اعتراضات عراقية على الخدمة الإلزامية... وتخوّف على "الحرس الوطني"

19 فبراير 2016
ألغيت الخدمة الإلزامية في العام 2003 (علي محمد/الأناضول)
+ الخط -

يثير مشروع قانون الخدمة الإلزامية في العراق، الذي يسير في طريق إقراره من مجلس الوزراء العراقي بعد إنهاء صياغة مسودته، اعتراضاً من الشباب المستهدف منه، والذي يجد أنه سيكون "ضحية" مرة أخرى، بعد أن زال عنه هذا الهاجس خلال 13 عاماً الماضية والتي جرى خلالها إلغاء الخدمة الإلزامية.

وكشفت لجنة الأمن النيابية أخيراً، أن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وافق على مسودة قانون التجنيد الإلزامي، مشيرة في تصريح صحافي لعضو اللجنة إسكندر وتوت، إلى اتفاق غالبية أعضاء اللجنة على مسودة القانون. وألغيت الخدمة الإلزامية في العام 2003 بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق، وحُلَّ الجيش العراقي بقرار من الحاكم المدني الأميركي آنذاك بول برايمر، بعد أن كان قانون التجنيد يُعد من أقدم القوانين في تاريخ الدولة العراقية الحديثة، إذ تم تشريعه لأول مرة في منتصف عام 1935.

القانون صار اليوم حديث الشارع العراقي، وفيما يرى مختصون أهمية إقراره قبل هذا الوقت بكثير، يرفض مواطنون، خصوصاً الشباب منهم، القرار، مستذكرين المآسي التي عاشها العراق بفرض القانون في سنين سابقة. ويأتي مشروع قانون التجنيد الإلزامي، وفقاً لمراقبين، لضرب مشروع قانون الحرس الوطني، الذي وافقت عليه الحكومة العراقية في 3 فبراير/شباط 2015، لأجل بناء حرس وطني بتشكيلات مختلفة تضم نواته 120 ألف مقاتل من مختلف المحافظات، وفق نسب تعدادها السكاني، بميزانية قُدرت بملياري دولار. وساندت القوى السياسية والعشائرية السنّية والكردية والمسيحية تشكيل حرس وطني يضم جميع مكونات الشعب العراقي، وليس "الحشد الشعبي" المتهم بضم مليشيات مارست عمليات قتل ونهب، وذلك مخافة استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في العراق.

ولكن بعض الأطراف، منها الفصائل المنضوية تحت لافتة "الحشد الشعبي"، هددت باللجوء إلى القوة في حالة اعتماد مشروع قانون الحرس الوطني. كما أن أطرافاً عراقية شعرت بالريبة من هذا القانون بسبب حرص الولايات المتحدة وبريطانيا على تمريره، بل إن بعض الأطراف العراقية وصفت مشروع قانون الحرس الوطني بأنه مشروع أميركي لتقسيم العراق. ودفع ما سبق مجلس النواب إلى سحب مشروع القانون في 8 سبتمبر/أيلول 2015، وإعادته إلى الحكومة لتعديله.

اقرأ أيضاً: العراق: الالتفاف على "الحرس الوطني" بإحياء التجنيد الإلزامي

أما عن قانون الخدمة الإلزامية، فيقول النائب العراقي محمد الجاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تقديمه بهذه السرعة هو محاولة لضرب مشروع الحرس الوطني، خصوصاً أن الأطراف التي عارضت المشروع الأخير هي من قدّمت مشروع إعادة الخدمة الإلزامية، وهي ذاتها من كانت تتحفظ على أن تكون الخدمة بالجيش إلزامية في وقت سابق.

ويضيف أنه "من ناحية عملية فمشروع الخدمة الإلزامية لا يتوافق مع الوضع على الأرض، فجلب طلاب الجامعة أو الشبان وزجهم في أتون الحرب بشكل مباشر يعني تقديمهم للموت، خصوصاً أن مدة تدريبهم لن تكون أكثر من ثلاثة أشهر وفقاً للقانون الجديد، كما أن قيادات الجيش الحالي هي نفسها ستبقى من دون تغيير، لذا لن يكون لهذا المشروع أي فائدة كما كنا نرجو من قانون الحرس الوطني".

من جهته، يرى العقيد المتقاعد محمد العبيدي أن "قانون الخدمة الإلزامية جاء متأخراً كثيراً"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "لن يؤتي أكله قريباً إذا لم يتم تطبيقه بالصورة الصحيحة، بل يحتاج إلى وقت طويل". ويضيف العبيدي: "طالبنا، كوننا أصحاب خبرة، مراراً الحكومة العراقية، بعد العام 2003 بإقرار القانون، لأن الخدمة الإلزامية ضد الطائفية، وتوفر كثيراً من المال الذي يهدر على الجيش الذي بني على المتطوعين، الذين يتقاضون أجوراً تعتبر مرتفعة جداً بالقياس مع الأجور الرمزية التي يتقاضاها الجندي المكلف بالخدمة الإلزامية".

ويعتبر أن "الخدمة الإلزامية تحقق مبدأ الموازنة في توزيع المهام الوطنية على جميع المكونات وأطياف الشعب، بالإضافة إلى أنها تخلق انصهار المكونات تلك وترفع الطائفية المقيتة التي صرنا نشهدها من قبل الجيش الذي بات يمثّل في غالبيته مكوناً واحداً من الشعب العراقي".

لكن للمواطنين رأياً آخر، فبعد أن عاش الآباء آلام الحروب، خصوصاً حرب الثماني سنوات مع إيران (1980-1988) يفضّل الكثير منهم ابتعاد أبنائهم عنها، وهو ما دعاهم إلى منع أبنائهم من الانخراط بالجيش بصفة متطوعين. هذا الرأي يتبنّاه كثيرون، ومنهم خليل عبدالمجيد، الذي قضى سبعة أعوام من عمره في الخدمة الإلزامية بسبب ظروف الحرب، لتؤدي الإعاقة بعد بتر قدمه بانفجار صاروخ، إلى منحه تسريحاً من الجيش. ويقول عبدالمجيد لـ"العربي الجديد": "ما رأيته وعانيته لا أحب أن يمر به أولادي الثلاثة، الذين أصبحوا شباباً، أطمح إلى أن أراهم في مراكز مهنية مدنية بعد إنهاء دراستهم الجامعية".

أما غيث سالم فيجد أن عائلته سوف تتشرد، فهو على الرغم من عمره الذي لم يتجاوز العشرين عاماً بعد، يعيل أسرته بعد مقتل والده بتفجير في بغداد، وقع في 2007. ويأمل غيث، الذي يمتهن ميكانيك السيارات، أن يستمر إخوته بالدراسة لينالوا شهادات جامعية، مضحياً بتعليمه لأجل ذلك، أما الخدمة الإلزامية فيراها "سكيناً ستذبح عائلتي وتنهي أحلامي، إذا ما فُرضت عليّ"، وفق حديثه لـ"العربي الجديد".

من جهته، يُحمّل منهل عصام، الذي تخرّج العام الماضي من كلية العلوم، الحكومة مسؤولية ما جرى للعراق، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المسؤولين في الحكومة سرقوا العراق وفتحوا المجال لداعش والمليشيات أن يسيطروا على البلد، والأولى أن يزجوا بأولادهم في المعارك، لا أن يرمونا بنار أوقدوها هم".

يُشار إلى أن تنظيم "داعش" فرض سيطرته على مساحات واسعة من العراق في صيف 2014، بعد انسحابات للقوات العراقية في الموصل ومناطق أخرى، فيما يُتهم مسؤولون كبار في الحكومة بالتواطؤ واعطاء أوامر الانسحاب. ويشهد العراق، بالإضافة إلى أعمال مسلحة توقع قتلى وجرحى باستمرار، يتبناها تنظيم "داعش"، خروقات أمنية متهمة بها المليشيات المدعومة من أحزاب في السلطة، وفق شهادات مواطنين متضررين في أحاديث سابقة لـ"العربي الجديد".

اقرأ أيضاً: واشنطن والعبادي... اتفاق على تحجيم مليشيات "الحشد" تمهيداً لحلّها

المساهمون