تونس: سياسيو وشباب حركة النهضة يستذكرون سنوات الجمر

21 نوفمبر 2016
امتزجت دموع الجميع في قاعة الاستماع (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تمر جلسات الاستماع العلنية التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة بيسر على التيارات والاتجاهات السياسية في تونس، لأنها فتحت جروحهم من جديد، وكانت مناسبة استعاد فيها سياسيون وشباب سنوات الجمر والقمع والتعذيب في السجون، ولحظات الاعتقال والتنكيل الذي مورس عليهم وعلى عائلاتهم. ولئن اعتبر البعض أنه رغم المرارة التي يشعرون بها اليوم، والألم الذي انتابهم كلما استمعوا من جديد إلى إحدى الشهادات، فإن ما يواسيهم هو لحظة تطهير الذات التي يمرون بها، وكشف الحقيقة للشعب التونسي.

وعاد كثيرون من حركة النهضة إلى تلك الأيام الصعبة من حياتهم. وقال القيادي في حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، لـ"العربي الجديد"، إنه لم ينتظر طيلة هذه السنوات، مبيناً أنه سامح الجلادين منذ سنوات، فالجلاد الكبير أخذ جزاءه، في حين أنّ الجلاد الصغير والذي نفّذ الأوامر سيحاسب، ولكن الجيد في الجلسات العلنية هو أن يفهم التونسيون ما حصل لكي لا يتكرر مع الأجيال المقبلة. وأشار إلى أنّهم دفعوا الثمن سابقاً، وانتهكت كرامتهم وهم مستعدون لمزيد من التضحية، فقد وصلوا في الماضي القريب إلى الحضيض، وذاقوا شتى أنواع العذاب والتنكيل، معتبراً أن ما يحصل اليوم هو عملية تطهّر جماعي. وأشار الجلاصي إلى أنه ألف كتاباً عن سنوات الجمر، وسيصدر مجموعة ثانية من المذكرات قريباً، معتبراً أن ما استمع إليه من شهادات لم يفاجئه، ولكن فاجأه غياب البعض عن هذه الجلسات التاريخية، والتي من المفروض أن يتشارك فيها الجميع ويتقاسموا الأوجاع لشفاء الضحايا، وبهذه الخطوة يؤسسون للعدالة الانتقالية، معتبراً أن دموع جميع التيارات، اليسارية والإسلامية والليبرالية، امتزجت في قاعة الاستماع العلنية، فالعذاب لا لون له، والكل يتشارك الألم والوجع. وأشار إلى انه رغم الصعوبات التي عرفتها تونس بعد الثورة، اجتماعياً واقتصادياً، ورغم التجاذبات السياسية التي حصلت بين الفرقاء السياسيين، الا أنّه حان الوقت، بعد مرور خمسة أعوام، ان يتوحّد الجميع لتلتفت تونس إلى التنمية والتشغيل.

النائبة الأولى لرئيس المجلس التأسيسي سابقاً، القيادية بحركة النهضة، محرزية العبيدي، لا تزال تحت وقع الصدمة، متأثرة بما قدم من شهادات. وتقول، لـ"العربي الجديد"، إنّها تذكرت جيلها، وشقيقتها التي أوقفت، وقريبتها التي سجنت. وتذكرت شهادة بسمة البلعي، التي قدمت شهادة للتاريخ أخيراً، مبينة أن هذه السجينة أبت أن تبكي أمام التونسيين، لكنها في الكواليس كانت تبكي بحرقة وألم، وكأنها تودّع عزيزاً أو قريباً. وأوضحت العبيدي أنه لو أن كل ضحية تتكلم عن تجربتها، فإن الحديث سيذكر كل فرد بألمه، موضحة أنها ترأست الجلسة التي مرر فيها قانون العدالة الانتقالية، ورغم التشكيك والتجاذبات، إلا أن هذا المسار كان ضرورياً للتونسيين. وأشارت العبيدي إلى أن البعض يرفض مسار العدالة الانتقالية، رغم أنه أهم مرحلة في تاريخ تونس، مرحلة تُسمع فيها الضحية، ورغم أن هناك شهادات أقسى وأمرّ مما بث، إلا أن الألم واحد، مبينة أن ما أبكاها أكثر، وربما تكون درساً للكثيرين، هي الشهادة التي قدمها الباحث، سامي براهم، الذي عبر عن أوجاع الكثيرين. وبينت أنها تتذكر براهم، ذلك الشاب الصغير الذي نكل به وطاولته الانتهاكات بحكم أنهما من نفس المؤسسة، دار المعلمين العليا، ولكن الله منحه قوة غريبة ليساعد اليوم الآخرين رغم الألم.


من جهتها، قالت سجينة سياسية من حركة الاتجاه الإسلامي سابقاً (النهضة حالياً)، تدعى خيرة المدب، إنّها لم تتمكن من مواصلة الاستماع إلى بعض شهادات الضحايا، خصوصاً الشمّاخي، حيث ذكّرتها بقبو وزارة الداخلية في فترة الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، ومكاتب التحقيقات، وسوء المعاملة، مبينة أن ما استمعت إليه أعاد إليها نفس الأوجاع والآلام، وكأن ما حصل بالأمس يحصل اليوم. وأضافت المدب، والدموع تملأ عينيها، "حكم علي بنحو سنتين ونصف السنة. تهمتي الانتماء إلى حزب غير مرخص له، وهو الاتجاه الإسلامي، والخروج في مسيرة عدائية وجمع التبرعات. بقيت تحت المراقبة الإدارية، وأتمنى أن يفتح في يوم ما ملف هذه المراقبة، التي حطمت عائلات عدة، وأعتبرها سجناً أفظع وأبشع من السجن الحقيقي. أتمنى فتح ملف اغتصاب السجينات، الذي لا يزال من المواضيع المسكوت عنها، لأن التونسي لن يتخيل فظاعة ما مورس في حق السجينات".

وأكد السجين السياسي، صالح الصفاقسي، أنّ تهمته كانت الانتماء إلى حركة الاتجاه الإسلامي في العام 1981، مبيناً أنه سجن في نفس الزنزانة مع القيادات الكبرى لحركة النهضة، أي مع راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو، وصالح كركر وصالح بن عبد الله، معتبراً أنه رغم قساوة التجربة لكنهم كونوا نظاماً خاصاً بهم داخل الزنزانة، حيث كانوا نحو 40 سجيناً. وقال الصفاقسي "بعض التجارب، بحلوها ومرها، لم ترو، وهي أننا كنا نقتسم اغتسال الأواني والطبخ. فعبد الفتاح مورو وعلي المغربي يغسلان الأواني يوم الخميس، أما دوري فكان يوم الأربعاء برفقة عبد العزيز التميمي، وكان الشيخ راشد الغنوشي يغسل الأواني أيضاً، ويرتب الزنزانة". وأكدّ أنّ تجربة التعذيب والسجن لم تعد تهمه كثيراً أمام حجم المعاناة التي استمرت، حتى بعد الثورة، مبيناً أن الانتماء ظل وكأنه وصمة تلاحقهم إلى اليوم. وأشار إلى أنّ ما بعث في نفسه بصيصاً من الأمل أن الفرقاء السياسيين، ورغم التجاذبات الكبيرة التي شاهدها التونسيون على شاشات التلفزة والتراشق بالتهم طيلة خمسة أعوام، "إلا أن الجميع اجتمعوا في قاعة الجلسة العلنية وشعروا بأوجاع بعضهم، وتقاسموا نفس الدموع، اليساري يستمع إلى الإسلامي فيبكي، والإسلامي يستمع إلى اليساري فيبكي، وهو أفضل وأسمى ما تحقق من معان".

وقال زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، إن ما يراه التونسيون اليوم، هو تونس الجديدة، التي تتطهر وتتجمل للخروج أقوى بعد نهاية هذه المحطة من المصارحة، لتكون تونس المتصالحة، المتضامنة وتتجه إلى المستقبل في اتجاه الوحدة الوطنية الصماء. وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أنّ الجلسات كانت موفقة، وعبرت عن المجتمع التونسي، برجاله ونسائه، وما عاشوه من انتهاكات في الماضي، مبيناً أنّ الهدف ليس شحن القلوب بالأحقاد والنعرات بل التَطهُّر.