حلب الشرقية... قصة صمود أمام خيار غروزني

30 نوفمبر 2016
مدنيون هاربون من جحيم القصف (جورج أورفاليان/فرانس برس)
+ الخط -
احتدم الصراع على جنوب شرقي حلب بين قوات المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام السوري ومليشيات طائفية من جهة أخرى، على وقع سيطرة الأخيرة على الأحياء الشمالية إثر انسحاب المعارضة إلى الجزء الجنوبي من شرق حلب. وذلك في محاولة لتجميع القوى والاستعداد لحرب شوارع و"قتال حتى الموت"، في الوقت الذي أكد فيه الجناح السياسي للمعارضة أن "الثورة لم تنته"، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤولية ما يجري. وشدّدت مصادر في الفصائل المدافعة عن شرق حلب، أنه "لم يبق أمام الروس والإيرانيين إلا استخدام أسلحة الدمار الشامل"، مشيرة إلى أن "صمود مقاتلي المعارضة طيلة سنوات أشبه ما يكون بالأسطوري، والحملة العسكرية التي تُشنّ عليهم من روسيا وإيران لا تستطيع جيوش الصمود أمامها".


في المقابل، كشف مسؤول في النظام السوري، أمس الثلاثاء، لوكالة "رويترز"، أن "النظام وحلفاءه يهدفون لإنهاء عملية شرق حلب قبل تسلّم (الرئيس الأميركي المنتخب دونالد) ترامب السلطة (في 20 يناير/كانون الثاني المقبل)". مع العلم أنه منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، ودخول إدارة الرئيس باراك أوباما مرحلة "السكون"، بات من الواضح أن القيادة الروسية على وشك الانتقال إلى المرحلة الثانية من عملية "إخضاع حلب" من خلال البدء بعمل عسكري واسع النطاق.

من جهته، رأى مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، ستيفان دي ميستورا، أنه "لا يستطيع تحديد مدة صمود أحياء حلب الشرقية"، داعياً إلى "العمل على تشكيل حكومة سورية شاملة، بغضّ النظر عن المعارك الدائرة هناك". مع العلم أن النظام رفض مقترحاً قدمه دي ميستورا لمنح شرقي حلب "إدارة ذاتية"، مفضّلاً سياسة الحسم العسكري.

وفي سياق احتمال إبرام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اتفاقاً مع روسيا بشأن سورية، أبدى دي ميستورا ترحيبه بذلك قائلاً "إذا كثفت واشنطن قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". وأضاف أنه "بناء على هذه التصريحات لدينا فكرة أنه ينوي إعطاء أولوية كاملة وقصوى لمحاربة داعش".

وحذّر دي ميستورا موسكو من "نصر باهظ الثمن"، مردفاً أن "التصور الموجود لدينا الآن هو أنه رغم أن الجميع يتحدثون عن حل سياسي. هناك بشكل واضح تسريع لتحقيق نتيجة عسكرية، ولا يمكنني أن أحدد لكم إلى متى سيظلّ شرق حلب باقياً".

بدوره، طالب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت أمس، مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع فوري لبحث تطورات الوضع في حلب وسبل تقديم المساعدات للسكان المحاصرين. وأضاف أنه "ثمة حاجة ملحة أكثر من أي وقت لتطبيق وقف للأعمال الحربية والسماح بوصول المساعدة الإنسانية من دون قيود".



وذكر المتحدث باسم الأمم المتحدة ينس لاركي في تصريح صحافي، أمس، أن "حوالي عشرة آلاف نازح من الأحياء الشرقية في حلب، توجهوا إلى غرب حلب، وقام الهلال الأحمر السوري بتسجيل أسمائهم، فيما فر ما بين أربعة آلاف وستة آلاف نحو المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية في شمال شرق حلب".

كما أعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، عن "غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المقلق والمخيف في مدينة حلب". ولفت إلى أن "كثافة الهجمات على أحياء شرق حلب في الأيام الأخيرة أجبرت حوالى 16 ألف شخص على الفرار إلى مناطق أخرى من المدينة". كما قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي بتينا لوشر، أمس، في جنيف السويسرية، إن "المدنيين في شرق حلب يواجهون ظروفاً رهيبة"، واصفة الوضع بأنه كـ"انحدار بطيء نحو الجحيم". مع العلم أن آخر قافلة مساعدات إنسانية دخلت أحياء حلب الشرقية، كانت في يوليو/تموز الماضي.

من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال أنه "لم يكن أمام قوات المعارضة إلا الانسحاب من الجزء الشمالي من أحياء شرقي حلب إلى الجزء الجنوبي، كي لا تتشتت قواها وتصبح في وضع أضعف". وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا توجد قوات تابعة للنظام تقاتل في شرق حلب، بل حزب الله ومليشيات، أبرزها ميليشيا النجباء العراقية، ومن الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى مليشيا لواء القدس، الذي يضمّ فلسطينيين وسوريين". وأوضح أن "مشاركة النظام في المعركة اقتصرت على المروحيات التي ترتكب مجازر بحق المدنيين، آخرها مجزرة باب النيرب".

وكشف رحال أن "التخطيط لمعركة حلب تم في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، وقامت المليشيات بالتنفيذ على الأرض، وتمّ اعتماد خيار غروزني المتوحش الذي لا يمكن للمعارضة الصمود أمامه". وأشار إلى أن "صمود المعارضة السورية لسنوات أمام أعتى القوى من دون دعم حقيقي، يُعدّ بطولة في حد ذاته".

ووصف شاهد ما جرى خلال أسبوعين بأنه يفوق سياسة "الأرض المحروقة" التي يتبعها المحتلون وحشية، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جيوشاً لا تستطيع الصمود أمام هول القصف الجوي والمدفعي والكثافة النارية التي تنصب بأغلبها على المدنيين". وأشار إلى أن "الطيران الحربي، والمروحي نفذ نحو أربعة آلاف غارة خلال أسبوعين على مساحة جغرافية ضيقة مكتظة بالمدنيين".

من جانبه، أشار المتحدث باسم "تجمع فاستقم كما أمرت" العسكري في شرق حلب، عمار سقار، إلى أن "الروس والإيرانيين، والنظام استخدموا كل الأسلحة الفتاكة على شرق حلب، منها غاز الكلور، والقنابل العنقودية، والفوسفورية، وصواريخ أرض أرض، والبراميل"، مضيفاً: "بقي أن يستخدموا أسلحة الدمار الشامل، فالقصف هستيري، إنها حرب إبادة".

بدوره، اعتبر رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "ما جرى في حلب نتيجة تآمر دولي واضح، اشتركت به الأمم المتحدة للوصول إلى قبول ببقاء بشار الأسد في السلطة". وأكد أن "هذا لن يتم"، مطالباً من يمثل السوريين من سياسيين وعسكريين "بتحمل المسؤولية التاريخية"، وفق قوله.

ولم يبق أمام قوات المعارضة إلا خوض معارك استنزاف للمليشيات، وحرب شوارع في حال حاولت الأخيرة المضي في أحياء مكتظة بالسكان، فالأبنية السكنية تتيح لقوات المعارضة ضرب المليشيات المهاجمة، وتكبيدها خسائر فادحة. كما أنه لم يعد لقوات المعارضة منفذ انسحاب آخر، وهو ما يدفعها إلى خوض "حرب وجود".

مع العلم أن المعارضة حاولت تدارك الموقف مرتين لكسر الحصار عن أحياء حلب الشرقية، وإفشال مخطط النظام وحلفائه. الأولى كانت في بداية شهر أغسطس/آب الماضي، حين هاجمت بزخم كبير من خاصرة حلب الجنوبية، واستطاعت تحقيق انتصارات أربكت قوات النظام، والمليشيات الطائفية. وتمكنت من السيطرة على الكليات العسكرية التابعة للنظام، ولكنها لم تستطع فتح طريق إلى شرق حلب، لتتراجع بعد شهر من بدء المعارك، فاستعادت المليشيات كل المواقع التي انتزعتها المعارضة.

المحاولة الثانية كانت في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين حاولت المعارضة ضرب النظام من خاصرة حلب الغربية لفتح طريق إلى شرق حلب. ولكن مساعيها باءت بالفشل، بعد أن توغلت في حيي حلب الجديدة، والحمدانية أياماً عدة، واقتربت من عزل الأكاديمية العسكرية، كبرى مواقع النظام العسكرية في حلب.

وكانت الحملة العسكرية على حلب قد بدأت منذ أكثر من أسبوعين بقصف جوي أدى إلى مقتل أكثر من 500 مدني، واصابة نحو 1500 آخرين، وتدمير ما تبقّى من مستشفيات، ومراكز صحية، ما مهّد الطريق أمام مليشيات انطلقت من اللواء 80، شرق حلب لشطر أحياء المعارضة إلى قسمين، وهو ما تحقق لها إثر معارك ضارية.

المساهمون