انتخابات مغربية "عادية"... وسيناريوهات حامية لما بعد النتائج

08 أكتوبر 2016
تزامن الانتخابات مع صلاة الجمعة أخر الناخبين (العربي الجديد)
+ الخط -
بخطوات متثاقلة، وبمساعدة اثنين من أسرتها، انتقلت من بوابة مدرسة عبد الواحد المراكشي للبنات إلى داخل مركز الاقتراع في حي المدينة القديمة في مدينة الدار البيضاء لاختيار ممثليها في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان). على عكس كثر من المغاربة يفضلون الذهاب إلى مراكز الاقتراع عقب انتهاء صلاة الجمعة، أنهت تصويتها باكراً خلال وقت قصير وخرجت. لم تتجاوب مع استفسارات عدة حاولت استدراجها لمعرفة من اختارت. بالنسبة لها فإن مهمتها قد انتهت، وستكتفي بمراقبة نتائج الانتخابات لمعرفة أي من الأحزاب التي خاضت الانتخابات قد فازت.

مشهد الإقبال الضعيف على صناديق الاقتراع في ساعات الصباح انسحب أيضاً على مراكز الاقتراع في الرباط والعديد من المناطق المغربية، إذ لم تتجاوز النسب، بحسب إحصاءات الوزارة، الـ10 في المائة حتى الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم أمس. وإن كان هناك إجماع على أن موعد الانتخابات الذي يتزامن مع يوم الجمعة يؤخر من عملية إقبال الناخبين حتى الانتهاء من صلاة الجمعة، فإن الشكوى تتكرر أيضاً من عدم منح الموظفين إجازة. وهو ما يدفع كثر إلى الانتهاء من أعمالهم قبل التوجه إلى مراكز الاقتراع. وفي السياق، يقول مدير مركز الاقتراع في مدرسة آمنة بنت وهب الابتدائية، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الإقبال حتى الساعة الواحدة ظهراً كان يتراوح بين 15 و20 في المائة داخل المركز الذي يضم نحو ثلاثة آلاف ناخب ويحتوي على ثمانية مكاتب انتخابية. الأمر الذي يجعل من وزارة الداخلية من جهة والأحزاب من جهة ثانية تراهن على ساعات بعد الظهر لارتفاع النسب، ومعرفة ما إذا كانت ستتخطى نسب انتخابات 2011 التي بلغت 45 في المائة، أم ستسجل معدلات أقل.

من جهته، يوضح مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، ممثل المنظمة الدولية للدفاع والنهوض بحقوق الإنسان في المغرب، خالد الشرقاوي السموني، أن أغلب مكاتب التصويت حتى الساعة الواحدة من بعد الظهر لم تسجل خروقات، لكنه يشير، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أنه تمت ملاحظة وجود أشخاص في بعض المكاتب في مدينتي الرباط والعيون يقومون بالدعاية الانتخابية لبعض الأحزاب، فضلاً عن تسجيل وجود أشخاص يتولون توجيه الناخبين. كما يلفت إلى "تسجيل شجار بين الأحزاب، فضلاً عن اعتداء على مناضلة من حزب الاتحاد الاشتراكي بينما كانت في سيارتها من قبل عناصر من فيدرالية اليسار". ويؤكد أنه لا بد من الانتظار حتى انتهاء ساعات المساء حتى يكون بالإمكان تقديم تقييم واضح وشامل لليوم الانتخابي، وحتى إصدار توصيات. وهو التوقيت نفسه الذي تنتظره الأحزاب لمعرفة اتجاهات التصويت وما سيؤول إليه مصيرها.


ويجد حزب العدالة والتنمية نفسه للمرة الثانية خلال خمسة أعوام أمام حكم الشعب، لكن الاختبار يعد هذه المرة الأصعب، إذ إن الحكم على الحزب لم يعد يرتبط بما إذا كان يراد له أن يكون من القوى الفاعلة في الحياة السياسية المغربية، بل ما إذا كان يراد له الاستمرار في صدارة الأحزاب وتشكيل الحكومة الجديدة. وهو ما استعد له الحزب جيداً، إن من خلال حملته الانتخابية التي رفعت شعار "صوتنا فرصة لمواصلة الإصلاح" وامتدت إلى مختلف الدوائر الـ92 التي تخاض فيها الانتخابات، أو من خلال تصريحات مسؤوليه وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، الذي أقر بوجود إنجازات وإخفاقات في مسيرة الإصلاح التي قادها طوال السنوات الخمس الماضية، من دون أن يمنعه ذلك من التأكيد على أن الحزب سيفوز في الانتخابات ويحصد أكثر من المقاعد الـ107 التي نالها في انتخابات 2011. وتبدو ثقة حزب العدالة والتنمية بتحقيق نتائج أفضل من انتخابات 2011، والتي عكسها حديث بنكيران عن نيته الاعتزال إذا خسر الحزب الانتخابات، مستندة إلى الثقل الشعبي الذي يتمتع به، فضلاً عن اعتبار بعض المغاربة، الذين التقتهم "العربي الجديد"، أنه الحزب "الأقل ضرراً" من بين الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية، وإن كانوا يطالبونه بألا يكتفي إذا تمكن من الفوز، بإصلاحات محدودة. كما يُحسب للحزب، وتحديداً بنكيران، بأنه تمكن من الحفاظ على استمرارية الحكومة على الرغم من العقبات التي واجهتها. لكن الأهم بالنسبة لكثر أن بنكيران استطاع اعتماد سياسة متوازنة حافظ من خلالها على علاقة جيدة مع القصر، ولم يحول فترة تجربة حزبه في الحكومة، للمرة الأولى في تاريخه، إلى فترة صدام وتضارب صلاحيات، من دون أن يمنع ذلك بنكيران من الحديث قبل أيام عن أن "السلطة تفضل حزباً على آخر ومرشحاً على آخر"، في مقابل تأكيده أنه حصل على "ضمانات شخصية من الملك محمد السادس لأجل أن تكون الانتخابات شفافة ونزيهة".

من جهته، يرى حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات التشريعية، التي جرت أمس، فرصة جديدة لتعويض الهزيمة التي لحقت به في عام 2011، بعدما حل ضمن التحالف الانتخابي الذي قاده في ذلك الحين في المرتبة الرابعة. ونظراً لإدراكه أنه لا يمكن تحقيق هدفه إلا على حساب العدالة والتنمية، لم يوفر الأصالة والمعاصرة الذي استند في حملته الانتخابية على شعار "التغيير الآن" فرصة لانتقاد العدالة والتنمية بوصفه غريمه السياسي الأول، مركزاً على مخاطبة الناخبين من بوابة الحاجة إلى تغييرات اجتماعية تلبي أولوياتهم، فضلاً عن تحذيره على لسان أمينه العام، إلياس العماري، مراراً من تداعيات اجتماعية في حال عدم تبدل المشهد السياسي لحظة إقفال صناديق الاقتراع أمام سيناريوهات عدة، بدا أن مختلف الأحزاب قد استعدت لها من خلال رسمها لخطوط حمراء لتحالفاتها.

السيناريو الأول، يتمثل في أن يتمكن أحد الأحزاب الرئيسية، العدالة والتنمية أو الأصالة والمعاصرة، من تحقيق الأغلبية بما يتيح له تشكيل الحكومة بشكل مباشر بعد تعيين رئيسه من قبل الملك كرئيس للحكومة، أو ألا يتمكن الحزب الفائز بالانتخابات من نيل الأغلبية، ما يضطره حكماً إلى تشكيل تحالف مع عدد من الأحزاب لتوفير الأغلبية لحكومته بالبرلمان. وفي السياق، شهدت الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية التي سبقت عملية الاقتراع تصريحات واضحة من بعض الأحزاب التي حسمت فيها خياراتها بعدم التحالف في ما بينها، على غرار تأكيد بنكيران أن حزبه على استعداد للتحالف مع الجميع إلا الأصالة والمعاصرة. في المقابل، بدا حزب الاستقلال، ثالث أبرز الأحزاب المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، والذي شارك في النسخة الأولى من حكومة بنكيران قبل أن ينسحب منها، منفتحاً على جميع الخيارات، لكن بشروط، بحسب ما يستخلص من المقابلة التي أجراها المتحدث الرسمي باسم حزب الاستقلال المغربي عادل بنحمزة مع "العربي الجديد" قبل أيام.