حشود تحيط بإدلب: النظام يعزز قواته وشرق الفرات أولوية تركيا

14 يناير 2019
قوات تركية قرب الحدود السورية (الأناضول)
+ الخط -
تتصاعد في أجواء إدلب السورية نُذر مواجهات عسكرية مقبلة، مع تزايد الحشود العسكرية التي تحاصر المنطقة، فالنظام السوري المدعوم من روسيا يستغل التطورات في تلك المنطقة الخاضعة لاتفاق سوتشي، وتحديداً توسع سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) في إدلب ومحيطها، لتعزيز قواته في محيط المنطقة، مستفيداً من التركيز الإقليمي والدولي راهناً على الانسحاب الأميركي ومستقبل شرقي الفرات. بالتوازي مع ذلك، يبرز حضور تركي هام في تلك المنطقة، خصوصاً أن أنقرة تُعتبر الضامن لاتفاق سوتشي هناك، وهي التي تواصل إرسال تعزيزات عسكرية إلى المناطق الخاضعة لها وللمعارضة السورية المتحالفة معها، مع بروز تحوّل في الخطاب الإعلامي التركي بوصف "هيئة تحرير الشام" بـ"الإرهابية"، فيما بدا رسائل تركية للهيئة بضرورة تغيير نهجها، وإلا مواجهة حملة عسكرية تركية، لا تبدو قريبة في المرحلة الراهنة.

ورسمت التحركات في إدلب، أمس، صورة لمواجهة مقبلة. فالنظام أرسل دفعة جديدة من التعزيزات العسكرية إلى مناطق انتشار قواته في محيط حماة، ضمّت عشرات الآليات المحملة بعناصر من قواته والمسلحين الموالين له، تمركزوا في منطقة صوران ومناطق أخرى من ريف حماة الشمالي، في إطار سعيه لتعزيز مواقعه في المنطقة والتي بدأت في العاشر من الشهر الحالي، وسط توقعات بأن قوات النظام تحضر لعملية عسكرية ضد "هيئة تحرير الشام" والفصائل العاملة في المنطقة. كما قصفت قوات النظام، أمس، منطقة كبانة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وقرى مسعدة وتل خطرة وتل كلبة الواقعة في ريف إدلب الشرقي، إضافة لمحيط بلدة اللطامنة وقريتي الصياد ومعركبة في ريف حماة الشمالي. كما طاول القصف قرى وبلدات خلصة وحميرة وزمار في ريف حلب الجنوبي.

في المقابل، أرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع سورية من جهة محافظة إدلب، بعد يوم من اجتماع عقده مسؤولون عسكريون، على رأسهم وزير الدفاع خلوصي آكار. وذكرت وكالة "الأناضول" أن التعزيزات التي تضم قوات خاصة وناقلات جند مدرعة، وصلت، ليلة السبت، إلى محافظة هطاي المتاخمة لإدلب، وهي تضم شاحنات عسكرية محمّلة بعربات مدرعة مخصصة لنقل الجنود. كذلك أفادت الوكالة بأن وحدات من الجيش التركي أجرت، أمس الأحد، تدريبات عسكرية في ولاية هطاي، لليوم الثاني على التوالي.

وجاء ذلك بعد يوم واحد من تحذير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لـ"داعمي ومسلحي التنظيمات الإرهابية في المنطقة" من مغبة ذلك، متوقعاً أن تنظيمات "العمال الكردستاني" و"الوحدات الكردية" و"منظمة فتح الله غولن" و"داعش" الإرهابية "ستتحول إلى مصيبة على رؤوس الأطراف التي قامت بتسليحها حتى تهدد تركيا". كما أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الذي رحّب بتصريح نظيره الأميركي مايك بومبيو حول تفهّم واشنطن لدوافع أنقرة لحماية حدودها، شدد في كلمة له، السبت، على أنه لم يسبق لتركيا أخذ إذن من جهة ما في مجال مكافحة "العمال الكردستاني" والوحدات الكردية و"داعش".

وفي حين أن احتمالات المواجهة بين تركيا و"هيئة تحرير الشام" تبقى مستبعدة في الوقت الراهن، بحسب معطيات حصلت عليها "العربي الجديد"، إلا أن تفجّر الأوضاع عسكرياً في إدلب يبقى قائماً في ظل تصعيد النظام السوري وحشوده.
ولوحظ انتقال تركيا لمرحلة جديدة في التعاطي مع الأوضاع، عنوانها توجيه رسائل امتعاض واضحة لـ"تحرير الشام"، بعد صمت تركي امتد لأيام رافق حرب الهيئة ضد فصائل المعارضة السورية، من أرياف حلب إلى إدلب وريف حماة. وبرز تحوّل في الخطاب الإعلامي التركي بوصف الهيئة "إرهابية"، بالتزامن مع تنفيذ اعتقالات طاولت "داعمين" لها في ولاية أضنة، وذلك بعدما سيطرت "تحرير الشام" على مناطق مختلفة من محافظة إدلب، وأنهت وجود فصائل عسكرية معارضة في المنطقة، مثل حركتي "نور الدين الزنكي" و"أحرار الشام".

وبعد يوم من اجتماع لقادة الجيش والمخابرات التركية، في ولاية هطاي، ضم وزير الدفاع خلوصي آكار، ورئيس الأركان يشار غولر، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، أُعلن، أمس، أن السلطات التركية نفذت عملية أمنية اعتقلت خلالها 13 شخصاً في ولاية أضنة، بتهمة دعم "تحرير الشام". واهتمت وسائل الإعلام التركية بخبر العملية الأمنية، واصفة الهيئة بـ"الإرهابية". ووصفت وكالة "الأناضول" الرسمية للمرة الأولى الهيئة بـ"هتش" الإرهابية، اختصاراً للأحرف الأولى من اسمها، بعدما كانت قد وصفتها قبل أيام بجهة مناهضة للنظام السوري. كما نقلت قنوات تلفزيونية ووكالات أنباء تركية أخرى خبر العملية الأمنية، مع التأكيد على أن الهيئة جهة إرهابية، في تغير جديد في لهجة الإعلام التركي.


وأوضحت مصادر تركية لـ"العربي الجديد"، أن رسائل الغضب التركية هذه، والتي ترافقت مع حشود عسكرية على الحدود، تأتي في إطار "إيجاد حل لمشكلة وجود هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية من قبل روسيا وأميركا، ووجود نقاط مراقبة تركية في المنطقة، في وقت تشكّل فيه تركيا ضامناً لمحافظة إدلب أمام روسيا وإيران". وبحسب المصادر، فإن الحل التركي سيكون إما سياسياً بإجبار الهيئة على تغيير نهجها والالتحام مع قوى المعارضة، أو إيجاد حل عسكري سيكون مكلفاً، لافتة إلى أن هذا التصعيد الإعلامي يأتي في سياق الضغط التركي على الهيئة لتحقيق أحد هذين الهدفين.

وفي السياق، قالت مصادر تركية أخرى، لـ"العربي الجديد"، إن التحركات الأخيرة لأنقرة، من الاجتماعات في المنطقة الحدودية، إلى نقل قوات خاصة تركية "محدودة" للمنطقة، هي تحركات تكتيكية في مواجهة ردود الفعل الدولية التي تستهدف تركيا لجهة مسؤوليتها عن الأوضاع في إدلب، سواء من الولايات المتحدة أو روسيا، ومطالبتها بالتصدي لـ"هيئة تحرير الشام"، خصوصاً أن هذه الفترة هي فترة تحضير تركية لشرق الفرات، وبالتالي فإن تركيا غير مستعدة لفتح جبهة نازفة في الفترة الحالية، ربما تكون فخاً لها.
وأوضحت المصادر أن الأجندة التركية الحالية تتمحور حول ملف شرق الفرات، وكل التحضيرات القائمة من حشود عسكرية باتجاه الداخل السوري تأتي في هذا الإطار، في الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات مع الجانب الأميركي للتنسيق في عملية انسحاب القوات الأميركية، وبحث موضوع مستقبل إدارة شرق الفرات مع جهات سورية من بينها الأكراد. وكانت مصادر في المعارضة الممثلة في الائتلاف الوطني السوري، قد أكدت عزمها على عقد ورشة عمل حول إدارة مستقبل شرق الفرات.

وفي ما يتعلق بمستقبل الأوضاع في إدلب من الناحية التركية، أشارت المصادر التركية إلى أن إدلب ما زالت تخضع لاتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه بين الطرفين الروسي والتركي في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، ومن الواضح أن هناك تفاهماً لتستمر الأوضاع فيها كما كانت قبل تمدد "هيئة تحرير الشام". ولم تستبعد المصادر أن تشهد المنطقة مستقبلاً حملة عسكرية لروسيا بموافقة من أنقرة، على أن يكون للأخيرة مستقبل في منطقة واسعة من إدلب، في مقابل تخلي موسكو عن منطقة شرق الفرات. وما يدل على ذلك هو عدم استعداد تركيا للمخاطرة بنقاط مراقبة بعمق أكثر من مائة كيلومتر من حدودها، وانتهاء بأن اتفاق إدلب هو مؤقت لاستعادة الصفوف والتحضير مستقبلاً لعمل عسكري هناك ضد "هيئة تحرير الشام". وخلال هذه المدة فإن تركيا مستعدة لمواصلة التنسيق مع الهيئة في إدلب، بانتظار حسم الوضع في شرق الفرات.

ومن هذا المنطلق يمكن فهم الموقفين التركي والروسي من التطورات في إدلب، إذ عكفت روسيا في الفترة التي سبقت إعلان الولايات المتحدة انسحابها، على تكثيف تصريحاتها حول شرق الفرات، واعتبار أميركا قوة احتلال، وهذا كان يتماهى مع المطالب التركية بالتركيز على مكافحة الوحدات الكردية. وبالتالي فإن روسيا دعمت موقف تركيا في قتال الوحدات الكردية، مقابل الدعم التركي لمطالب روسيا بمكافحة "هيئة تحرير الشام". والفترة الحالية هي فترة تتلخص بأن أنقرة وموسكو تعملان على استيعاب بعضهما البعض، للانتهاء من ملف شرق الفرات، ثم التركيز لاحقاً على مستقبل إدلب.

مع العلم أن المرصد السوري لحقوق الإنسان نقل عن مصادره، أمس، أن القيادة الأميركية تسعى لتسليم كامل منطقة شرق الفرات، وتركها لمصيرها الذي رسمته ولا تزال ترسمه مع تركيا، عبر دفع أنقرة لفرض إشرافها الكامل على المنطقة الممتدة من ريف منبج وصولاً للحدود السورية - العراقية، تحت مسمى "منطقة حكم ذاتي"، يديرها المجلس الوطني الكردي في سورية وبانتشار عسكري لقوات البشمركة وإدارة تابعة للائتلاف الوطني، وتكون منطقة شاملة لكل مكوّنات المنطقة، وتقع تحت إشراف تركي مباشر. وأكدت المصادر للمرصد السوري أن كل ما تقدّمه الولايات المتحدة حتى الآن من وعود ما هو إلا حيلة لتأخير أي اتفاقات أو توافقات لـ"قوات سورية الديمقراطية" مع النظام السوري وروسيا، حتى إفساح المجال أمام تركيا للدخول بأريحية عند انسحاب القوات الأميركية من قواعدها العسكرية في منبج وشرق الفرات.

المساهمون