إسرائيل تترجم رفض العرض الروسي بإسقاط "السوخوي" السورية

25 يوليو 2018
استهدف طيران النظام حوض اليرموك بـ80 غارة(جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -
انقسمت أحداث الجنوب السوري إلى قسمين: الجولان المحتل، مع إسقاط إسرائيل طائرة "سوخوي" روسية تابعة للنظام السوري، بعد ساعات من رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اقتراحاً روسياً حمله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بإبعاد الإيرانيين مسافة 100 كيلومتر عن حدود الجولان، بموازاة اشتعال جبهة حوض اليرموك، حيث تواصل قوات النظام هجومها على فصيل "جيش خالد بن الوليد"، المبايع لتنظيم "داعش".

وأعلن متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي أسقط مقاتلة سورية من طراز "سوخوي"، مشيراً إلى أنها اخترقت الأجواء فوق الجولان السوري لتعلن وكالة "سبوتنيك" الروسية شبه الحكومية مقتل طيارها. وبرّر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إسقاط الطائرة بالقول إنها "انتهكت على نحو جسيم" اتفاق فض الاشتباك 1974. وذكرت إذاعة الاحتلال أن قوات الاحتلال أطلقت صاروخين من طراز "باتريوت" باتجاه المقاتلة السورية بعد توغلها لمسافة كيلومترين في أجواء الجولان. وأشارت الإذاعة إلى أن الطائرة أُصيبت فوق الجولان، لكن ربما سقطت في الجانب الخاضع للسيطرة السورية من الهضبة المحتلة. وهي المرة الأولى التي تسقط فيها إسرائيل مقاتلة سورية منذ عام 2014. واتهم النظام السوري إسرائيل بدعم "الإرهابيين" من خلال إسقاط الطائرة. ونقلت وكالة "سانا" التابعة إلى النظام عن مصدر عسكري قوله إن "العدو الاسرائيلي يؤكد تبنيه للإرهابيين ويستهدف إحدى طائراتنا التي تدك تجمعاتهم بصيدا (جنوب) على أطراف وادي اليرموك في الأجواء السورية".

وجاء إسقاط الطائرة، بعد ساعات من إعلان مسؤول إسرائيلي أن روسيا عرضت بقاء قوات إيرانية في سورية مسافة 100 كيلومتر بعيدة  عن الجولان، لكن تل أبيب تصر على أن أي تمركز عسكري إيراني في سورية يمكن أن يشكل تهديداً. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، لوكالة "فرانس برس" بعد اجتماع بين نتنياهو ولافروف في القدس المحتلة، "لن نقبل التموضع العسكري الإيراني في سورية ليس فقط أبعد من 100 كيلومتر، وهو ما يتحدث عنه الروس ويوافقون عليه". وأضاف "قلنا إن هناك أيضاً أسلحة بعيدة المدى يجب إخراجها من سورية، وإخراج بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات منها. كما يجب على القوات الإيرانية وحزب الله مغادرة سورية بالكامل". وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، إن نتنياهو طالب بإغلاق الحدود السورية-العراقية، والحدود السورية-اللبنانية لمنع تهريب السلاح الإيراني لـ"حزب الله". وبإسقاط دولة الاحتلال الطائرة السورية، تكون تل أبيب كأنها تجدد عرضها المقدم للنظام السوري، من خلال الروس، ومفاده أنها مستعدة لإعادة الشرعية إلى نظام الأسد شرط تخليه عن إيران وعن حزب الله، حتى أنها متحمسة لإجراء مفاوضات "سلام" جديد مع دمشق التي أمنت لدولة الاحتلال هدوءاً على جبهة الجولان دام منذ 1974 حتى اندلاع الثورة السورية.

إلى ذلك، يحتدم الصراع بين قوات النظام السوري وفصيل "جيش خالد بن الوليد"، المبايع لتنظيم "داعش"، في بقعة جغرافية ضيقة في جنوب سورية، إذ وضعت هذه القوات ثقلها في معركة تحدد مصير هذا الجنوب من أجل الوصول إلى حسم عسكري يمنحها نصراً إعلامياً آخر، ليؤكد النظام من خلاله قدرته على استعادة السيطرة على الجغرافيا السورية، قبيل التوصل إلى أي حل سياسي يثبت رأس هذا النظام في السلطة، ويعزز مكاسب حلفائه الروس والإيرانيين في شرقي البحر الأبيض المتوسط. وواصلت قوات النظام السوري، أمس الثلاثاء، قصفها الجوي والمدفعي المكثف على مناطق حوض اليرموك، الخاضعة إلى "جيش خالد" في ريف درعا الغربي. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطائرات الحربية شنت أكثر من 80 غارة ما بعد منتصف ليل الإثنين ــ الثلاثاء. وقالت مصادر محلية في جنوب سورية، لـ"العربي الجديد"، إن "الغارات الجوية، من الطيران الروسي ومقاتلات النظام السوري، كثيفة جداً"، مضيفة "يستخدم في الغارات مختلف أنواع الذخائر، وتتركز في بلدات حيط وجلين وسحم الجولان وغيرها"، مشيرةً إلى أن "عشرات المدنيين قتلوا أو أصيبوا بهذه الغارات".


وكانت قوات النظام سيطرت، الإثنين الماضي، على قرى خسرتها، قبل يومين، في المعارك مع "جيش خالد"، وهي البكار الفربي، وأم اللوقس، والمشيدة، والرفيد، والمعلقة، وغدير البستان، والجبيلية، وهي قرى تتبع إدارياً لمحافظة القنيطرة، على مقربة من مناطق حوض اليرموك، الذي تحاول قوات النظام السيطرة على 16 بلدة وقرية فيه، تخضع لفصيل "جيش خالد". وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الطائرات الروسية، والتابعة للنظام، الحربية منها والمروحية، نفذت منذ 19 يوليو/تموز الحالي، تاريخ بدء الحملة العسكرية على منطقة حوض اليرموك في ريف درعا، أكثر من 2000 ضربة جوية على مواقع لفصيل "جيش خالد"، إضافة الى قصف بمئات الصواريخ والقذائف المدفعية والصاروخية وقذائف الدبابات والهاون.

وفي موازاة ذلك، تتواصل محنة آلاف المدنيين في بلدات وقرى منطقة حوض اليرموك، إذ تستمر موجات النزوح من هناك نحو قرى قريبة من الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل. وتشير مختلف الإحصائيات، غير الرسمية، إلى أن نحو 30 ألف مدني يقيمون في القرى التي تحاول قوات النظام التقدم نحوها غربي درعا. لكن "المرصد" يؤكد أنه رصد، خلال الأيام القليلة الماضية، عمليات نزوح من المنطقة لنحو 22 ألف مدني "فراراً من القصف الذي أحدث دماراً هائلاً"، مؤكداً أنه لا يزال في منطقة حوض اليرموك نحو 8000 مدني "يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل عمليات القصف الجوي والصاروخي المكثف".

وكان "جيش خالد بن الوليد" ظهر في مايو/أيار 2016، بعد اندماج عدة فصائل متشددة في تشكيل واحد، أبرزها "لواء شهداء اليرموك"، الذي تشكّل في سورية في العام 2012، من نحو 200 مقاتل، وذاعت شهرته بعدما اختطف 21 جندياً فيليبينياً من قوات حفظ السلام الأممية (اندوف) على خط الفصل في الجولان المحتل، أوائل مارس/آذار 2013. كما يضم "جيش خالد" كلاً من "حركة المثنى الإسلامية"، وهي جماعة إسلامية سلفية، تشكلت في العام 2012، و"جيش الجهاد" الذي ضم فصائل منشقة عن "جبهة النصرة" في جنوب سورية. واستطاع "جيش خالد" انتزاع السيطرة من الجيش السوري الحر على 16 قرية وبلدة في منطقة حوض اليرموك في أقصى ريف درعا الغربي، عند ملتقى حدود سورية والأردن وإسرائيل، إذ لا يبعد عن الحدود السورية الأردنية والسورية الفلسطينية المحتلة سوى بضعة كيلومترات، وأبرز هذه البلدات سحم الجولان، وبيت آرة، وكويا، ومعربة، ونافعة، والشجرة، وجملة، وجلين، وعدوان، والشبرق، وتسيل، وعين ذكر، وهي تمتد على نحو 250 كيلومتراً مربعاً. كما سيطر "جيش خالد" أخيراً على بلدة حيط المهمة، التي انسحبت فصائل الجيش السوري الحر منها عقب اتفاق التسوية الذي أبرم مع الجانب الروسي وأنهى أي وجود للمعارضة السورية المسلحة في الجنوب السوري. وليس هناك إحصاء دقيق لعدد مسلحي "جيش خالد بن الوليد"، لكن مصادر محلية رجحت، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون عديدهم نحو ألف مسلح "اكتسبوا خبرة قتالية على مدى سنوات الصراع في سورية، إذ خاضوا معارك مع قوات النظام، وفصائل المعارضة المسلحة على حد سواء"، معتبرة أن هذا ما يمكن أن يطيل عمر المعركة في حال عدم التوصل لتسوية مع الجانب الروسي، إذ من المتوقع أن تكون كلفة استعادة حوض اليرموك مكلفة لقوات النظام وحلفائه.

ولا تلوح في الأفق القريب بوادر للتوصل إلى تسوية مع "جيش خالد بن الوليد" على غرار التسوية التي تمت أخيراً مع فصائل الجيش السوري الحر، و"هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة" عمودها الفقري، وسمحت للأخيرة بنقل مقاتليها إلى الشمال السوري. لكن من المتوقع أن يضطر النظام وحلفاؤه الروس إلى إبرام اتفاق مع الفصيل في حال صموده أكثر في الاشتباكات التي تدور رحاها منذ عدة أيام. ومن المتوقع أن يُنقل عناصر الفصيل إلى أماكن سيطرة تنظيم "داعش" في البادية السورية في حال إبرام أي اتفاق، على غرار التسوية التي تمت في مخيم اليرموك جنوب دمشق، والتي سمحت لمسلحي تنظيم "داعش" بالخروج "الآمن" إلى البادية السورية في ريف السويداء الشرقي. ولطالما شكل وجود "جيش خالد" في الجنوب السوري قلقاً للأردن وإسرائيل، إذ تؤكد الوقائع أن النظام لم يكن بعيداً عن عملية "خلق" هذا الفصيل من أجل دفع عمان وتل أبيب إلى تأييد عودة قوات النظام إلى الجنوب السوري، وهو ما تحقق أخيراً، إذ سيطرت هذه القوات على أغلب مواقع فصائل المعارضة السورية، بحيث عاد الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011، بدء الثورة السورية. ويخوض فصيل "جيش خالد بن الوليد" معركته الأخيرة في جنوب سورية وهو يدرك أنه لن يتمكن من حسمها لصالحه، لذا من المتوقع أن يحاول فرض التسوية على الجانب الروسي الذي بات المتحكم الفعلي في جنوب سورية وفق تفاهمات مع إسرائيل وأميركا، سمحت لروسيا الإمساك بكل خيوط الصراع مقابل إبعاد الإيرانيين عن حدود إسرائيل والأردن. ومن الواضح أن الطيران يطبّق خيار "غروزني" الذي قام به الروس في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وطبقه التحالف الدولي، بقيادة أميركا، ضد تنظيم "داعش" في الرقة العام الماضي، والذي حوّل المدينة إلى أنقاض.

إسرائيل تستهدف مقاتلة روسية تابعة للنظام فوق الجولان ومقتل طيارها

الحادثة تلت بساعات رفض الاحتلال العرض الروسي حول إبعاد إيران

دمشق تعتبر أن تل أبيب تحمي الإرهابيين في معركة حوض اليرموك

نتنياهو يدعي أن الطائرة انتهكت اتفاقية فض الاشتباك

2-3

المساهمون