كشفت تقديرات خبراء إسرائيليين، أن الأولويات بالنسبة للمملكة العربية السعودية، في اللحظة الراهنة، تفرض عليها الضغط على القيادة الفلسطينية لوقف حملتها ضد الولايات المتحدة، في أعقاب إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأن الرياض طالبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن "يضع القدس خلف ظهره".
وبحسب بن دور، فإن آخر ما يعني السعوديين في الوقت الحالي هو الانشغال بالمتاعب التي يمكن أن يتسبب بها عباس من خلال مواقفه التي تعترض على قرار ترامب.
وأوضح أن مواجهة إيران واحتواء مفاعيل سلوكها في المنطقة، على رأس الأولويات السعودية في الوقت الحالي، أكثر من قضية "القدس والتضامن الإسلامي". وأضاف: "نظراً لأن السعوديين قد اتخذوا قراراً كبيراً بمواجهة النفوذ الإيراني، فإنهم باتوا معنيين بتوثيق تحالفهم مع الولايات المتحدة، وكل هدف آخر يعد بالنسبة لهم ثانوياً"، مشدداً على أن هذا الهدف هو الذي يحدد اتجاهات السياسة الخارجية للسعودية.
وحسب بن دور، فإن الأجندة التي تتبناها السعودية جعلت الرياض ترى في إسرائيل "شريكاً استراتيجياً خفياً في المواجهة ضد إيران"، مشيراً إلى أن الحاجة لمساعدة تل أبيب تدفع السعوديين إلى محاولة فرض تهدئة على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية.
وأشار إلى أن عدم تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية يعد مطلباً مهماً بالنسبة للسعودية، أيضاً، من أجل "تجنيد الدعم العربي في المواجهة ضد إيران". وتوقع بن دور أنه في حال قامت الإدارة الأميركية بالكشف رسمياً عن مبادرتها للتسوية، فإن السعوديين سيسعون إلى دفع قيادة السلطة الفلسطينية إلى مواءمة مواقفها مع المبادرة، وأن تكون هذه القيادة أكثر استعداداً للتوصل إلى تسويات بشأن صيغ حل الصراع مع إسرائيل.
في غضون ذلك، رجحت الباحثة في "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية" التابع لجامعة "بار إيلان"، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية والمتخصصة في الشأن السعودي، المستشرقة جوشا تيتلباوم، أن يكون السعوديون قد طالبوا عباس، خلال اللقاء أمس، بأن يضع قضية القدس "خلف ظهره، وأن يتعاطى فقط مع ما يعرضه الأميركيون، لأنه لم يعد هناك ثمة لعبة أخرى في المدينة، على اعتبار أن الأميركيين وحدهم القادرون على التأثير على الإسرائيليين".
ونقلت "جيروسلم بوست" عن تيتلباوم، أن سلوك السعودية إزاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يتأثر بالعوامل التي ضاعفت من اعتماد الرياض على الولايات المتحدة، وعلى رأسها "الحرب في اليمن التي تعجز السعودية عن حسمها، وكذلك رغبة محمد بن سلمان في الهيمنة على النفوذ في البلاد، إلى جانب رغبته في تمرير الإصلاحات الداخلية، إضافة إلى تهاوي أسعار النفط، فضلاً عن متطلبات مواجهة التوسع الإيراني".
وأشارت إلى أن التحديات التي يواجهها بن سلمان مكّنت إدارة ترامب من ابتزازه، ورجحت أن يكون الأميركيون قالوا للسعوديين: "تحتاجون مساعدتنا في اليمن، تحتاجون للسلاح ولمساعدتنا في الحصول على مخرج من الأزمة اليمنية، إذن يتوجب عليكم مساعدتنا في القضية الفلسطينية".
وفي السياق نفسه، قال مراسل الشؤون العربية في "جيروسلم بوست"، بن لينفايد، إنه على الرغم من أن وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" قد نقلت عن سلمان تأكيده خلال اللقاء مع عباس دعمه للقضية الفلسطينية، إلا أن البيان السعودي الذي صدر في أعقاب اللقاء، قد خلا من أية إشارة إلى قرار ترامب الاعتراف بالقدس.
وأشار لينفايد إلى أن السعودية تركت انطباعاً بأنها معنية بأجندة تقوم على مواصلة العمل مع الولايات المتحدة من أجل دفع مشروع السلام الأميركي الذي وصل إلى مراحل متقدمة.
وأعاد لينفايد إلى الأذهان حقيقة أن ولي العهد السعودي علق بكلمة واحدة فقط على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل خلال مقابلته الأخيرة مع وفد يمثل "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" في قصره بالرياض، مشيراً إلى أن بن سلمان أبدى تفاؤلاً إزاء الجهود التي تبذلها إدارة ترامب للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ونوه إلى أن الموقف السعودي يتناقض تماماً مع موقف عباس الذي يصر على أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على لعب دور الوسيط في الجهود الهادفة للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع في أعقاب قرار ترامب بشأن القدس.
كما ذكّر بما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر فلسطينية وعربية وأوروبية، أن محمد بن سلمان عرض على عباس في لقائهما في الرياض، في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الجاري، خطة لحل الصراع، تقوم على تدشين دولة فلسطينية غير متصلة، ذات سيادة منقوصة وبدون القدس عاصمة لها.