قد يُدفن فيروس "كوفيد 19"، ويحمل سرّه معه. قد تكون هذه الخلاصة من الأكثر إحباطاً عندما يحين موعد طيّ صفحة وباء كورونا، وإدارة مرحلة ما بعده. فمنذ الإعلان عن تشخيص أولى الحالات المصابة بالفيروس في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي، شمال الصين، لم تتوقف النظريات والفرضيات حول حقيقة منشأ الفيروس، الذي تخطى عدد ضحاياه المليوني نسمة، من أقصى اليمين السياسي إلى أقصى يساره، ومن أعلى الهرم إلى عامة الشعب. وعلى الرغم من أن لا دولة "حيادية" في العالم، أو معصومة عن إثارة الشبهات إذا ما خرج الوباء منها، إلا أن خروجه من الصين وطريقة تعاطي الصين مع الموضوع، أنعشا الفرضيات، ليس فقط، في الدول التي تعيش صراعاً معها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بل حتى لدى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم نفسه، وفي كل منبر علمي وسياسي وإعلامي. بعض النظريات من الممكن تجاهلها، كمثل مقولة مجلة "ذا أتلاتنك" أن الزعيم الصيني شي جي بينغ، خُدع بالفيروس في عقر داره، إلا أن ما يبدو أكيداً حتى اللحظة أن كورونا سيفتح باباً جديداً من الصراع العالمي، عنوانه الأساسي تسعير الحرب بين الولايات المتحدة والصين، قد تكون منظمة الصحة العالمية أول ضحاياه.
وأكدت تقارير استخبارية أميركية أن أرقام الصين حول عدد الضحايا غير صحيحة، وهو ما يردده تباعاً المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، ووزيرا الخارجية والدفاع، مايك بومبيو ومارك إسبر. وقال ترامب أول من أمس الجمعة، إن "أموراً غريبة كثيرة تحدث" في ما يتعلق بأصل الفيروس، مضيفاً أن حكومته تحاول تحديد ما إذا كان الفيروس خرج من مختبر في الصين، مشككاً أيضاً في عدد الوفيات في هذا البلد. مع العلم أن الرئيس الأميركي يواجه أيضاً اتهامات بالفشل في إدارة الأزمة داخلياً، كان آخرها من المرشح الديمقراطي المفترض في انتخابات الرئاسة جو بايدن، الذي قال الجمعة إن الأميركيين يدفعون ثمن تقاعس ترامب عن محاسبة الصين على جائحة كورونا، مضيفاً "دونالد ترامب ترك أميركا مكشوفة ومعرضة لهذه الجائحة. لقد تجاهل تحذيرات خبراء الصحة ووكالات الاستخبارات، وبدلاً من ذلك وضع ثقته في زعماء الصين".
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز"، في الخامس من مارس/ آذار الماضي، فإن الصين تعاملت مع الوباء بسرّية تامة، وقبله بـ18 شهراً، مع حمى الخنازير الأفريقية، وضغطت على السلطات المحلية لمنع توعية المواطنين ونشر الأخبار، ما قد يشي بسلوك نمطي من السرية البيروقراطية والمعالجة المنحرفة. وتقول دراسة لجامعة "ساوتامبتون"، إنه لو حصل تدخل رسمي في الصين لمحاصرة الوباء في ووهان، قبل أسبوع أو اثنين أو ثلاثة أبكر، لكان تقلص عدد الضحايا بنحو 66 و86 و95 في المائة على التوالي، مع حصر النطاق الجغرافي للتفشي. علماً أن نظرية التعتيم لم تتوقف على خارج الصين "الطبيعية"، بل حتى في الداخل، هناك من اتهم الحزب الحاكم بنشر أرقام "من الصعب لعاقلٍ تقبلها".
هكذا، لا يزال التعتيم الصيني، على الرغم من دبلوماسية "الأقنعة" التي انتهجتها بكين، الأكثر ميلاً لإشعال حرب دبلوماسية بين الدب الصيني وعواصم العالم، قد تأخذ منحى أكثر جدية في صراع الأقطاب الدائر. وانضمت باريس ولندن إلى العواصم الغربية، التي رفعت أخيراً من منسوب "العتب" على بكين واتهامها بالتستر المقصود. ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتهام إلى الصين، قائلاً إنه "من الواضح أن هناك أشياء حدثت ولا نعرفها"، فيما اعتبر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، أن على بكين الرد على "أسئلة صعبة حول ظهور الفيروس، ولماذا لم يكن بالإمكان وقفه في وقت أبكر".
على المقلب الآخر، نشر موقع "ذا ناشيون" الأميركي تقريراً بناء على مذكرة استخبارية داخلية تعود لعام 2017، مفاده بأن البنتاغون كان على علم باحتمال تفشي وباء قد يحدثه "كورونا" مستجد، متوقعاً بدقة "نقصاً في عدد الأقنعة الواقية، وأسرة المستشفيات، وأجهزة التنفس".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)
اقــرأ أيضاً