روسيا تراقب الاحتجاجات الأميركية: بحث عن مؤامرة وانحياز لترامب

18 يونيو 2020
توقعات باستمرار الاضطرابات حتى موعد الانتخابات الرئاسية(جيم واطسون/فرانس برس)
+ الخط -
يتابع الخبراء والسياسيون الروس عن كثب تطورات الاحتجاجات ضد العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة، متسائلين عن مدى تأثيرها على المشهد السياسي الداخلي الأميركي، وما قد يترتب عليه من تداعيات على العلاقات بين موسكو وواشنطن، لا سيما في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، على الرئيس دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر إجراؤها في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. كما لم يخلُ الموقف الروسي من البحث عن نظرية المؤامرة، والتعامل مع الاضطرابات الأميركية على أنها مستوحاة من نموذج "الثورات الملونة" لإسقاط الأنظمة غير الحليفة لواشنطن. وفي هذا الإطار، يشير الخبير في الشأن الأميركي بالمجلس الروسي للشؤون الدولية أليكسي ناوموف إلى ثبات موقف موسكو منذ انتخاب ترامب رئيساً في 2016، ومفاده بأن الحملة السياسية ضده يقودها خصومه السياسيون الرافضون لنتائج الانتخابات، مقراً، في الوقت نفسه، بأن مثل هذا الرأي قد لا يكون مستنداً بالضرورة إلى تحليل عميق ومتعدد الجوانب.

ويقول ناوموف، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تميل روسيا لرؤية أي أعمال شغب عفوية، بل اعتادت على رؤية مخطط واستراتيجية ومستفيدين. فهذه نظرتها إلى العالم، ويتم استنساخ الموقف المعتاد عليه وتطبيقه على الحالة الأميركية. والرأي السائد في موسكو هو أن صمود ترامب أمام هذه الاحتجاجات سيعني انتصاره". وبعد التزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصمت طوال فترة أعمال الشغب في الولايات المتحدة، فإنه عاد وخرج عن صمته الأحد الماضي، معتبراً، في حديث للتلفزيون الروسي، أن ما يجري هو "مظهر لأزمات داخلية عميقة" بدأت منذ فوز ترامب وسعي الطرف الخاسر للطعن في شرعيته. ويعلق ناوموف على موقف الكرملين وتصريحات بوتين، بالقول: "لا أعتقد أن هذا الرأي يستند إلى تحليل عميق ومتعدد الجوانب لهذا الوضع، بل هذه هي الصورة التي اعتاد الكرملين على رؤيتها، وهو لا يكف عن ترديدها. لا تتبنى موسكو موقف الإدارة الأميركية الحالية تلقائياً، بل هي مقتنعة به، ووصلت إلى مثل هذه الاستنتاجات، بصرف النظر عن موقف إدارة ترامب نفسها".
من جهته، يتوقع مدير "معهد الدول الحديثة" الدولي أليكسي مارتينوف استمرار الاضطرابات الأميركية حتى موعد الانتخابات الرئاسية، مستشهداً بمقولة إن "البلد الوحيد الذي لا يمكن أن تحدث فيه ثورة ملونة هو الولايات المتحدة، لأنه لا توجد فيها سفارة أميركية". ومع ذلك، يعتبر مارتينوف، في تعليق لصحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية، أن "أساليب الانقلابات الملونة، مع مراعاة الواقع والمشكلات الأميركية، يجرى استعراضها على نحو كامل في المدن الأميركية".

وفي مقال بعنوان "تعميق الانقسام: أعمال الشغب في الولايات المتحدة وتداعياتها السياسية"، يعتبر نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة، التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، دميتري سوسلوف، أن الاحتجاجات الأميركية لن تؤدي بالضرورة إلى خروج ترامب من البيت الأبيض، في يناير/ كانون الثاني 2021، ما لم يتمكن الديمقراطيون من اعتلاء موجة الاحتجاجات العامة لجر الناخبين المتأرجحين إلى صفهم. ويشير سوسلوف، في مقال نشر في موقع مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، إلى أن ناخبي ترامب، الذين يملكون نظرة كراهية لأعمال الشغب وتحطيم التماثيل وركوع البيض تضامناً مع الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد، الذي قتل على يد الشرطة، لا يزالون يؤيدون رئيسهم. ويصف ما يجري بأنه المحاولة الثالثة للديمقراطيين و"الإستبلشمنت" التقليدي للتخلص من ترامب بعد اتهامه بالتآمر مع روسيا أثناء الحملة الانتخابية، وإجراءات عزله الفاشلة، وذلك بهدف تعبئة الناخبين المتأرجحين، ومنعه من الفوز بولاية جديدة.

ويلفت الخبير الروسي إلى أن حكام المدن والولايات من الديمقراطيين لم يتخذوا إجراءات حازمة ضد المشاغبين، بل عبروا صراحة عن تضامنهم مع المحتجين، شأنهم في ذلك شأن الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس. ومن العوامل التي أدّت إلى توسع رقعة الاحتجاجات المناهضة لعنصرية الشرطة إلى عموم البلاد، ذكر سوسلوف الاستياء المتراكم نتيجة للحجر الصحي المفروض على خلفية جائحة كورونا، وتأثر السود أكثر من غيرهم بتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، كونهم أقل استفادة من منظومة الرعاية الصحية والاجتماعية مقارنة بالبيض.

ورغم أن التشديد على عنصرية ترامب وتزايد الانقسامات الداخلية في عهده يهدفان إلى تعبئة الأميركيين من أصحاب التوجهات اليسارية والمعتدلة ضده، إلا أن كاتب المقال يعتبر، في الوقت نفسه، أن بايدن لا يزال مرشحاً ضعيفاً بسبب كبر سنه ومشكلاته الصحية وفضائح النخبة القديمة، مشككاً في قدرته على تعبئة جميع معارضي ترامب. ويقر بأن "ترامب لم يكن، وحتى أنه لم يحاول أن يكون رئيساً لجميع الأميركيين"، إلا أن سلفه باراك أوباما لم يكن كذلك أيضاً، كما لن يصبح بايدن "موحداً" في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية.

وفيما يتعلق بتأثير الاضطرابات الحالية على السياسة الخارجية الأميركية، يتوقع سوسلوف استمرار "سياسة الردع المزدوج" الموجهة إلى روسيا والصين في آن معاً، خصوصاً في حال اتهام موسكو بالتدخل في الاحتجاجات الأميركية وإشعال الفتنة العنصرية. ويخلص إلى أن منع اندلاع حرب يجب أن يكون الهدف الرئيسي في السياسة الروسية حيال الولايات المتحدة في الظروف الحالية، مقابل توجيه جهود التحكم في المواجهة إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في آسيا وأوروبا.
المساهمون