تجددت مظاهرات الحراك الشعبي في الجزائر في أول جمعة بعد وفاة قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، وفي ثاني جمعة بعد تسلم الرئيس الجديد، عبد المجيد تبون، للسلطة عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بالزخم نفسه المتمسك بالمطلب الديمقراطي وبرفض هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي، من دون وجود أي تطور في موقف الحراك إزاء الحوار مع السلطة الجديدة، ووسط بعض التوتر والاحتكاك بين المتظاهرين ومجموعات موالية للسلطة في بعض المدن.
وسجلت الجمعة 45 للحراك تظاهرات جديدة شارك فيها الآلاف في العاصمة ومختلف المدن الجزائرية، وبدت مظاهرات اليوم كبيرة، واستهدفت توجيه رسالة سياسية إلى السلطة والقيادة العسكرية والمجموعات الموالية لها باستمرار الحراك ومطالبه.
وبدت المظاهرات اليوم متجاهلة للتطورات الراهنة والمتغيرات الطارئة في المشهد السياسي على صعيد تسلم تبون الرئاسة، ورحيل ثلاث شخصيات كان الحراك يطالب برحيلها منذ فترة، وهم قايد صالح الذي توفي الأسبوع الماضي، ورئيس الدولة بالفترة الانتقالية، عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي.
ولم يهتف المتظاهرون في الحراك الشعبي اليوم ضد قائد أركان الجيش الراحل أو الجديد اللواء سعيد شنقريحة، ورفع الناشط حسين بن زينة لافتة تتضمن تقديرا لموقف قايد صالح في حقن الدم والمرافقة السلمية للحراك، كتب عليها "رافقتنا بالسلمية نرفقك بالدعاء، وداعا عمي صالح، مستمرون". واعتبر بن زينة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الحراك يقدر للقائد العسكري الراحل حقنه دماء الجزائريين، وموقفنا منه سابقا كان يتعلق برفضه السماح للجزائريين ببدء مسار ديمقراطي، ولذلك نحن مستمرون في الحراك، لأن القضية تتعلق بمطلب ديمقراطي وهي قضية لا تتوقف على الأشخاص مهما كانت صفاتهم ومواقعهم".
لكن تزامن مظاهرات الجمعة 45 مع ذكرى تصفية داخلية للقائد الثوري عبان رمضان (صاحب فكرة إبعاد العسكر عن الشأن السياسي) من قبل قادة الثورة الجزائرية في ديسمبر/ كانون الأول عام 1957، دفع إلى وجود العديد من الشعارات المطالبة باستبعاد الجيش عن السلطة الفعلية، وإبعاد الجنرالات من الحكم.
وردد المشاركون في التظاهرات "سلمية سلمية، انحو (نقتلع) العسكر من المرادية (قصر الرئاسة ورمز السلطة)".
ورفعت خلال هذه المظاهرات صور رمضان، وهو الذي أطلق مؤتمر الصومام في أغسطس/ آب 1956، لتنظيم ثورة الجزائر، والذي قرر إعطاء الأولوية للسياسي على العسكري وللداخل على الخارج، وهو المبدأ الذي لم يرق للعسكريين في الثورة، حيث تم استدراجه إلى المغرب وتصفيته. كما رفعت صور الزعيم السياسي الراحل حسين آيت أحمد (مؤسس أول حزب ديمقراطي معارض عام 1963) في الذكرى الثانية لوفاته.
وكان لافتاً عدم تغير موقف الحراك الشعبي بشأن الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد تبون، إذ ردد المتظاهرون "رئيس مزور جابوه (أتوا به) العسكر"، رافضين الحوار معه.
ورداً على سؤال عن سبب استمرار الحراك برغم وجود رئيس جديد، وإمكانية فتح حوار سياسي، قال الناشط البارز في الحراك الشعبي، محاد قاسمي، لـ"العربي الجديد" "من كان يريد رئيساً للجمهورية انتهت مهمته وأخذ ما يريد، هذا لم يكن مطلب الحراك، مطلب الحراك منذ 22 فبراير/ شباط كان تحقيق الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات والحريات والتوازن بين السلطات، نحن عازمون على ألا تضيع هذه الفرصة المتاحة أمام الجزائريين لتحقيق ذلك، وليس لنا أية ثقة في مسارات تفرضها السلطة لتحدد النظام من الداخل".
ورفعت خلال مظاهرات اليوم صور الناشطين الموقوفين، خاصة المناضل الثوري لخضر بورقعة (في الثمانين من العمر)، والناشطين كريم طابو وسمير بلعربي، والمقرر عرضهم على التحقيق الأحد المقبل. وقال أحد أقرباء طابو لـ"العربي الجديد"، "كنا نتوقع أن يتم بعد الانتخابات الإفراج عن أبنائنا وإخواننا الموقوفين، لا أعرف ماذا تريد منهم السلطة الآن، هل تريد تخويفنا وتهديدنا بإبقاء اعتقالهم". ورفعت والدة أحد النشطاء الموقوفين لافتة كتب عليها باللغة الفرنسية "أطلقوا سراح أبنائنا من سجونكم لم يفعلوا شيئا ليسجنوا".
إلى ذلك، أبقت السلطات على التدابير الأمنية نفسها المتبعة منذ أسابيع في العاصمة، ومراقبة مداخلها خاصة المدخل الشرقي الذي يربط العاصمة بالولايات الشرقية ومنطقة القبائل (ذات غالبية السكان الأمازيغ). وراقبت الشرطة بحذر مسيرات الجمعة، وانتشرت منذ الصباح، وأغلقت بعض الشوارع الجانبية، كما أبقت على إغلاقها للنفق الجامعي قرب ساحة البريد المركزي.
وفي السياق شهدت ولايتا بجاية وتيزي وزو مظاهرات صاخبة رفع فيها العلم الوطني والراية الأمازيغية، وردد المتظاهرون هتافات "الأمازيغية اليوم وغدا"، في إشارة إلى قرار سابق كان قد أعلنه قائد الجيش الراحل لمنع رفع الراية الأمازيغية في مظاهرات الحراك. كما شهدت مدن وهران ومعسكر وتلمسان تجدد مظاهرات الحراك الشعبي، رفعت خلالها صور الناشطين الموقوفين في السجون، حيث طالب المتظاهرون بالإفراج عنهم، فيما خرج عدد هام من النشطاء في مظاهرات في مدن أدرار وورقلة ووادي سوف جنوبي البلاد.
وشهدت مظاهرات الحراك الشعبي في بعض المدن توترا وأجواء مشحونة، حيث شهدت مدن عنابة وباتنة والبرج احتكاكات بين نشطاء الحراك الشعبي ومجموعات موالية للسلطة اعترضت على مظاهرات الحراك، ما دفع بقوات الأمن للتدخل في محاولة لتفريق المتظاهرين بالقوة.
كما شهدت مظاهرات الحراك في مدينة قسنطينة، شرقي الجزائر، أجواء مشحونة طالب خلالها المتظاهرون بالديمقراطية وبدولة مدنية وبعدالة مستقلة، كما رفعت صور بورقعة.