اتفاق طالبان وواشنطن بالدوحة: 10 أعوام من المفاوضات الشاقة

الدوحة
أنور الخطيب
أنور الخطيب
صحافي أردني. مراسل "العربي الجديد" في قطر.
29 فبراير 2020
C0980F7E-67C7-4096-B75D-B4A2CD64FA5D
+ الخط -
توّج الإعلان الرسمي في العاصمة القطرية الدوحة عن التوصل لاتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان"، اليوم السبت، 10 سنوات من المفاوضات بين الطرفين، التي جرت في عدد من الدول وعلى مختلف المستويات، قبل أن تلقي الدبلوماسية القطرية بثقلها وتنجح في جمع الفريقين على طاولة المفاوضات بالدوحة. استمرت المفاوضات لأكثر من عام في الغرف المغلقة، وحققت فيها قطر اختراقاً حقيقياً، مارست خلاله سياسة الخطوة خطوة، وفككت مرة بعد أخرى الألغام التي كانت تعترض مسيرة هذه المفاوضات وهددت بفشلها أكثر من مرة. في غضون ذلك، بوشر تطبيق اتفاق "خفض التصعيد" في أفغانستان من أجل إيقاف العنف لمدة 7 أيام، وهو اتفاق تمّ التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة، كدليل على "حسن النوايا" لدى الطرفين، قبل الانتقال إلى توقيع اتفاق السلام.


وقد شكّل الاختراق الذي حققته قطر بمشاركة ألمانيا، في شهر يوليو/ تموز الماضي، رأس جبل الجليد، في مسيرة المفاوضات الطويلة، التي جمعت ممثلين عن "طالبان" ومختلف الأطراف الأفغانية على طاولة حوار، كإحدى ثمار المفاوضات بين الحركة وواشنطن. كما شكّل الإفراج عن الملا عبد الغني برادر، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قبل تعيينه مطلع عام 2019 رئيساً جديداً لمكتب "طالبان" السياسي في الدوحة، اختراقاً حقيقياً في مسيرة المفاوضات، التي توقفت بسبب اعتقال برادر عام 2010 على يد فريق مشترك بين الاستخبارات العسكرية الباكستانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وحصل أول لقاء بين مسؤولين أميركيين وممثلين عن "طالبان" في مدينة ميونخ الألمانية بحضور شخصيات قطرية وألمانية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010، في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ثم عُقد اللقاءان الثاني والثالث في الدوحة في فبراير/شباط ويوليو 2011، ومثَّل الحركة كل من طيب آغا المدير السابق لمكتب الملا محمد عمر، والسفير السابق لـ"طالبان" لدى باكستان الملا عبد السلام ضعيف. وطالبت الحركة في حينه، بفتح مكتب سياسي وإطلاق سراح قياداتها من معتقل غوانتنامو وشطب أسمائهم من القائمة السوداء، في مقابل إطلاق سراح الجندي الأميركي بو بيرغدال، الذي أسرته في 30 يونيو/حزيران 2009، ونجحت جهود الوساطة القطرية، في يونيو 2014، بالإفراج عن الجندي الأميركي مقابل الإفراج عن 5 معتقلين من قادة الحركة من غوانتنامو، شاركوا فيما بعد في المفاوضات التي قادت إلى الإعلان عن الاتفاق بين واشنطن و"طالبان".

وعلى الرغم من الجدل الذي رافق افتتاح الحركة لمكتبها السياسي في الدوحة، فقد مثّل ذلك دفعة للمفاوضات وفي تسهيل التواصل بينها وبين المسؤولين الأميركيين، كما أتاح لها، أن تقدّم مطالبها وأبرزها تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. ومثّل وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في منتصف يونيو 2018، بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، بمناسبة عيد الفطر، واستمرّ 3 أيام، أول هدنة ناجحة في تاريخ الحرب في أفغانستان، في ظلّ ضغط قطر وأطراف عديدة أخرى منها الصين، بهدف إعلان الهدنة.



سلسلة الاختراقات التي حققتها الوساطة القطرية على مدى سنوات عديدة ساهمت في تقريب وجهات النظر بين واشنطن و"طالبان"، بعد اقتناع الطرفين بعدم جدوى هذه الحرب، في ظلّ بروز رغبة أميركية في ذلك، مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية. وأدى ذلك إلى عقد ممثلين عن "طالبان" في يونيو 2018، لقاءً مع نائبة وزير الخارجية الأميركي، أليس ويلز، في الدوحة، لبحث الشأن الأفغاني. وهو لقاء وصفته المسؤولة الأميركية بـ"الإيجابي للغاية". كما أعلنت الحركة عن عقد اجتماع آخر في أكتوبر 2018، مع وفد أميركي برئاسة المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان، زلماي خليل زاد، في الدوحة أيضاً لبحث الوضع في أفغانستان. واتفق الطرفان على إطلاق محادثات سلام بينهما، فسارعت أبو ظبي إلى محاولة الدخول على خط الوساطة بين واشنطن و"طالبان"، في محاولة لتعزيز دورها الإقليمي في المنطقة، موجّهة دعوة للطرفين في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018 إلى الاجتماع لمناقشة جهود إنهاء النزاع بين الطرفين. استمرت المحادثات ليومين فقط، مع الاتفاق على استئنافها في أبو ظبي أو الرياض. لكن الأمور اتخذت منحى آخر بعد تهديد "طالبان" بوقف المفاوضات مع واشنطن إذا استمرت ما وصفتها بـ"الضغوط" عليها من أجل تغيير مسار وأجندة الاجتماعات. وجاء في بيان صادر عن الحركة أن "المرجع الوحيد للحوار هو المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، وأن أي دولة تريد المشاركة في إيجاد حل للقضية الأفغانية عليها التواصل مع مكتب الدوحة".

بعدها، انطلقت جولات المفاوضات بين الحركة برئاسة برادر وزاد، بمشاركة قياديين من الحركة وممثلين عن وكالة الاستخبارات الأميركية وزارة الدفاع (البنتاغون) في الأسبوع الثاني من فبراير 2019. واستمرت الجولة التي عُدّت "الخامسة" في الغرف المغلقة وبعيداً عن الإعلام لمدة 16 يوماً متتالياً في الدوحة، انتهت بإعلان الطرفين عن تقدم ملموس في المفاوضات. وحدد خليل زاد في تغريدة على حسابه في " تويتر"، خارطة طريق المفاوضات، بقوله إن عملية المصالحة تحتاج الموافقة على أربع قضايا، هي ضمانات مكافحة الإرهاب، وسحب القوات الأميركية، وبدء الحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، ووقف شامل لإطلاق النار. وأضاف أن الظروف تحسنت كثيراً وأن جميع الأطراف تريد إنهاء الحرب.

وشهدت مفاوضات يوليو الماضي تقدماً حقيقياً مع إعلان المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة "طالبان"، محمد سهيل شاهين، لـ "العربي الجديد" التوصل إلى مسودة اتفاق بين الحركة وواشنطن بشأن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، مقابل ضمانات طلبتها واشنطن بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وأوضح أنّ "حركة طالبان لا تزال تتفاوض مع واشنطن بشأن الجدول الزمني لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وأنهما لم يصلا بعد إلى اتفاق بهذا الشأن". ورأى خليل زاد في مفاوضات يوليو بأنه "للمرة الأولى يمكنني القول إننا أجرينا نقاشات معمّقة، وأحرزنا تقدّماً في النقاط الأربع، وهي الإرهاب، وانسحاب القوات الأجنبية والمفاوضات الأفغانية الداخلية ووقف إطلاق النار". كما نجحت قطر وألمانيا في الشهر نفسه في جمع الأطراف الأفغانية على طاولة حوار واحدة للمرة الأولى، نتجت عنها "ورقة تفاهمات"، هيأت الأرضية لتحقيق السلام الشامل في أفغانستان.

واعتبر المبعوث الخاص القطري لمكافحة الإرهاب وفض المنازعات، مطلق القحطاني، ورقة التفاهمات، التي أصدرها المجتمعون، بمثابة خطوة أولى للسلام، موجهاً الشكر لهم، لدعمهم للمحادثات الجارية في دولة قطر التي يعتبرونها مهمة وإيجابية في إنهاء الصراع الدائر في أفغانستان. كما رحبت وزارة الخارجية الأفغانية، بما توصل إليه الحوار الأفغاني بالدوحة من تفاهمات، واعتبرت ذلك بداية جيدة لإطلاق حوار مباشر بين الحكومة و"طالبان".

وأكدت ورقة التفاهمات التي تم التوصل إليها، ضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم الآثار المترتبة على الصراع العسكري، والعمل على عودة المهجرين ورفض تدخّل القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية الأفغانية. كما شددت على الحفاظ على استقلال أفغانستان، وإجراء الإصلاحات اللازمة في بنية الحكومة الأفغانية، ومنع استخدام لغة التهديد والانتقام. وفي الوقت الذي أصرّت فيه حركة "طالبان" على تضمين التوصيات التأكيد على الهوية الإسلامية للنظام الأفغاني، تعهّدت في الوقت نفسه بـ "ضمان حقوق المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، وفقاً للإطار الإسلامي للقيم الإسلامية".

وفي الوقت الذي كانت فيه "طالبان" والولايات المتحدة على أعتاب إعلان التوصل لاتفاق سلام في سبتمبر/ أيلول الماضي يمهد الطريق لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، مقابل امتناع الحركة عن استخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ويفتح الباب أمام إعلانها وقفاً نهائياً لإطلاق النار، وإجراء حوار بينها وبين الحكومة الأفغانية، أصيبت جهود السلام بانتكاسة مع إعلان ترامب انتهاء المسار التفاوضي، بعد مقتل جندي أميركي في أفغانستان في عملية عسكرية لـ"طالبان".

بعده، استؤنفت مفاوضات السلام في الدوحة وتركزت على وقف إطلاق النار وترتيبات التوقيع على اتفاق السلام، لتنتهي، بالإعلان عن الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار "خفض العنف" لمدة أسبوع، تبعه التوقيع على اتفاق السلام اليوم السبت، وتبادل الأسرى بين الحكومة الأفغانية و"طالبان، تمهيداً لإطلاق حوار أفغاني ــ أفغاني، بعد عقود من الحروب.



ذات صلة

الصورة
يهود إصلاحيّون يطالبون من أمام الكونغرس بوقف دعم إسرائيل عسكرياً (العربي الجديد)

سياسة

اجتمع الثلاثاء أكثر من 50 يهودياً إصلاحياً مع أعضاء الكونغرس في الكابيتول هيل، للضغط من أجل فرض حظر على تصدير الأسلحة للجيش الإسرائيلي، ووقف تمويل إسرائيل
الصورة
دبابة إسرائيلية تسير على طول الحدود مع قطاع غزة 7 أغسطس 2024 (أمير ليفي/Getty)

سياسة

قال مسؤلون أميركيون رفيعو المستوى في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع إنهم لا يتوقعون أن تصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن.
الصورة
وضع حجر الأساس لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي-الكرنتينا - بيروت - لبنان - 16 سبتمبر 2024 (محمد سلمان)

مجتمع

وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي - الكرنتينا، ومن المتوقّع الانتهاء من إعادة إعماره وتجهيزه بالكامل بتمويل دولة قطر بعد عامَين.
الصورة
خالد شيخ محمد عقب القبض عليه في مارس 2003 (Getty)

سياسة

في صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان خالد شيخ محمد يجلس في مقهى في كراتشي بدولة باكستان، عندما شاهد الطائرة الأولى تصطدم ببرج التجارة العالمي