه في بنغازي وربما كان يقودها ويحركها نيابة عنه، فلن تقود إلا إلى الحرية... لكن ذلك الرجل، الباجي قائد السبسي، فهمها قبلهم وتبيّن كل تفاصيلها، ولا يزايدون عليه في تفتحه ووطنيته، فهو دعم الثورة الليبية عندما كان رئيساً للحكومة بعد الثورة التونسية، وأعاد التوازن إلى الموقف التونسي عندما صار رئيساً بعدما كان يميل إلى الشرق الليبي قبله، لأنه فهم أن مصالح الأوطان ليست مجرد شعارات للاستهلاك، تطفو حيناً وتخفت حيناً آخر. 

مشكلة هؤلاء أنهم لم يستوعبوا شيئاً، ولا حتى أن الشعب هزمهم شرّ هزيمة في الانتخابات لأنه لا يقاسمهم أفكارهم وشعاراتهم. أما أردوغان، فقد عاد إلى بلاده يقود سيارة جديدة صُنعت في تركيا، لأنه يريد أن يتفادى هزيمة انتخابية جديدة، فَهِم أن الانتصار يمرّ حتماً عبر الإنجاز وليس الخطاب.