أفغانستان: تزايد العنف يقضي على فكرة المنطقة الآمنة لـ"طالبان"

23 يناير 2017
عمليات عسكرية مكثفة ضد طالبان (نور محمد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتحدث المصادر الرسمية الأفغانية عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف مقر الاستخبارات في مدينة لشكر كاه، مركز إقليم هلمند، الأسبوع الماضي، فيما اكتفت حركة "طالبان" بتبني المسؤولية عن الهجوم، مدعية إلحاق أضرار كبيرة بالأرواح. إلا أن مسؤولاً في الحكومة المحلية يكشف، لـ"العربي الجديد"، أنه تم استهداف مسؤولين في الاستخبارات وقيادات في "طالبان" قدمت من باكستان أخيراً للانضمام إلى المصالحة وإلقاء السلاح. وأكد المسؤول أن وفد "طالبان" كان يتزعمه المولوي إبراهيم، القائد الشهير في الأوساط الميدانية للحركة والمعروف بنزاعاته الداخلية مع زعيم الحركة المولوي هبت الله أخوند زاده.

وجاء هذا الهجوم ضمن موجة من أعمال العنف، كان أبرزها وأعنفها التفجير الذي وقع داخل مقر حاكم إقليم قندهار، وأدى إلى مقتل خمسة دبلوماسيين إماراتيين، بالإضافة إلى إصابة السفير الإماراتي لدى كابول جمعة محمد عبد الله الكعبي، وحاكم الإقليم همايون عزيز. وبالنظر إلى المواقف المتضاربة والتطورات على الساحة، لا يستبعد أن تكون للمسلحين يد فيها كما تدعي السلطات الأفغانية، وذلك برغم نفي "طالبان" مسؤوليتها عنها. وتفتح الخلافات داخل الحركة الباب أمام أكثر من جهة استخباراتية للسيطرة عليها، وتنذر كذلك باضمحلال جهود المصالحة. وفتحت علاقات "طالبان" بطهران وموسكو فجوة جديدة بين قيادة الحركة في الخارج، المؤيدة لتوطيد العلاقة مع روسيا وإيران، والقيادة الميدانية داخل البلاد التي تعارض بشدة أي تقارب معهما. وفي مقابل ذلك، توعد الرئيس الأفغاني، أشرف غني، الحركة، فيما بدأت القوات الأفغانية عمليات عسكرية مكثفة ضد "طالبان" في مختلف المناطق، أدت إلى مقتل العشرات منهم، بينهم قيادات.

وأتت هجمات "طالبان" وعمليات الحكومة بالتزامن مع سعي السلطات الأفغانية لإنشاء منطقة عازلة لمسلحي الحركة وعائلاتهم، لتجميعهم في معاقل خارج باكستان، بهدف إخراج "طالبان" من دائرة تأثير إسلام آباد، ما سيمكنهم من العودة إلى طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية بإرادة حرة. وما يعزز الفكرة عودة الكثير من قيادات "طالبان" إلى الأقاليم الجنوبية، تحديداً هلمند وأورزجان وزابل. ومن أبرز هؤلاء الملا عبد المنان، والملا يعقوب، والملا إبراهيم، والملا عبد الجبار، وغيرهم من القياديين البارزين في الحركة. وكانت الخلافات الداخلية في صفوف "طالبان" من جهة وخلافاتها مع باكستان من جهة أخرى ساعدت إلى حد كبير في تقوية هذه الفكرة وعودة قيادات الحركة إلى البلاد. وبينما عادت بعض القيادات إلى أفغانستان بعد أن قررت "طالبان" تقوية علاقاتها مع موسكو وطهران، بوساطة من إسلام آباد، عاد البعض بسبب الخوف من اعتقاله، وهو ما حصل مع قيادات في مدينة كويتا، أو الخوف من التعرض للاغتيال.

ويبدو أن الضغوط المتزايدة على الحكومة الأفغانية، داخلياً وخارجياً، بعد تصاعد أعمال العنف، خصوصاً مقتل الإماراتيين، أدت إلى اضمحلال فكرة إنشاء منطقة آمنة لحركة "طالبان"، وتم الانتقال إلى الخيار العسكري، بحجة الانتقام للهجمات الأخيرة، وهو أمر ترغب به دول عدة. وتشير إلى ذلك العمليات الموسعة في هلمند وأورزجان، والقصف المكثف للطائرات الأفغانية والأميركية في شتى الأقاليم الجنوبية. ووجه اعتقال الاستخبارات الأفغانية في زابل، الأسبوع الماضي، الملا عبد الجبار، القيادي البارز في الحركة عضو "شورى كويتا" والمسؤول عن أمن مؤسس الحركة الراحل الملا عمر، ضربة قوية لفكرة إنشاء المنطقة الآمنة، إذ إن القيادي فر من باكستان للتخلص من تأثيرها. ونفى المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، علمه باعتقال عبد الجبار، لكنه أكد أن القيادي لم يكن يشغل أي منصب حالياً في الحركة. لكن المصادر في الحركة تؤكد أنه كان عضواً في "شورى كويتا"، المجلس القيادي للحركة.


وكما أن الحكومة الأفغانية بدأت تتنازل عن فكرة المنطقة الآمنة، فإنه يبدو أن قيادات في الحركة نفسها تعارض الفكرة وكل الجهود المبذولة للمصالحة. وترغب الاستخبارات، لا سيما تلك التابعة لإيران وروسيا، في إبقاء "طالبان" في الصف المعارض، للاستفادة منها وتصفية حسابها مع أميركا، بالإضافة إلى رغبتها باستهداف الحركة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وتخشى بعض قيادات الحركة أن تكون "طالبان" تحولت إلى أداة تستخدمها الدول لتمرير مصالحها، ما خلق فجوة في صفوف الحركة. وتؤكد مصادر في "طالبان" أن علماء دين من باكستان، على رأسهم المولوي سميع الحق وزعيم الجمعية الإسلامية، المولوي فضل الرحمن، عقدا سلسلة اجتماعات للقضاء على الخلافات، لكن جهودهما لم تتكلل بالنجاح. ودبت الفوضى خلال اجتماع عقد في مدرسة في مدينة أكوره ختك، شمال غرب باكستان، بعد أن أكد قيادي في الحركة "أننا لن نقتل الشعب الأفغاني لأجل مصالح روسيا وإيران، بذريعة القتال مع الأميركيين".


في خضم هذه التطورات، جاء انتشار القوات الأميركية مجدداً في جنوب أفغانستان، وهو الأمر الذي فسره البعض بأنه جاء بهدف التصدي للنفوذ الروسي، إذ إن واشنطن تخشى من أن توسع روسيا وإيران نفوذهما من خلال علاقاتهما بالجماعات المسلحة، فيما اعتبر آخرون أن واشنطن ترفض فكرة المنطقة الآمنة، وترغب باستمرار دوامة الحرب ولا تريد إيجاد حلول للوضع الأمني، لأن مصالحها تكمن بتواصل دوامة الحرب. وبعد أن قررت واشنطن إرسال 300 عنصر من المارينز إلى إقليم هلمند، بعد أن سيطرت "طالبان" على مناطق فيه، أرسلت أيضاً 200 جندي إلى إقليم فراه، غرب أفغانستان، بذريعة السيطرة على الوضع هناك. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن "طالبان" ستبقى في الصف المعارض، بعد أن فشلت جهود المصالحة وهمشت فكرة المنطقة الآمنة، ما يؤكد تواصل الحرب، وهو ما ترغب به قوى دولية لأنه يحافظ على مصالحها.