السلطة الجزائرية تلعب ورقة الشارع: مسيرات لدعم الجيش ورفض التدخل الأجنبي
وبدأت المسيرة من ساحة أول مايو وسط العاصمة الجزائرية، حيث مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الذي تبنّى الدعوة إلى المسيرات اليوم، وسارت إلى شارع عميروش وزيغود يوسف، وصولاً إلى ساحة البريد المركزي، وحُشدَت البلديات والمؤسسات الحكومية وفعاليات المجتمع المدني للمساعدة في تعبئة العمال والجماهير ونقلهم إلى الساحات التي تحتضن المسيرات.
واتخذت المسيرات من رفض اللائحة الأوروبية التي أصدرها البرلمان الأوروبي، الخميس الماضي، لإدانة وضع الحقوق والحريات، العنوان الأبرز والأول، من خلال لافتات تؤكد رفض التدخل الأجنبي مهما كانت طبيعته وخلفياته، حيث رفعت لافتات كثيرة كتب على بعضها: "لا للتدخل الأجنبي"، و"السيادة الجزائرية خط أحمر"، و"لا مكان للخونة في بلاد الشهداء"، و"التدخل الأجنبي تحطيم للدول".
رفض اللائحة الأوروبية العنوان الأبرز (العربي الجديد) |
وكان البرلمان الأوروبي قد عقد، الخميس الماضي، جلسة خصصت للوضع السياسي وتطورات الحراك الشعبي في الجزائر، وصُدِّق خلالها على لائحة أدانت بشدة الاعتقالات التعسفية والملاحقات ضد الصحافيين والنقابيين والمحامين والطلاب والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني وجميع المتظاهرين السلميين. ودعت السلطة إلى "إقامة حوار سياسي لإيجاد حل سلمي للأزمة يؤسس لانتقال ديمقراطي سلس في البلاد".
ورفع المتظاهرون شعارات جاء في بعضها: "الانتخابات هي الحل"، و"الاختيار للشعب والصندوق هو الحل"، في إشارة إلى تأييد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بخلاف الحراك الشعبي ومكوناته السياسية التي ترفض الانتخابات وتعتبرها "مسرحية سياسية".
المسيرات تندد بالتدخل الأجنبي (العربي الجديد) |
وظل دعم الجيش وقيادته العسكرية كذلك من أبرز الشعارات، حيث رفع المتظاهرون لافتات داعمة له، من قبيل "جيش بلادي يا شجعان احمي وطنك من العديان" و"جيش شعب أخوة"، و"نساند مساعي قائد الأركان".
وبسبب الموقف الذي يبديه غالبية سكان العاصمة الجزائرية من تأييد للحراك الشعبي، ورفض مناورات السلطة، اضطرت السلطات إلى استقدام متظاهرين من الولايات القريبة، كتيبازة وعين الدفلى والمدية والبليدة، للمشاركة في مسيرة السبت في العاصمة، ووفرت حافلات لذلك. وأوقفت السلطات في العاصمة حركة السير في الشوارع الرئيسية التي تدخل ضمن مسار المظاهرة المؤيدة للانتخابات والجيش.
ونشرت السلطات أعداداً من قوات الأمن لتأمين المشاركين، في مسيرات التأييد، منعاً لأي احتكاك محتمل مع الرافضين للانتخابات، حيث وقعت بشكل طفيف مناوشات كلامية بين المشاركين في المسيرات، والرافضين للانتخابات، والذين تجمعوا على الرصيف وهتفوا ضد إجرائها، ما دفع الشرطة إلى اعتقال عدد منهم كانوا يهتفون بشعار "لا انتخابات مع حكومة العصابات".
وشهدت أغلب الولايات مسيرات مماثلة نظمتها جمعيات وأحزاب سياسية موالية للسلطة والجيش، وحرص التلفزيون الرسمي بقنواته الخمس على النقل المباشر لهذه المسيرات. وبثّ برنامجاً مفتوحاً منذ الصباح لتغطيتها من العاصمة والمدن الكبرى، لإعطاء صورة أكبر من حجمها. كذلك نقلت القنوات المستقلة أيضاً الأجواء للمشاهدين، بخلاف مسيرات الحراك الشعبي والطلابي التي تنظم يومي الجمعة والثلاثاء، والتي يقاطعها التلفزيون الرسمي والقنوات المستقلة أيضاً بضغط من السلطة.
واستغلت السلطة الخطوة التي أقدم عليها البرلمان الأوروبي، والتي رفضها الحراك الشعبي ومكوناته أيضاً في مسيرات، أمس الجمعة، للعودة إلى لعب ورقة الشارع، بعد فشل ما وصفت بالمسيرات "العفوية" التي نظمت قبل أسابيع لدعم الجيش والانتخابات، والتي خلفت استياءً شعبياً واسعاً.
الاتحاد الأوروبي ودول تنأى
من جانب آخر، أظهر الاتحاد الأوروبي ودول فيه مواقف متزنة إزاء الجزائر، ومخالفة للخطوة الأخيرة التي اتخذها البرلمان الأوروبي.
وأعلنت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية المنتهية ولايتها، فيديريكا موغيريني، عن احترام الاتحاد الكامل لاستقلال الجزائر وسيادتها، وتجنبت أي حديث عن الوضع الداخلي للبلاد.
وقالت موغيريني في آخر جلسة لها أمام البرلمان الأوروبي، أمس الجمعة، إن "الجزائر بلد صديق وجار هام للاتحاد، والكثير من مواطني الدول الأعضاء يرتبطون بعلاقات عائلية مع هذا البلد".
واعتبرت موغيريني أن الجزائريين وحدهم من لديهم الحق في اتخاذ الخيارات السياسية المناسبة لهم، قائلة "يعود للجزائريين ولهم وحدهم أمر اختيار رئيس للبلاد وتقرير مستقبلها".
ولم تبد موغيريني قلقا إزاء ما وصفه البرلمان الأوروبي بتردّي وضع الحريات، وأعربت عن اقتناعها "بإمكانية احترام الجزائر التزاماتها الدولية والإقليمية، خاصة شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع العمل على تلبية تطلعات وآمال الشعب والحفاظ على الاستقرار".
من جهتها، نأت إسبانيا بنفسها بعيدا عن موقف البرلمان الأوروبي، وأعلن وزير داخليتها، فرناندو غراند كارلاسكا، الذي زار الجزائر الجمعة للقاء نظيره الجزائري، صلاح الدين دحمون، أن "إسبانيا تعتبر دائما أن ما يحدث في الجزائر هو شأن داخلي، وأن الحكومة الإسبانية تدعم العملية الانتخابية".