هدنة هشة في إدلب... وأنقرة تبرر لقاء مملوك وفيدان

15 يناير 2020
سوريون ينزحون من معرة النعمان الإثنين الماضي(عبدالعزيز كتاز/فرانس برس)
+ الخط -

تؤكد المعطيات الميدانية والسياسية أنّ الهدنة التي دخلت يومها الثالث في الشمال الغربي من سورية، هشة وغير قابلة لصمود طويل الأمد، في ظلّ تبادل الوعيد بين النظام الذي لم يلتزم بها، وبين الجانب التركي الذي يبدو مصرّاً على الحيلولة دون حدوث موجات نزوح كبرى يمكن أن تتحمّل تركيا تبعاتها السلبية وحدها. وحاول الروس تجسير الهوّة بين النظام والجانب التركي من خلال ترتيب لقاء أمني على أعلى مستوى بين الطرفين، جمع رئيس مكتب "الأمن الوطني" التابع للنظام، اللواء علي مملوك، برئيس جهاز المخابرات التركي حقان فيدان أخيراً. ولكن يبدو أنّ اللقاء عمّق الخلاف بين الطرفين، في ظلّ تأكيد النظام على نيته استعادة السيطرة على كامل الشمال الغربي من سورية، وهو ما ترفضه أنقرة بالمطلق، لأنها تدرك أنّ هذا الأمر سيخلق أزمات إنسانية كبرى في المنطقة التي تضم نحو 4 ملايين مدني.

وفي اليوم الثالث للهدنة التي بدأت ليل السبت - الأحد، جددت قوات النظام السوري أمس الثلاثاء، عمليات القصف المدفعي على ريف إدلب في استمرار لخرق وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه روسيا وتركيا. وقال مراسل "العربي الجديد"، إنّ قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة أمس مناطق في بلدات تلمنس وكفرسجنة وركايا في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، موقعةً أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين.

بدوره، قال الدفاع المدني، التابع للمعارضة السورية، إنّ فرقه وثّقت استمرار القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات النظام على ريفي إدلب وحماة، مشيراً إلى توثيق استهداف خمس عشرة منطقة بأكثر من 138 قذيفة مدفعية، بالإضافة إلى 10 صواريخ، وذلك خلال اليوم الأول من الهدنة.

من جانبه، أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إلى أنّ الهدوء الحذر يسود الشمال الغربي من سورية، حيث القصف الجوي على المنطقة لا يزال متوقفاً، موضحاً أنّ طائرات النظام والروس تكتفي بالتحليق في سماء المنطقة في بعض الأحيان، فيما تواصل قوات النظام خرقها للهدوء الحذر بإطلاقها قذائف بشكل متقطع على منطقة معرة النعمان وريفها على وجه الخصوص. كما أشار المرصد إلى أنّ "مجموعات جهادية لا يروقها الهدوء السائد في المنطقة، تعمل على خرقه، باستهداف مناطق سيطرة قوات النظام في حلب وحماة وإدلب واللاذقية".

في غضون ذلك، تواصل قوات النظام الحشد في ريف حلب الجنوبي الغربي استعداداً كما يبدو لعمل واسع النطاق لإخضاع المنطقة لسلطتها. وأكدت مصادر في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، أنّ قوات النظام ومليشيات "الدفاع الوطني" الموالية لها، "حشدت قواتها غربي مدينة حلب، بينما ركزت المليشيات الإيرانية حشودها في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة". كما أشارت إلى أنّ قوات النظام نشرت أسلحة ثقيلة في ملعب الحمدانية بحي حلب الجديدة، مؤكدةً أنّها عزّزت مواقعها بالمدافع الثقيلة والدبابات ومدافع الهاون.

في السياق، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الثلاثاء، إن بلاده عازمة على منع انتهاكات النظام السوري لوقف إطلاق النار في إدلب إذا اقتضت الضرورة. وفي كلمة له أمام الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية"، قال أردوغان: "وقف إطلاق النار في إدلب السورية يجب أن يجري بطريقة تحول دون تدفق 400 ألف مهاجر على الحدود التركية"، مضيفاً: "نحن لا نسعى للمغامرة في سورية وليبيا والبحر المتوسط، ليست لدينا طموحات إمبريالية على الإطلاق... عيوننا ليست معصوبة من جشع النفط والمال، هدفنا الوحيد هو حماية حقوقنا وضمان مستقبلنا ومستقبل أشقائنا". ورأى أنّ "العالم مازال يتفرج على ما يحدث في إدلب، ولا يسعى لإيجاد حلّ".



في هذه الأثناء لم ينفِ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي كان ضمن الوفد التركي الذي زار روسيا للتباحث حول ملفي سورية وليبيا، حصول اللقاء بين مملوك وفيدان، واضعاً إياه خلال إجاباته عن أسئلة الصحافيين عقب اجتماع حزب “العدالة والتنمية”، أمس، في إطار الحفاظ على المصالح التركية والمساهمة في إحلال السلام. وقال وزير الدفاع التركي أمس إن "المؤسسات والمسؤولين الأتراك يقومون بفعاليات متنوعة في المحافل الدولية، بهدف الحفاظ على المصالح التركية والمساهمة في إحلال السلام والاستقرار بالمنطقة". ويعتبر هذا الاجتماع سابقة، خصوصاً بعدما كانت الأطراف تتكتّم على اللقاءات الأمنية التي تجمع مسؤولين سوريين بالأتراك للتباحث في العديد من القضايا التي تخصّ الشمال الغربي من سورية والشمال الشرقي. ويعد هذا الاجتماع بين مملوك وفيدان الأول من نوعه، منذ أن قطعت تركيا علاقاتها مع حكومة النظام السوري أواخر عام 2011، بعد انطلاق الثورة بثمانية أشهر.

وكانت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري، قالت إنّ العاصمة الروسية موسكو، شهدت أول من أمس الإثنين، لقاءً أمنياً حضره مسؤولون سوريون وروس وأتراك. وأوضحت أنّ رئيس مكتب "الأمن الوطني" التابع للنظام، اللواء علي مملوك، مثّل الجانب السوري، بينما مثّل الجانب التركي رئيس جهاز المخابرات حقان فيدان، إضافة إلى حضور عدد من المسؤولين الروس.

وأضافت أنّ وفد النظام طالب الجانب التركي بـ"الالتزام الكامل بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً، والانسحاب الفوري والكامل من الأراضي السورية كلها". كما دعا إلى ضرورة وفاء تركيا بالتزاماتها بموجب اتفاق سوتشي بشأن إدلب الموقّع في 17 سبتمبر/ أيلول عام 2018، وخصوصاً في ما يتعلّق بإخلاء المنطقة ممن وصفتهم بـ"الإرهابيين" والأسلحة الثقيلة، وفتح الطريقين الدوليين حلب-اللاذقية وحلب-حماة. 

وقالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أمس الثلاثاء، إنّ مملوك "شدد خلال الاجتماع الذي حضره عدد من المسؤولين الروس، على أنّ الدولة السورية مصممة على متابعة حربها ضدّ الإرهاب، وتحرير كل منطقة إدلب، وعودة سلطة الدولة إليها، بما يكفل الأمن والأمان للمواطنين السوريين، الذين تستخدمهم التنظيمات الإرهابية دروعاً بشرية في تلك المنطقة"، وفق الصحيفة.

وجاء إعلان النظام عن الاجتماع الأمني مع الجانب التركي كمحاولة تبدو يائسة للظهور بمظهر الفاعل في المشهد السوري، وخصوصاً عقب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة دمشق قبل أيام، والتي كانت رسالة واضحة من موسكو للمجتمع الدولي بأنّ النظام مجرّد واجهة للنفوذ الروسي في شرقي المتوسط.

ويأتي هذا الاجتماع بين النظام وتركيا في الوقت الذي لا يزال كبار المسؤولين في الأخيرة يعلنون أنّ بشار الأسد لم يعد له دور في مستقبل سورية. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، قبل أيام، إنّ موقف بلاده من نظام الأسد "واضح"، وأنّ الأخير "فقد صفة القائد الذي سينقل سورية إلى مستقبل ديمقراطي وتعددي يسوده السلام".

وتعليقاً على هذه المستجدات، قال الكاتب المتخصص في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "بناء على تصريحات سابقة لأردوغان ووزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، يمكن القول إنّ هذا ليس اللقاء الأمني التركي-السوري الأول من نوعه. وغالباً جرت لقاءات سابقة بوساطة روسية". وتابع: "لكن اللافت أنّ الأطراف لم تكشف مباشرة عن اللقاءات السابقة، واقتصر الأمر على تسريبات أكدتها أنقرة لاحقاً". ورأى عبد الواحد أنّ النظام السوري "قرّر هذه المرة الإعلان عن اللقاء من خلال منابره الإعلامية الرسمية من أجل خلق انطباع كاذب لدى مؤيديه بأنّ الجميع يهرولون للتطبيع معه ويفتحون قنوات اتصال عبر وسطاء".

وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده أنّ اللقاء "لن يحمل الكثير من التغيرات بالنسبة للوضع في إدلب"، مضيفاً: "ربما اقتصر الأمر على تفاهمات برعاية روسية، بشأن الطرق الرئيسية التي يريد النظام والروس استعادة السيطرة عليها، فضلاً عن تفاهم على عدم المساس بنقاط المراقبة التركية في محيط محافظة إدلب". ولم يستبعد عبد الواحد "توصّل مملوك وفيدان، لتفاهمات معينة بشأن الوضع في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) في منطقة شرقي الفرات"، مشيراً إلى أنّ "هناك تقاطع مصالح بين النظام وروسيا وتركيا، لا سيما إزاء الدور الأميركي في تلك المنطقة".

على صعيد ذي صلة، كذّبت مصادر محلية في إدلب ما تزعمه وسائل إعلام النظام عن خروج عشرات الأسر من المحافظة وريف حلب الغربي، عبر ممرات أعلن النظام والجانب الروسي افتتاحها منذ يومين، في محاولة لاستمالة السوريين القاطنين في مناطق المعارضة. وقالت موسكو يوم الجمعة الماضي إنها فتحت ثلاثة معابر في مناطق الهبيط وأبو ظهور بريف إدلب، ومعبرا آخر في بلدة الحاضر بريف حلب الجنوبي. وزعمت صحيفة "الوطن" أنّ أكثر من عشر أسر، تضم نساءً وأطفالاً، تخطت ممر الحاضر، كما ادّعت أنّ معبر الهبيط شهد عبور أكثر من 30 عائلة، أي نحو 75 شخصاً، من مناطق المعارضة في إدلب، نحو مناطق النظام في ريف حماة.

وكانت السفارة الروسية في سورية قد فبركت أول من أمس الاثنين، مشهداً لخروج المدنيين من إدلب، من خلال المعابر التي أعلنت عنها موسكو، إذ استخدمت صورة تعود إلى عام 2018 وتحديداً إلى الثامن من يونيو/حزيران، وقد التقطها مصور وكالة "الأناضول" الرسمية التركية، للاجئين سوريين في معبر باب السلامة الحدودي بين سورية وتركيا، وهم في طريقهم للدخول إلى سورية لقضاء إجازة عيد الفطر في ذلك العام.

المساهمون