3 تحديات أمام الحكومة الأفغانية: "طالبان" والنزاع الرئاسي وكورونا

28 ابريل 2020
حذّر الأطباء من تفشي كورونا في أفغانستان(وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -
رفضت حركة "طالبان" مجدداً طلب الحكومة الأفغانية بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان (بين الأسبوع الثالث من إبريل/نيسان الحالي والأسبوع الثالث من شهر مايو/أيار المقبل)، مكثفة في المقابل من عملياتها ضد القوات الأفغانية في الأيام الأخيرة، بحجة أن وقف إطلاق النار مع الحكومة لا يدخل في سياق اتفاقها مع الولايات المتحدة، الموقّع في قطر في 29 فبراير/شباط الماضي. مع العلم أن المرحلة الثانية من عملية السلام، أي الحوار الأفغاني ـ الأفغاني، كانت تقتضي التعامل مع الحكومة الأفغانية، غير أن الأخيرة رفضت إطلاق سراح 5 آلاف سجين لـ"طالبان"، ما جعل الحركة تعتبر أن الرئيس الأفغاني أشرف غني يمثل عقبة في وجه تطبيق التوافق الداخلي.

وفي إشارة إلى تدهور الوضع الأمني، كشف مصدر في وزارة الدفاع الأفغانية لـ"العربي الجديد" مقتل 97 عنصراً من الجيش والشرطة والجيش القبلي الموالي للجيش الأفغاني، الأسبوع الماضي. وأفاد المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، جاويد فيصل، بأن "طالبان" قتلت 34 مدنياً الأسبوع الماضي، لافتاً إلى أن القوات الأفغانية كبّدت الحركة خسائر فادحة مع مقتل وإصابة 2737 عنصراً منها.

ويعني عدم قبول وقف إطلاق النار رفضاً مباشراً لطلب المجتمع الدولي، ذلك لأن كلا من الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي طلبوا من الحركة وقف النار من أجل مكافحة فيروس كورونا. وفي ظل الوضع الأمني الآخذ في التصعيد برزت تساؤلات حول مستقبل عملية السلام، لا سيما أن عمليات إطلاق السجناء باءت بالفشل على الرغم من إطلاق الحكومة سراح بعض من سجناء الحركة.

في هذا السياق، يشير القيادي السابق في "طالبان"، سيد أكبر آغا، والذي كان وزيراً للعدل في حكومتها (في الفترة بين 1996 ـ 2001)، إلى أن الآمال بشأن عملية السلام بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة، مبدياً اعتقاده بأن الحكومة تخلق عقبات بغية تأمين فرصة البقاء. ويرى أن الولايات المتحدة فشلت في تطبيق الاتفاق، ويبدو أن ذلك ليس من أولوياتها راهناً، مشدّداً على أن فرصة وقف حمام الدم في أفغانستان لن تعود، ولكن مع الأسف تعبث بها مختلف الأطراف، لأن كلا منها يعمل لمصلحته لا لفائدة البلاد.

ولا شك أن التصعيد الأمني الحالي يضعف الحكومة أكثر ويجعلها في موقف صعب للغاية، لكنه أيضاً يضع "طالبان" في موقف حرج، لكونها أوقفت عملياتها ضد القوات الدولية والأميركية بحكم التوافق مع واشنطن، لكنها مستمرة في زيادة وتيرة هجماتها ضد القوات الأفغانية وبالتالي ارتفاع حجم الخسائر. ويثير موقف الحركة تساؤلات عدة لدى قيادييها الميدانيين، لاعتبارهم أن قتال القوات الأفغانية يعود لكونها "عين القوات الأميركية، وأن الهدف الأساسي لعملياتهم هو القوات الأميركية". 
وفي السياق، يتكرر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، قول قديم للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، مبدياً فيه خشيته من حلول وقت تتصالح فيه "طالبان" والقوات الأميركية، وتبقى الحرب دائرة بين الأفغان أنفسهم. وهو ما أكدته الإعلامية هيله شمس في تغريدة لها على حسابها على "تويتر"، باعتبارها أن ما فعلته الولايات المتحدة هو أنها تصالحت مع "طالبان"، وإلا كان عليها أن تقنعها بوقف إطلاق النار أيضاً مع الحكومة.


وفي موازاة تأزم الوضع الأمني، بات المشهد السياسي أكثر تعقيداً لا سيما فيما يخص النزاع بشأن الرئاسة بين الرئيس أشرف غني ومنافسه عبد الله عبد الله، بسبب التصدعات الداخلية في معسكر الأخير، وعدم تمكنه من توحيد القوى خلفه. وتشير مصادر مطلعة إلى أن عبد الله قبل عرض الرئيس الأفغاني رئاسة المجلس الاستشاري الأعلى للمصالحة، ولكن بشروط يصعب على غني قبولها، مثل مطالبته بتعيين 50 في المائة من أعضاء الحكومة في مجلس الشيوخ، وتقاسم مناصب مهمة في المؤسسات الأمنية وحكام الأقاليم. في المقابل، تصرّ الجمعية الإسلامية بزعامة وزير الخارجية السابق صلاح الدين رباني، والتي ينتمي إليها عبد الله وكثير من قيادات هذا المعسكر، على إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون هدفها تعديل الدستور وإقرار منصب رئيس للوزراء يتولاه عبد الله، الذي عمل أساساً لتعديل النظام الأفغاني من الرئاسي إلى الفدرالي. ويعني هذا الوضع أن أمام غني خيارين، إما القبول بشروط عبد الله، ما يضعف نفوذه في السلطة بفعل تقاسم المناصب، وإما القبول بتعديل الدستور وتحويل النظام من رئاسي إلى فدرالي، وهو أمر يرفضه معظم الأفغان المنتمين لقبائل البشتون.

وعن احتمال استمرار النزاع، يوضح مصدر في معسكر عبد الله لـ"العربي الجديد"، أنه بعد فشل جهود وسطاء محليين، سيدعو معسكر عبد الله المجتمع الدولي إلى عقد مؤتمر دولي لتحديد مستقبل أفغانستان السياسي على غرار مؤتمر بون الألماني بعد سقوط حكومة "طالبان"، عام 2001. ويتوقع مراقبون ألّا يحظى عبد الله بدعم الداخل الأفغاني لكن موقفه سيكون أكثر قوة في المجتمع الدولي، تحديداً في الولايات المتحدة، على اعتبار أن المبعوث الأميركي للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، يدعو إلى حكومة مشتركة تشمل جميع الأطياف السياسية مع تساوي موازين القوى، وهو ما يتطلع إليه معسكر عبد الله. ولعل إصرار خليل زاد حالياً على تشكيل مثل هذه الحكومة ودعوته لها، من أولويات واشنطن، لإدراكها بأنها تُعد الخيار الأفضل لتنفيذ سياساتها في كابول، سواء في ملف المصالحة و"طالبان" أو غيرها، أما إذا بقي غني وحده في الحكومة فحينها يصعب على الولايات المتحدة تطبيق سياساتها، والدليل ما آلت إليه عملية تبادل الأسرى بين الحكومة والحركة والتي أوقفها الرئيس الأفغاني.

في غضون ذلك، تعاني البلاد نسبياً من تفشي فيروس كورونا، وسط شحّ في الوسائل والمعدات الطبية، وضعف قدرات الحكومة في مكافحة الوباء. وعلى الرغم من أن الأرقام الرسمية تكشف أن أفغانستان أحسن حالاً من دول عدة، غير أن الأطباء يعتبرون أن الأمر مرتبط بقدرات الحكومة المحدودة في إجراء فحوصات، متوقعين وصول البلاد إلى ذروتها في الفيروس في الأيام المقبلة.

المساهمون