الحملة اليمينية الصهيونية ضد كوربن: بيئة حاضنة داخل "العمال"

17 اغسطس 2018
بالنسبة للبعض تخطى كوربن الخطوط الحمر بانحيازه للفلسطينيين(كريستوفر فورلونغ/Getty)
+ الخط -
يتعرض زعيم حزب العمال البريطاني، جيريمي كوربن، لحملة انتقادات تشنها وسائل الإعلام اليمينية البريطانية وبدعم من عدد من السياسيين المحافظين بسبب زيارته إلى مقبرة الشهداء في العاصمة التونسية قبل أربعة أعوام، حيث وضع أكاليل الزهور على أضرحة شهداء فلسطينيين اغتالتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1985.
وكانت صحيفة الديلي ميل قد نشرت يوم السبت صوراً لكوربن مع وفد فلسطيني في مقبرة الشهداء في تونس، وذلك ضمن فعاليات حضوره مؤتمراً فلسطينياً، حيث ادعت الصحيفة أن الزهور كانت تكريماً لقادة في منظمة التحرير الفلسطينية متهمين بالوقوف وراء عملية ميونخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود، والتي أسفرت عن مقتل عدد من الرياضيين الأولمبيين الإسرائيليين المشاركين في البطولة عام 1972. ووضح زعيم العمال موقفه، يوم الثلاثاء الماضي، قائلاً إن المناسبة التي حضرها عام 2014 كانت لمجرد تكريم ضحايا الغارة الإسرائيلية على مكاتب منظمة التحرير في حمام الشط في العاصمة تونس والتي راح ضحيتها 68 شخصاً وأكثر من مائة جريح من الفلسطينيين والتونسيين، وأطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "عملية الساق الخشبية". وقال كوربن: "لقد وضعت الزهور إلى جانب العديد من الأشخاص تكريماً لجميع من سقطوا ضحايا للاعتداء المشين عام 1985، والذي دانه العالم بأجمعه".

إلا أن الانتقادات الآتية من سياسيي حزب المحافظين مثل وزير الداخلية ساجد جاويد أصرّت على أن كوربن كان يضع الزهور على ضريح صلاح خلف (أبو إياد) وعاطف بسيسو، واللذين تتهمهما إسرائيل بالوقوف وراء منظمة أيلول الأسود. وقال متحدث باسم حزب العمال مدافعاً عن كوربن: "إن المزاعم حول زيارة جيريمي كوربن إلى المقبرة الفلسطينية الوطنية في تونس في 2014 خاطئة ومضللة. لقد حضر مؤتمراً عن فلسطين في تونس بدعوة من الرئيس التونسي وبمشاركة برلمانيين أوروبيين آخرين، بمن فيهم أعضاء من حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار من بريطانيا". وحضر المؤتمر ذاته اللورد شيخ وهو عضو في مجلس اللوردات عن حزب المحافظين، واللورد سودبري، عن حزب الديمقراطيين الأحرار.
وأضاف المتحدث أن وفداً من المؤتمر توجه لتكريم ووضع أكاليل الزهور في المقبرة في ذكرى العشرات من الفلسطينيين والتونسيين، بمن فيهم المدنيون، الذين سقطوا ضحايا في مكان الغارة الإسرائيلية عام 1985، والتي دانتها الأمم المتحدة". وأضاف أن عدداً من قادة منظمة التحرير السياسيين مدفونون في تلك المقبرة ومنهم صلاح خلف وعاطف بسيسو "وكلاهما متهم من قبل إسرائيل بارتباطهما بمنظمة أيلول الأسود في بداية السبعينيات، رغم أنهما نفيا ذلك دائماً، كما كان حال منظمة التحرير الفلسطينية. كلاهما من القادة الرفيعين من فتح ومنظمة التحرير، والقادة الفلسطينيون لا يزالون يكرمونهما حتى الآن". وتابع بقوله "إن حضور جيريمي كوربن مؤتمر تونس والحفل في المقبرة ما هو إلا إشارة إلى التزامه المبدئي والطويل بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية. يجب أن يكون هذا الأمر محط احترام وليس محط إدانة".
إلا أن الانتقادات الموجهة لكوربن لا تقتصر على اليمين السياسي المحافظ، والذي يخشى من وصول عمال كوربن إلى رئاسة الوزراء في حال إجراء انتخابات مبكرة، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تكشف تقدم حزب العمال على حزب المحافظين الحاكم بخمس نقاط، بل وتمتد إلى داخل حزب العمال ذاته. فالحزب لا يزال يعاني من أزمة انتشار معاداة السامية بين صفوفه، والتي وجّهت أيضاً إلى كوربن نفسه والعديد من المحيطين به.
وكان الجدل حول انتشار كراهية اليهود بين صفوف حزب العمال قد دفع الحزب إلى تبني تعريف "التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست" لمعاداة السامية، لكن بتعديل لا يعتبر انتقاد دولة إسرائيل ضرباً من ضروب كراهية اليهود، وذلك بالرغم من مطالبة نائب زعيم حزب العمال طوم واطسون، اللجنة المركزية للحزب بتبني التعريف كاملاً ومن دون تعديل.
ولكن الخلط بين معاداة السامية وانتقاد دولة إسرائيل لا يستخدم فقط في الأوساط الداعمة لدولة الاحتلال بهدف إسكات الأصوات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، بل يستخدم أيضاً بهدف تقويض شعبيتها من قبل منافسيها السياسيين، ومثالها في هذه الحالة، جيريمي كوربن، خصوصاً من قبل التيارات التي جرى تهميشها منذ وصوله إلى صدارة الحزب عام 2015.

وشرح المحاضر في العلوم السياسية في جامعة ليفربول، أندرو كراينز، الوضع الداخلي في صفوف حزب العمال، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "حزب العمال يخوض حالياً حرباً أهلية داخلية منذ انتخاب كوربن عام 2015. يدعم الكوربنيون زعيمهم كلياً لدرجة تأييد أي شيء يقوم به، حتى وإن كان الأمر محط خلاف. أما "المعتدلون" فيعارضون كوربن، حيث يرون مواقفه متشددة وغير متوافقة مع قيم العمال الأساسية. وبينما يهيمن المعتدلون على البرلمان، يحظى كوربن بالدعم خارجه ومن قاعدة شعبية قوية". ولفت كراينز إلى أن "كوربن عرف دائماً بتعاطفه مع أوضاع الفلسطينيين، لكن كوربن ابتعد عن سياسة الحياد التقليدية ويدافع بشكل واضح عن فلسطين".
وبرأي كراينز، "إن هذا الأمر تسبب بامتعاض في الحزب لكون حزب العمال الملجأ التقليدي للأصوات اليهودية في بريطانيا ودائماً ما رحب بهم في صفوفه. ويبدو أن تصرفات كوربن قد تحدت هذا الوضع وتسببت بزعزعة في صفوف الحزب". ولفت إلى أنه "كانت القضية الفلسطينية دائماً محط تأييد من اليسار المتطرف في السياسة البريطانية. ودائماً ما عبرت شخصيات مثل جورج غالاوي (عضو سابق في حزب العمال) عن تعاطفها الجلي عبر السنين، لكن مواقف كوربن كانت دائماً أكثر غموضاً. وبما أنها تتضح يوماً بعد يوم فإنها تهدد التوازن الدقيق في صفوف حزب العمال ... حيث يتجاوز كوربن خطوطاً لا يستطيع زعيم أي حزب تخطيها".
واختتم كراينز بقوله "إن قضية معاداة السامية في صفوف حزب العمال هي مشكلة في صفوف اليسار المتشدد، حيث يستخدمها البعض للتعبير عن وجهات نظرهم المعادية لليهود. وبدلاً من توجيه النقاش نحو انتقاد السياسات الإسرائيلية، يستخدم البعض هذه الأزمة لتطبيع معاداتهم للسامية بدعوى الانتقاد الشرعي لإسرائيل. وبينما يعارض معتدلو الحزب هذه العنصرية، يفاقم تردد كوربن في التعامل معها من حدتها".

المساهمون