حلب ضحية سياسة التدمير بهدف التهجير

29 ابريل 2016
من غارات النظام على حلب (ابراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -

تواصل قوات النظام السوري قصفها البري والجوي العنيف في الأيام الأخيرة، على مناطق المعارضة في مدينة حلب وريفها، مستهدفة مؤسسات البنية التحتية، من مراكز الدفاع المدني والمستشفيات والأسواق الشعبية، بغية دفع السكان إلى الهجرة القسرية من الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة.

وأدت الغارات الكثيفة على مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها والتي انطلقت، يوم الجمعة، إلى تدمير أكثر من أربعة أسواق في المدينة، بالإضافة إلى مستشفى الأطفال الوحيد، ومركز كبير للدفاع المدني في مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي.

ومع هذا الاستهداف اليومي لمراكز البنية التحتية، يقف سكان المدينة وريفها على عتبة أزمة إنسانية خانقة مع توقف معظم أسواق المدينة عن العمل وتعطّل مدارس الطلاب وتوقف خدمات الكهرباء بنسبة كبيرة وانقطاع المياه المستمر عن المدينة لفترات طويلة، تمتد أحياناً لأسابيع متواصلة.

وبقي لسكان مناطق سيطرة المعارضة في حلب أقل من عشرة مستشفيات، ما زالت تعمل بعد تدمير طائرات النظام، يوم الأربعاء، لمستشفى القدس، علماً أن معظم هذه المستشفيات هي ميدانية، وتفتقر للمعدات الطبية الحديثة والكوادر المدربة. وفي مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، يعاني عشرات الآلاف من السكان من توقف أبنائهم عن التوجه للمدارس بسبب دمار مدارسهم أو عدم توفر الكوادر فيها.

وفي هذا الإطار، يقول عضو الائتلاف السوري المعارض، مسؤول اللجنة الطبية جواد أبو حطب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "هناك قصفاً ممنهجاً في حلب وإدلب وريف دمشق وعموم المحافظات للمراكز الطبية، أدى إلى تعطيل 70 في المائة منها عن الخدمة. كما قُتل الأطباء وهُجّروا، خصوصاً أنه عندما تنتهي الخدمة الطبية، بالترافق مع قصف المدارس والأسواق الشعبية، سيؤدي ذلك إلى تهجير الناس من هذه المناطق ضمن سياسة الأرض المحروقة".

ويضيف بأن "هذه السياسة أدت إلى نقص في عدد الأطباء بنسبة 90 في المائة، والتمريض 92 في المائة، والقبالة 94 في المائة، لأن كل طبيب يُقتل أو يُصاب أو يُهاجر لا يُعوّض. وهناك نقص شديد في الأطباء الاختصاصيين، كما يجري تدمير الأجهزة الطبية والمعدات التي لا تعوّض أيضاً".

ويأتي تصعيد النظام للقصف الجوي الذي يستهدف الأحياء السكنية والأسواق والبنية التحتية، ليخدم أهداف النظام في تهجير ما تبقى من سكان مدينة حلب في مناطق سيطرة المعارضة، إذ يتم إفراغ هذه المناطق من سكانها الباقين فيها، الذين يُقدّر عددهم بحسب إحصاءات مجلس مدينة حلب التابع للمعارضة، بنحو 350 ألف شخص، قبل أن تطلق قوات النظام عمليتها العسكرية المنتظرة في حلب، التي تهدف إلى إطباق الحصار عليها قبل أن تحاول السيطرة عليها بشكل كامل.

ويخدم تهجير النظام لما تبقى من سكان حلب، بعد تمكنه خلال السنوات الأربع المنصرمة من تهجير أكثر من مليونين من سكانها، محاولاته الرامية لاستعادة السيطرة على المدينة، التي كانت تُعتبر قبل خمس سنوات أكبر مدن سورية، وأهمها على المستويات الاقتصادية والتجارية والثقافية، فبعد أن تمكنت المعارضة من السيطرة على ثلثي مساحة مدينة حلب لتصبح بذلك أكبر المدن التي تسيطر عليها، أصبح النظام في موقف محرج على المستوى السياسي نتيجة خسارته السيطرة على معظم مساحة المدينة التي تعد الأهم في سورية.

دفع ذلك قوات النظام إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة منذ نهاية عام 2013، لزيادة فرصها في استعادة السيطرة على مدينة حلب، إلا أن جميع محاولات قوات النظام لاقتحام مناطق سيطرة المعارضة في المدينة خلال السنوات الثلاث الماضية باءت بالفشل. الأمر الذي دفع النظام أخيراً إلى اتخاذ قرار تدمير ما تبقى من بنية تحتية في المدينة.

في هذا السياق، واصلت طائرات النظام، لليوم السابع على التوالي، نشر الموت والدمار، ليطاول القصف، أمس الخميس، مزيداً من المناطق السكنية، وتدمير المباني فوق رؤوس ساكنيها، وذلك بعد يوم واحد من تدمير مستشفى الأطفال الوحيد الباقي في مناطق سيطرة المعارضة في حلب ومقتل معظم المتواجدين فيه، بمن فيهم ثلاثة أطباء.

ومع تواصل القصف، واصلت فرق الدفاع المدني المحلية جهودها في إخراج الجرحى والقتلى من بين الأنقاض، على الرغم من مرور يومين فقط من استهداف طيران النظام لمركزها الرئيسي في مدينة الأتارب، بريف حلب الغربي، بغارة جوية أسفرت عن دمار المركز وآلياته ومقتل خمسة من عناصر الدفاع المدني العاملين فيه.

في هذا السياق، يقول الناشط الإعلامي حسن الحلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "طائرات النظام استهدفت بغارتين جويتين المباني السكنية في حي بستان القصر، وسط حلب، ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين وإصابة أكثر من عشرين آخرين بجراح، قامت فرق الدفاع المدني بانتشالهم من بين الأنقاض".

ويضيف الحلبي أن "قصفاً مماثلاً استهدف حي الكلاسة المجاور، إذ أغارت طائرة حربية تابعة للنظام على مبنى سكني في الحي، ما أدى إلى انهيار المبنى المؤلف من خمسة طوابق، وتضرّر مبانٍ عدة مجاورة. وأسفر ذلك عن مقتل ثمانية مدنيين وإصابة آخرين بجراح، في الوقت الذي واصلت فيه فرق الدفاع المدني البحث عن ناجين وقتلى بين الأنقاض".

واستهدف قصف مشابه حي طريق الباب، بعد غارة على مبنى سكني في الحي، ما أدى إلى إصابة ثلاثة مدنيين بجراح، بحسب مصادر الدفاع المدني في المنطقة، كما سقط جرحى نتيجة قصف جوي مماثل في منطقة أرض الحمرة المجاورة لحي طريق الباب، وتسبب قصف جوي بأضرار مادية كبيرة في حي بعيدين، شمال حلب، وفي منطقة الحرابلة القريبة.

في حي الصاخور، تسببت غارة جوية يُعتقَد أن طائرة روسية قد قامت بتنفيذها بمقتل مدني واحد واصابة ستة آخرين بجراح، كما أصيب شاب في حي المعادي برصاص قناص من قوات النظام المتمركزة في قلعة حلب. وارتفع عدد الضحايا في مجزرة مستشفى "القدس"، الذي دمرته غارة جوية نفذتها طائرة حربية تابعة للنظام، مساء الأربعاء، بحلب إلى 30 قتيلاً، بينهم 6 من كوادر المستشفى، إضافة إلى عشرات الجرحى، أغلبهم من الأطفال والنساء، حسبما أعلن الدفاع المدني في المحافظة.

وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد أعلنت، أمس الخميس، عن تعرض المستشفى المدعوم من قبلها، في حي السكري في حلب، لضربة جوية مباشرة، مساء الأربعاء، أدت إلى تدميره بالكامل، وقتل ثلاثة أطباء على الأقل، بينهم آخر طبيب أطفال في حلب، و14 آخرين من الطواقم الطبية والمرضى، متوقعة ارتفاع حصيلة القتلى. ونددت المنظمة، من خلال حسابها على "تويتر"، بتدمير المستشفى، مؤكدة أن قصفه سيحرم الكثيرين من الرعاية الطبية الأساسية، داعية إلى حماية المستشفيات، ومؤكدة على أنها ليست هدفاً للاعتداء. وكانت مصادر محلية من المدينة قد أكدت مقتل طبيبين في قصف للطيران الحربي الروسي على المستشفى ومبنى مجاور له، وهما طبيب الأطفال أحمد وسيم معاذ، وطبيب الأسنان أحمد محمد أبو اليمان.

المساهمون