الجزائريون يستعيدون مشاهد 22 فبراير: "السيادة للشعب" ولا بديل عن الانتقال الديمقراطي
في باب الواد؛ الحي الشعبي الأكثر تمرداً على السلطة خلال العقود الماضية، لم يكد إمام "مسجد السنة" يلقي تحية السلام والفراغ من صلاة الجمعة، حتى كان الشارع القريب منه غاصاً بالمصلين الذين خرجوا من المسجد والتحموا مع حشود أخرى من المتظاهرين للانطلاق في مسيرة باتجاه وسط العاصمة والالتحاق بالمظاهرة المركزية قرب ساحة البريد المركزي.
ودفعت كثافة المتظاهرين وضيق الشوارع المحتجين إلى الانقسام لمسيرتين، اتخذت الأولى شارع تشي غيفارا والثانية شارع عسلة حسين.
وقال عبد الرحمن دايم، وهو أستاذ أدب عربي في ثانوية بالعاصمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مظاهرات اليوم وكثافة المشاركين من هذا الحي الشعبي لها عدة دلالات سياسية لها علاقة بموقف السلطة من الحي وبأحداث سابقة عرف فيها الحي حالة تمرد على السلطة، خاصة وأنه كان يعرف بدعمه للإسلاميين".
"إعادة السيادة للشعب"
وكان لافتاً تركيز المتظاهرين على شعارات "إعادة السيادة للشعب"، و"إقامة دولة مدنية لا عسكرية"، و"أيها العسكر ادخلوا ثكناتكم"، ويعتبر الناشطون في الحراك أنّ الجيش ما يزال يمسك بقبضته على سلطة القرار على الرغم من وجود رئيس انتخب في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وفي البريد المركزي وساحة أودان، كانت حشود كبيرة من المصلين تخرج من مسجد الرحمة وسط العاصمة، لتلتحق بالآلاف من المتظاهرين الذين كانوا يحتلون شارع ديدوش مراد، إضافة إلى ثلاث مسيرات قدمت من ساحة أول مايو ومن حي المدنية بأعالي العاصمة ومن حي الحراش الواقع في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، وسبقتهم إلى الشارع جموع من المتظاهرين قدم بعضها من المدن والبلدات القريبة من العاصمة وحتى من مدن الجنوب وغربي البلاد.
وخرجت عائلات بأكملها رفقة أطفالها إلى الشارع للمشاركة في المظاهرات الاحتفائية التي استعاد فيها الجزائريون مشاهد مظاهرات مارس/ آذار الماضي، والتي وصفت بالكبرى في العالم خلال العشرين سنة الأخيرة.
ويبدو أنّ عودة الزخم الشعبي للحراك تشير إلى إصرار لدى مكوناته المدنية على الاستمرار في التظاهر السلمي، حتى تحقيق مطالب الحراك. ورفع أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها "أنتم ما تفهموش (لم تفهموا) ونحن ما نحبسوش (لن نتوقف)".
وقال الإعلامي محمد ايوانوغان إنّ "مظاهرات اليوم غير مسبوقة، ووجود مظاهرات بهذا الزخم والعدد الكبير في الشارع في العاصمة وفي كل المدن هي رسالة للسلطة بأن الحراك ما زال قائماً كفعل وكحركة شعبية وأنّ المطالب يجب أن تتحقق لا محالة مهما تهربت السلطة إلى الأمام".
ولوحظ الانتشار الأمني الكبير وسط العاصمة وعلى مداخلها الرئيسة، تخوفاً من أي اختراق أمني، خاصة بعد إحباط ما وصفته السلطات قبل أسبوعين لمحاولة تدبير تفجير انتحاري لاستهداف المظاهرات الشعبية.
ولم يتم تسجيل مناوشات بين الشرطة والمتظاهرين عدا بعض الاحتكاكات الطفيفة، ولم تخل مظاهرات اليوم من بعض الطقوس والإبداعات الشبابية، حيث فضّلت مجموعة من الشباب تصميم مجسم حلوى عليه شمعة لإطفاء الشمعة الأولى للحراك، وكتب عليه ما يفيد بأنّ الحراك يفتح أبواب التوبة لكل حر اكتشف أنه أخطأ حين شارك في المسار الانتخابي الذي فرضته السلطة.
كذلك حضرت مجموعات من ألتراس نوادي العاصمة الجزائرية، وخاصة ناديي اتحاد الجزائر ومولودية الجزائر، واللذين أضفيا على المظاهرات نكهة خاصة، لا سيما بعد نجاح ضغوطهما على السلطات لتأجيل لقاء الفريقين، والذي كان مقرراً السبت، وتم تعديل تاريخه إلى يوم الاثنين.
وشاركت في مظاهرات اليوم شخصيات سياسية من أحزاب المعارضة، إذ قاد رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس مربعاً لمناضلي وكوادر الحزب، كما شاركت قيادات حزب "العمال"، وحركة "مجتمع السلم"، و"الحركة الاجتماعية"، و"جبهة القوى الاشتراكية"، إضافة إلى قيادات من حركة "البناء الوطني" يتقدمهم رئيس الحركة والمرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة الذي تعرض لبعض المضايقات؛ بسبب مواقفه السابقة من الحراك ومشاركته في المسار الانتخابي الذي اعترض عليه الحراك الشعبي.
وعلى غرار العاصمة، انتظمت في كل المحافظات والمدن الكبرى في البلاد، مظاهرات شعبية بمناسبة السنة الأولى لاندلاع الحراك الشعبي، ففي مدن منطقة القبائل؛ تيزي وزو وبجاية والبويرة، خرج آلاف من الجزائريين في مظاهرات شعبية حاشدة لتجديد العهد السياسي مع المطالب المركزية للحراك، والدعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي، وإنشاء مجلس تأسيسي منتخب يتولى صياغة دستور جديد، ورفع المتظاهرون في هذه المدن الراية الأمازيغية في صورة تحدٍّ لقرار السلطات منع رفع الراية الأمازيغية في المظاهرات الشعبية، منذ يوليو/ تموز الماضي.
وفي مدينة تلمسان غربي الجزائر، قادت الناشطة المفرج عنها نور الهدى عقادي مظاهرات الاحتفاء بالسنة الأولى للحراك الشعبي، رفع خلالها المتظاهرون لافتات تطالب برحيل النظام و"إقرار انتقال ديمقراطي".
وشهدت مدينة وهران كبرى مدن الغرب الجزائري مظاهرات شارك فيها الآلاف من المتظاهرين الذين نزلوا إلى ساحة وسط المدينة رافعين الأعلام الوطنية ورددوا شعارات "ما ناش حابسين (لن نتوقف)"، وكذلك رفض خطة الإصلاح السياسي والدستوري التي يقترحها الرئيس عبد المجيد تبون.
"لا احتفالات مع العصابات"
وستتواصل المظاهرات الاحتفائية بالحراك الشعبي، السبت، للتغطية أيضاً على احتفالات رسمية تعتزم السلطات إقامتها بنفس مناسبة 22 فبراير/ شباط، حيث كان الرئيس عبد المجيد تبون قد أعلن، في حوار بثه التلفزيون الرسمي، مساء الخميس، عن إقرار يوم 22 فبراير يوماً وطنياً "للتلاحم بين الشعب والجيش "، وهو القرار الذي رفضه الحراك الشعبي واعتبره محاولة من السلطة لسرقة المنجز الشعبي، وإدخال الجيش كعامل في الحراك، ورفعت بشأنه لافتات "لا احتفالات مع العصابات".
وقال الناشط سفيان هداجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "22 فبراير هو إنجاز وقرار الشعب وحده، مواقف قيادة الجيش معروفة في تلك الفترة، حيث وصف قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح المظاهرات بأنها نداءات مشبوهة والمتظاهرين بالمغرر بهم، ودعا الشعب للذهاب إلى انتخابات العهدة الخامسة التي كانت مقررة في إبريل".
وأضاف هداجي "سواء كان هذا الموقف سوء تقدير من قيادة الجيش أو أمراً آخر، فإنّ الثابت أنّ الحراك كان خياراً وقراراً شعبياً، ولم تكن أي من مؤسسات الدولة شريكة فيه".