يأتي ذلك مع تأكيدات لمصادر أمنية وسياسية عراقية قالت، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة وجهت بوقف عمليات اقتحام الساحات وميادين الاعتصام، بفعل ضغوط من النجف والأمم المتحدة، وإنها ستكتفي بالسيطرة على الساحات والطرق التي فرضت سيطرتها عليها نهار السبت.
ووفقا لقيادي بارز في تحالف "الفتح" بالبرلمان العراقي، فإن النجف أوصلت "تحذيرا شديد اللهجة" لحكومة عادل عبد المهدي، واعتبرت "إراقة دماء المتظاهرين تذكر بأنظمة قمعية حكمت العراق سابقا وقاومتها النجف"، وفقا لقوله.
وأضاف المصدر ذاته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأمم المتحدة أجرت أيضا اتصالات واسعة، ومارست ضغوطا بعد تسرب مقاطع فيديو تظهر قتل ناشطين ومتظاهرين بشكل وحشي في الناصرية وبغداد، فضلا عن مشاهد تعذيب وضرب المتظاهرين أيضا".
ولفت إلى أن اقتحام ساحة التحرير أوقف بالساعات الأخيرة من مساء السبت، بفعل تلك الضغوط، حيث كان مقررا أن يتم اقتحامها وفتح نفق السعدون وجسر الجمهورية، وحصر المتظاهرين داخل حديقة الأمة ورصيف ساحة التحرير، وتحت النصب الموجود فيها فقط.
وكشف المصدر ذاته عن أن خطة تطويق التظاهرات والحد من فعاليتها اتخذت بالتوافق بين قوى سياسية مختلفة، و"هناك من ندد بها على "تويتر" وفي بيانات، لكنه كان على علم بها وموافق ضمنيا"، وفقا لقوله.
في غضون ذلك، قال مراسل "العربي الجديد" في بغداد إن ساحة التحرير والمناطق المحيطة بها "ما زالت تستقبل جموع المتظاهرين، وكذلك متبرعين بالطعام والوقود للمعتصمين"، مشيرا إلى "عمليات كر وفر بين متظاهرين آخرين وقوات الأمن العراقية قرب ساحتي الخلاني والطيران، بينما ما يزال طريق محمد القاسم الدائري المحيط بالعاصمة العراقية من الاتجاه الجنوبي تحت سيطرة شبه كاملة للقوات العراقية".
وأكد تسجيل كسور وإصابات بين المتظاهرين بسبب اضطرار قسم منهم للقفز من أعلى جسر محمد القاسم، بعد ملاحقتهم من قبل قوات الأمن العراقية مساء أمس.
وفي البصرة، أكد ناشطون استعادة المتظاهرين السيطرة على ساحة البحرية وسط المحافظة، لكن من دون خيام بعد إحراقها من قبل قوات الأمن العراقية.
وقال الناشط علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إنهم سيواصلون التواجد بالساحة "حتى بدون خيام"، إلا أنه ألمح إلى وجود مبادرة من بعض شيوخ العشائر لمساعدتهم في نصب خيام كبيرة، وقال إن "أسعارها غالية علينا، وبعض زعماء العشائر تكفلوا بها".
وعلى صعيد متصل، ما تزال ذي قار وعاصمتها الناصرية تشهد مواجهات مع الأمن العراقية والمتظاهرين، مع تسجيل 5 إصابات جديدة صباح الأحد في صفوف المتظاهرين بفعل إطلاق النار وقنابل الغاز.
ويرفع متظاهرو المدن العراقية المنتفضة شعار "الوعي قائد"، و"لا ولاء إلا للوطن"، في تلميح إلى شعار رفعه أنصار مقتدى الصدر حمل عبارة "الصدر قائد الإصلاح".
وقال الناشط أحمد سعدي الناصرية من ذي قار، لـ"العربي الجديد"، إنه تم اعتماد شعار "الوعي قائد" لتظاهرات هذا اليوم في عموم العراق، كاشفا عن أن "المتظاهرين اليوم أمام تحدي إثبات وجودهم وقوة تحملهم للقمع، لذلك كثفنا من دعوات المشاركة في تظاهرات اليوم".
وقال الناشط المدني معن العامري، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الأمن حاولت طوال الليل فض التظاهرات بالقوة، والمناوشات ومحاولات الاشتباك، لكن الأعداد الكبيرة التي توافدت إلى الساحات أجهضت محاولات الأمن، على الرغم من سقوط جرحى وحالات اختناق"، مؤكدا أن "التظاهرات تجددت وبقوة في الصباح، وتم ترديد شعارات "لا ولاء إلا للوطن"، و"بالروح بالدم نفديك يا عراق"، و"يكفينا أن السيستاني معنا" ردا على انسحاب الصدر ورفع يده عن دعم التظاهرات".
وأضاف العامري: "سنثبت للعالم أن تظاهراتنا السلمية انتصرت على بطش العنف الحكومي"، ودعا الأهالي إلى "استمرار التوافد نحو ساحات التظاهر لإسناد ودعم المتظاهرين الذين ثبتوا في الساحات".
وفي البصرة (أقصى جنوب العراق)، التي شهدت في ساعة متأخرة من ليل أمس هجوما نفذه مسلحون يستقلون سيارة مدنية، أطلقوا النار على الساحة أوقع ثلاث إصابات في صفوف المتظاهرين، قطع محتجو المحافظة صباحا الطرق المؤدية إلى ساحة البحرية وسط البصرة، من جهة منطقتي جبيلة وشارع الأندلس، لينطلقوا بتظاهرات حاشدة عبّروا خلالها عن "الإصرار على استمرار التظاهرات الشعبية حتى تحقيق المطالب".
كما تجددت التظاهرات في ساحة الصدرين بمحافظة النجف، بعد محاولات اقتحام تعرضت لها الساحة من قبل عناصر الأمن الذين فشلوا بفضّ التجمع ليل أمس.
وحمل المحتجون صور شهداء التظاهرات الذين سقطوا خلال اليومين الأخيرين، ورددوا شعارات تتوعد بالثأر لهم عبر استمرار التظاهرات السلمية.
كما شهدت محافظات بابل وكربلاء وميسان والمثنى وواسط تظاهرات مماثلة، إذ أعيد نصب خيام في ساحاتها التي تضاعفت فيها أعداد المتظاهرين.
في المقابل، توقع قيادي في "التيار الصدري" الذي يتزعمه مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، احتمالية عودة أنصار الصدر إلى ساحات التظاهر، مبينا أنه "لا يوجد بيان أو أمر بانسحابهم، ولم يذكر الصدر ذلك، لكن الانسحاب جاء بمبادرة منهم بعد عتب زعيمهم (مقتدى الصدر) على المتظاهرين لعدم مشاركتهم في التظاهرات التي دعا لها ضد القوات الأميركية"، مبينا أن "هناك مناشدات وصلت للصدر حول ذلك كون تواجدهم يعطي حصانة وزخما للتظاهرات"، على حد قوله.