المملكة... من سلطة آل سعود إلى سلالة آل سلمان

09 نوفمبر 2017
بن سلمان سيطر على الأجهزة الأمنية (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
استهدفت عمليات الإعفاء والتعيين والاعتقالات التي قام بها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في طريقه نحو العرش، طوال سنتين، تحجيم دور الأسرة المالكة في السعودية وإنهاء نفوذها المتوزع بين أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز، ووضع موالين له من شباب الأسرة أو من خارجها في المناصب الحساسة، ربما لتحويل الحكم من سيطرة آل سعود إلى سيطرة سلالته الخاصة، أو آل سلمان كما تندّر معارضوه وحتى مراقبون أجانب مهتمون بشؤون المملكة.

كان بن سلمان متيقناً من أن وجود أعمامه أو أبناء أعمامه الأقوياء في مناصبهم الحساسة، خصوصاً المرتبطة بالأجهزة الأمنية، يعرقل طموحه لتولي العرش خلف والده. انطلاقاً من ذلك اليقين، بدأ بإقصاء وزارة الداخلية التي كان يسيطر عليها ولي العهد المخلوع محمد بن نايف ووالده من قبله، وفيها ضباط موالون له بقوة. وقام بسحب الصلاحيات من الإدارات القانونية للوزارة عبر إنشاء النيابة العامة التي أصبحت جهة مستقلة، ثم أنشأ جهاز أمن الدولة الذي بات تابعا للملك مباشرة من دون الرجوع إلى وزارة الداخلية وتخصصاتها الأمنية. هكذا، فإن الوزارة التي سلمت حقيبتها لسعود بن عبدالعزيز بن نايف، وهو ابن أخ محمد بن نايف، باتت وزارة مهمشة في سلم الترتيب الأمني السعودي باقتصارها على التحقيق في حوادث المرور وبعض الجنح البسيطة، مع تحكّم ضباط أمنيين موالين لبن سلمان فيها، ومنهم نائب وزير الداخلية أحمد محمد السالم.

وليست وزارة الداخلية هي الجهة الوحيدة التي صفّى فيها بن سلمان وجود رجال أسرته الأقوياء، بل امتدت هذه التصفية إلى وزارة الحرس الوطني. وهي الجهاز الأمني القبلي للسعودية، وعدد جنودها نحو 100 ألف مقاتل، مدرّب من رجال القبائل التي ساهمت في توحيد المملكة مطلع القرن الماضي. وعيّن محمد بن سلمان في هذه الوزارة وكيلاً مغموراً لها من أسرة آل مقرن، المرتبطة بعلاقة مع أسرة آل سعود في جدها البعيد بعد عزله لابن عمه متعب بن عبدالله وإيداعه السجن ـ الفندق، بتهم الفساد.

كما أن أغلب رجال أعمال الأسرة الحاكمة، إما باتوا في السجون مثل تركي بن ناصر والوليد بن طلال وعبدالعزيز بن فهد، أو أن مصيرهم لا يزال غير معروف مثل "الملياردير الصامت" الأمير محمد بن فهد، والشؤون الإعلامية والسياسية كلها باتت في يد أشخاص خارج الأسرة مثل سعود القحطاني المسؤول الإعلامي الأول وثامر السبهان وزير الشؤون الخليجية ومهندس "الحرب" على إيران، وعادل الجبير وزير الخارجية، السفير السابق في الولايات المتحدة.





ورأى متابعون للشأن السياسي أن "قيام بن سلمان بهذه الخطوات لتحجيم دور أسرته، أتى إيماناً منه بأن موارد البلد الاقتصادية لن تكفي في المستقبل القريب للصرف ببذخ على أسرة آل سعود بجميع فروعها، كما كان يفعل الملوك السابقون الذين كانوا يشترون غضب بعض الأمراء الساخطين بالأموال. وهو أمر حدث للأمير مشعل بن عبدالعزيز في عهد الملك الراحل عبدالله. كما حدث لمقرن ساعة تنحيته عن منصبه في ولاية العهد عام 2015". وأضافوا أن "تحرك بن سلمان أيضاً نابع من طموح شخصي لتأسيس سلالة خاصة به وبأخوته بعيداً عن أسرة آل سعود تماماً، وإضعاف الأسرة وتهميشها يؤديان إلى قطع الطريق عليها إذا ما أرادت الانقلاب عليه. وهو ما تبيّن جلياً بإظهاره لنخب سياسية واقتصادية جديدة، وسجنه للنخب الاقتصادية المحسوبة تقليدياً على الأسرة الحاكمة مثل بن لادن وصالح كامل والعمودي. لكن هذه الخطوة تحمل في طياتها خطورة كبيرة على حكم بن سلمان، إذ إن فرص الانقلاب سابقاً من قبل قيادات الجيش أو الضباط العاديين في الحرس الوطني كانت معدومة وضرباً من الجنون، كون السلطة كانت مترامية وموزعة بين أقطاب الأسرة وأبناء عبدالعزيز الأقوياء".

وختم المتابعون بالقول إن "السلطة اليوم أصبحت تتركز في رجل واحد. كما أن التيارات التقليدية الموالية للأسرة الملكية مثل التيار السلفي وتيار الصحوة، وهما اللذان مثلا قوة ضاربة لحماية السلطة السعودية التقليدية في وجه الحركات الإسلامية الأخرى المعادية، قد زٌج بأعضائها في السجون بسبب شك بن سلمان بولائها لأبناء عمه الآخرين، وبسبب رغبته في التغيير الاجتماعي، وكسر التحالف الذي نشأ قبل أكثر من 250 عاماً بين جده محمد بن سعود، وبين المصلح الديني ومؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب".



المساهمون