سيناريوهات عراقية مطروحة قبل جلسة البرلمان: تفكك تحالفات واستنفار إيراني أميركي

01 سبتمبر 2018
مخاوف من أن تأخذ الأزمة بُعداً أمنياً (الأناضول)
+ الخط -


نحو 48 ساعة على موعد جلسة البرلمان العراقي الجديد الأولى صباح الإثنين المقبل، والتي من المفترض دستورياً أن تنطلق وفيها "كتلة كبرى" تُثبت في محضر الجلسة الأولى، حتى يتم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة. غير أن الخلافات تزداد حدة بين الفرقاء العراقيين، وحتى الآن لم تتضح معالم أي تحالفات سياسية وشيكة، سواء على مستوى تشكيل الكتلة الأكثر عدداً المكلفة تشكيل الحكومة، أو حتى على مستوى الاتفاق حول رئيسي البرلمان والجمهورية، من قبل الكتل السنية والكردية، مما يهدد بأخذ بُعد أمني، بعد إقدام رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس، على تجريد رئيس مليشيات "الحشد الشعبي" ومستشار الأمن القومي وأحد أبرز المقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس النظام السوري بشار الأسد، فالح الفياض، من منصبه، عقب قرار الأخير الانسحاب من تحالف "النصر" والالتحاق بمعسكر نوري المالكي وهادي العامري، وسط معلومات مؤكدة عن إعادة طرح اسم الفياض كمرشح لرئاسة الحكومة من قبل الفريق المقرب من إيران، أو ما بات يطلق عليه اسم معسكر المالكي ـ العامري.

وهدد القيادي في "الحشد"، رئيس قائمة "الفتح"، هادي العامري، بأنه سيتم إسقاط أي حكومة عراقية يتم تشكيلها بوصاية أميركية، خلال شهرين. وأشار بيان أصدره مكتب العامري، إلى أن ذلك جاء عقب اجتماع عقده مع المبعوث الأميركي، بريت ماكغورك، غير أن الأخير سارع إلى نفي عقد أي لقاء مع العامري، مكذباً ما جاء على لسان الأخير من تهديد أو أن يكون التقى به فعلاً. وينتاب الشارع العراقي قلق واضح، إثر تطورات الأزمة السياسية والمخاوف من أن تمتد إلى الملف الأمني، خصوصاً مع دعوات التظاهر والتحشيد التي أطلقها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والمعسكر المقابل له، من خلال بيانات مكتوبة، بالتزامن مع تسجيل ارتفاع بالهجمات الإرهابية خلال اليومين الماضيين شمال وغرب البلاد، حيث سجل وقوع تسع هجمات خلال يومين، بينها هجومان انتحاريان في الأنبار وكركوك. ومن المتوقع أن يصدر العبادي قرارات جديدة، أبرزها إحالة مسؤولين محسوبين على الجناح السياسي المقرب من إيران إلى القضاء بتهم تتعلق بالفساد، على وقع تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد"، تؤكد خسارة العبادي أكثر من 10 مقاعد داخل تحالفه بعد انسحابات متتالية لأعضاء فيه والتحاقهم بفريق المالكي ـ العامري، أبرزها كتلة "عطاء"، بزعامة فالح الفياض، وحزب "الفضيلة"، أحد المكونات السابقة في التحالف الوطني السابق، والذي قرر قبيل الانتخابات التحالف مع العبادي في قائمة واحدة.

ومع مواصلة الفريقين الأميركي والإيراني على حد سواء صراعهما، وبشكل لم يعد خافياً داخل بغداد منذ أسابيع لتحقيق إنجاز "الكتلة الأكثر عدداً" التي يحق لها تشكيل الحكومة، تظهر جلياً عدة سيناريوهات مرشحة الحدوث حتى الإثنين المقبل. ووفقاً لمسؤول عراقي في بغداد، مقرب من زعيم "الكتلة الوطنية" إياد علاوي، فإن معسكر العبادي ـ الصدر قد خسر ما لا يقل عن 10 مقاعد بعد تفكك جزئي في تحالف "النصر"، إذ انسحب الفياض وحزب "الفضيلة" بقرار غير معلن من أمينه العام عبد الحسين الموسوي، من قائمة "النصر"، فيما ارتفع رصيد المعسكر الآخر، الذي يمثله نوري المالكي وهادي العامري. ولفت إلى أن "النتيجة الآن باتت متقاربة بين المعسكرين، والأنظار تتجه نحو الكتل السنية والكردية، فهي من ستحدد أي الفريقين الشيعيين سيكون له امتياز تشكيل الحكومة". وأوضح أنه "في ما يتعلق بالأكراد، فإن قضية كركوك ما زالت غير محسومة، وهم يريدون أمراً ملموساً على الأرض، بمعنى التحالف مع من سيعيدهم إلى كركوك". وهنا تجب الإشارة إلى أن معسكر المالكي ــ العامري قد وافق ضمنياً على هذا الطلب في آخر مفاوضات، على عكس المحور المقابل، إذ اعتبر الصدر والعبادي أن ملف كركوك يجب أن يحل بقرار قضائي لا بصفقات سياسية، معتبراً أن الأكراد أنفسهم حتى الآن غير متفقين على اسم الرئيس المرشح للجمهورية.



وحول الكتل السنية، أكد المسؤول العراقي أنها "تتشظى بين المعسكرين الشيعيين، إذ إن هناك كتلاً من الأنبار وصلاح الدين حصلت على مكاسب من أطراف مقربة من إيران، تتعلق بالمختطفين وإعمار المدن والتعويضات لضحايا الإرهاب وامتيازات أخرى، وقد لا يفرطون فيها"، مشيراً إلى أن "الكتل نفسها لم تتفق بعد على اسم مرشحها السني لرئاسة البرلمان". ووصف "المشهد العراقي بأنه مربك جداً، والسبب التجاذب الأميركي الإيراني"، موضحاً أنه "في دورات انتخابية سابقة، مثل 2006 و2010 وحتى 2014، كان هناك توافق بين الجانبين، أما اليوم فلا التقاء على الإطلاق".

ويطرح التعقيد الأخير والمفاجئ بالعراق اليوم ثلاثة سيناريوهات، من بينها دخول معسكر العبادي ـ الصدر بأغلبية بسيطة، من دون الأكراد أو السنة، إلى البرلمان الإثنين، وبذلك يحصلون على لقب الكتلة الكبرى ويُثبت ذلك، ومن ثم يعيدون جولة مباحثاتهم مع الكتل الأخرى للحصول على تأييدهم في التشكيلة الحكومية التي سيقدمونها، وهذا الخيار هو المطروح حالياً في حال فشلت كل الضغوط والتحركات لظهور الكتلة التي يتخطى عدد أعضائها 165 نائباً. والسيناريو الثاني هو نجاح الفريق الأميركي أو الإيراني في مساعيه للإعلان عن الكتلة الكبرى خلال الساعات المقبلة، وهو ما يعمل عليه الطرفان، وبجهود غير مسبوقة، مع أوراق جديدة تستخدم من طرفهما، بينها محاولات إيرانية تتلخص بالتضحية بائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، وإخراجه من المشهد، وجذب تحالف "الفتح" إلى "سائرون" بزعامة الصدر لتشكيل الكتلة الكبرى، على اعتبار أن الصدريين يرفضون المالكي وكتلته ولا خطوط حمراء لديهم على هادي العامري وتحالفه. أما السيناريو الثالث، فيتضمن تأجيل جلسة البرلمان، عبر توافق كتل معينة على إحداث خلل بنصاب الجلسة، ما يجبر رئيس البرلمان المؤقت (الأكبر سناً) على تأجيلها إلى موعد آخر، وذلك بهدف الحصول على وقت أكثر لإتمام المشاورات مع الكتل السنية والكردية.

وحول تفكك كتلة "النصر"، قال القيادي في "ائتلاف دولة القانون" والمقرب من المالكي، سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "الفياض سحب معه 30 عضواً من ائتلاف العبادي التحقوا بتحالف الفتح ودولة القانون. وبهذا فقد استطاع الفتح مع دولة القانون والفضيلة وأحزاب وتكتلات صغيرة، الوصول إلى 117 نائباً وهذا ما لم تستطع التحالفات الباقية تحقيقه حتى الآن". وأضاف أن "الكتل السنية والكردية تتخوف من الالتحاق بتحالف سائرون، لأن الصدر قد يعتبرهم فاسدين بعد شهرين من تشكيل الحكومة الجديدة". وأشار إلى أن "الفياض سجل، قبل أكثر من شهرين، كتلته السياسية ودخل الانتخابات تحت ظل ائتلاف النصر، وحين أراد الخروج من النصر عوقب بالفصل من منصبه". وعن تواصل "الفتح" مع "المحور الوطني" والأحزاب الكردية، لفت إلى أن "أعضاء دولة القانون والفتح بانتظار الوفد الكردي القادم من كردستان. أما جهود الحوار مع المحور الوطني فإنها جدية، لكن حالياً الجميع منشغل بكتابة برنامجه الحكومي والسياسي. دولة القانون والفتح حالياً تمثلان الأغلبية، وإذا لم يلتحق الأكراد والسنة معنا سنكون أمام خيار واحد، وهو عودة التحالفات الطائفية التي تمثل المكونات داخل البرلمان الجديد". من جانبه، بيَّن القيادي في التحالف الوطني السابق، رزاق الحيدري، أن "السفارة الأميركية في بغداد تضغط لإنتاج حكومة تعمل لصالحها في السنوات الأربع المقبلة". بدوره، رأى المحلل السياسي العراقي، واثق الهاشمي، أن "هناك مشكلة حقيقية في كل الكتل السياسية، إذ لا يخلو أي حزب عراقي من صراع داخلي، وتنافس على المصالح والمناصب. وخلال الأيام المقبلة ستتعاظم هذه المشاكل، وستتضح أكثر فأكثر"، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "الخلافات على المناصب ستزداد، لا سيما مع بدء اختيار الشخصيات التي ستشغل مناصب الرئاسات الثلاث في البلد". وأضاف أن "قادة الأحزاب السياسية العراقية يشعرون بالقلق والتوتر الدائم، لأنه حتى الآن لم تستطع أي كتلة تشكيل الكتلة الكبرى، وهذه مشكلة تؤدي إلى توتر وتحكم بالصلاحيات لاسيما من الأطراف التي ما تزال في السلطة. وحادثة الفياض تكشف مدى الصراع داخل الكتل السياسية".

المساهمون