معبر التنف بحراسة أميركية: واشنطن تثبّت خطها الأحمر في البادية السورية

19 يونيو 2017
تتحرك عناصر "قسد" داخل الرقة بحذر (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

ثبّتت الولايات المتحدة خطوطها الحمراء في البادية السورية، عبر تمركز قوات أميركية في معبر التنف الحدودي السوري مع العراق، وذلك بعد ساعات من سيطرة القوات العراقية على معبر الوليد المقابل للتنف، فيما تواصل قوات النظام، ومليشيات إيرانية، التحرك في البادية السورية وفي ريف الرقة الجنوبي الغربي للوصول إلى دير الزور، التي يسيطر تنظيم "داعش" على غالبيتها.

وكشف رائد في الجيش العراقي في محافظة الأنبار أن قوات أميركية تمركزت في معبر التنف الحدودي السوري مع العراق. وقال لوكالة "الأناضول" أمس الأحد، إن "قوات أميركية خاصة تمركزت في معبر التنف الحدودي السوري المقابل لمعبر الوليد الحدودي العراقي، غربي محافظة الأنبار". وتابع إن "قسماً من تلك القوات الأميركية جاء من الأردن، والقسم الآخر من داخل الأراضي العراقية، من قاعدة الأسد غربي الأنبار". وأشار إلى أن "وجود تلك القوات الأميركية جاء بعد إمساك قوات حرس الحدود العراقية منفذ الوليد الحدودي، وأجزاءً من الشريط الحدودي العراقي مع سورية غرب الأنبار". ويأتي إرسال قوات أميركية إلى قاعدة التنف، بعد أيام من تحصينها بنظام صاروخي متقدم. وكانت مصادر في المعارضة السورية، التي تنشط في تلك المنطقة، قالت إن نظام المدفعية الصاروخية الذي وصل حديثاً بعيد المدى، ومن نوع "هيمارس"، نقله الجيش الأميركي من قواعد عسكرية في الأردن، مشيرة إلى أنه قادر على إطلاق صواريخ لمسافة 300 كيلومتر. وكانت قاعدة التنف قد أقيمت العام الماضي، وتديرها قوات أميركية وبريطانية ونرويجية، وهي تتولى تدريب فصائل من الجيش الحر على قتال تنظيم "داعش". وذكرت قناة "سي إن إن" الأميركية أن نظام "هيمارس" يوفر دفعة قوية للجهود العسكرية الأميركية في تلك المنطقة، التي تركزت الأنظار عليها أخيراً بعد سلسلة من الضربات الجوية التي نفذها طيران التحالف ضد قوات موالية للنظام السوري تنشط بالقرب منها.

بموازاة ذلك، لا تزال قوات النظام السورية، ومليشيات إيرانية، تتحرك في ريف الرقة الجنوبي الغربي في محاولة لشق طريق عبر أطراف البادية السورية الشمالية باتجاه مدينة دير الزور شرقاً. وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إن المعارك تتواصل بوتيرة عنيفة بين عناصر تنظيم "داعش" من جانب، وقوات النظام، المدعمة بالمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من جانب آخر، في عمق محافظة الرقة، مشيراً إلى أن قوات النظام تتلقى دعماً من نخبة "حزب الله" اللبناني، فضلاً عن إسناد من الطائرات الحربية الروسية. وأشار إلى أن قوات النظام "سيطرت على 14 قرية وبئرا وموقعا على طريق سلمية- أثريا- الرصافة- الرقة"، ووصلت إلى مقربة من الرصافة. وبذلك باتت قوات النظام على مسافة تقدر بنحو أربع كيلومترات جنوب غربي مطار الطبقة العسكري. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) سيطرت على مطار الطبقة العسكري أواخر مارس/آذار الماضي، ومن المتوقع أن يتحول إلى قاعدة أميركية لتمتعه بموقع استراتيجي. وكانت مصادر قيادية في "سورية الديمقراطية" قد أشارت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن أي تقدم من قوات النظام باتجاه الطبقة ومطارها سيواجه بـ"غضب أميركي"، لكنها استبعدت حدوث اشتباكات مع قوات النظام جنوب الطبقة. ونقلت وكالة "سانا"، التابعة إلى النظام السوري، عن مصدر عسكري في قوات النظام تأكيده أنها، ومليشيات إيرانية مساندة لها، "أحكمت السيطرة على محمية التليلة جنوب قرية آرك بـ 13 كيلومتراً في ريف تدمر الشرقي" في قلب البادية السورية. وبذاك، بدأت هذه القوات تقترب أكثر من بلدة السخنة، أهم معاقل تنظيم "داعش" في البادية، التي تحتضن ثروة نفطية كبيرة يسعى النظام لانتزاع السيطرة عليها مرة أخرى.


إلى ذلك، أحكمت "قوات سورية الديمقراطية"، التي يشكل مقاتلون أكراد ثقلها الرئيسي، الطوق حول مدينة الرقة التي تعد أهم معاقل "داعش" في سورية، وبدأت التقدم أكثر للوصول إلى قلب المدينة. وحققت "سورية الديمقراطية"، وقوات "النخبة" السورية، تقدماً من شأنه تضييق الخناق أكثر على مسلحي "داعش" داخل الرقة، ويدفع باتجاه حسم المعارك على حساب التنظيم الذي بات مطوقاً من كل اتجاه، إثر سيطرة "قسد" على قرية استراتيجية تقع جنوب المدينة مباشرة. وأكد المتحدث باسم وحدات "حماية الشعب" الكردية، نوري محمود، لـ"العربي الجديد"، نبأ انتزاع السيطرة على قرية كسرة شيخ الجمعة أول من أمس، إثر اشتباكات مع مسلحي التنظيم الذين حاولوا، على مدى أكثر من أسبوع، صد القوات المهاجمة للقرية، كي لا يفقدوا منفذ النجاة الوحيد. ورجح محمود أن "يقاوم تنظيم داعش بكل طاقته، ولكن تقدم قوات سورية الديمقراطية مستمر داخل المدينة. المعركة مستمرة"، وفق قوله.

وقالت مصادر محلية، لـ "العربي الجديد"، إن مسلحي تنظيم "داعش" انسحبوا من قرية كسرة شيخ الجمعة باتجاه قريتي كسرة فرج وفخيخة إلى الشرق منها. ولا يزال التنظيم يسيطر على كامل ريف الرقة الشرقي جنوب نهر الفرات، والذي يضم عشرات القرى والبلدات، وصولاً إلى الحدود الإدارية التي تفصل محافظة الرقة عن محافظة دير الزور التي يسيطر التنظيم على غالبيتها. وتعد كسرة شيخ الجمعة من أهم قرى محافظة الرقة، ولا يفصلها عن المدينة سوى نهر الفرات، إذ تقع القرية جنوبه، فيما تمتد مدينة الرقة شماله، وترتبط بريفها الجنوبي والجنوبي الغربي بجسرين قام طيران التحالف بتدميرهما قبيل بدء معركة الرقة في السادس من يونيو/حزيران الحالي. وأعلنت "قوات سورية الديمقراطية"، أمس الأحد، أنها انتزعت السيطرة على حي البياطرة شرق مدينة الرقة بعد اشتباكات مع مسلحي "داعش"، وبذلك بدأت تخطو، مع قوات "النخبة" السورية، خطوات واسعة باتجاه قلب مدينة الرقة. لكن مصادر محلية مطلعة أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "قسد" لم تدخل حي البياطرة بعد، وأن الاشتباكات تدور على أطرافه، مشيرة إلى أن تقدم القوات المهاجمة بات محفوفاً بالمخاطر، مضيفة "الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعها بعضهم. هناك تحصينات للتنظيم تعيق أي تقدم، وتوقفه ربما لأيام". ولا تزال تدور اشتباكات تُوصف بالعنيفة في عدة أحياء أخرى، منها حطين، والقادسية، ومنطقة بريد الدرعية، غربي المدينة، إضافة الى حي البتاني في شرقها. ولم يعد أمام مسلحي "داعش" إلا القتال حتى النهاية ما قد يعني تعرض مدينة الرقة إلى تدمير شبه كامل، إذ يواصل طيران التحالف الدولي استخدام القوة المفرطة في قصف قلب المدينة، في استنساخ واضح لسيناريو الموصل. وقالت مصادر قيادية في قوات "النخبة" السورية إن التحرك داخل المدينة "يتم بحذر كبير" نتيجة اعتماد التنظيم على الألغام، التي زرعها في غالبية أحياء المدينة، والقنص، والهجمات المباغتة من خلال انتحاريين، وفق المصادر.

وفي جنوب سورية، دخل اتفاق هدنة في درعا، جاء نتيجة تفاهم روسي- أميركي -أردني ولمدة 48 ساعة، يومه الثاني، إذ شهدت جبهات القتال هدوءاً في مدينة درعا، فيما شهد الاتفاق خروقات في عدة مناطق في ريف المحافظة التي حاولت قوات النظام انتزاع السيطرة عليها، إلا أن قوات المعارضة السورية صدتها. وأكدت الحكومة الأردنية دعمها للجهود المبذولة لوقف إطلاق نار شامل في سورية. وقال الناطق باسم الحكومة، محمد المومني، في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أمس الأحد، إن "الأردن يدعم جميع الجهود والمبادرات التي تبذل لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار على كل الأراضي السورية". وشدد على "أهمية اتفاق الهدنة الذي أعلن عنه السبت في الجنوب السوري لمدة 48 ساعة". وعبر عن أمله "بالتزام كافة الأطراف لتنفيذ الاتفاق"، مؤكداً "أهمية وقف إطلاق النار للتخفيف على الأشقاء السوريين، خصوصاً المحتاجين لمساعدات إنسانية". وكرر "موقف الأردن الداعي إلى ضرورة العمل عبر مسار جنيف لإيجاد حل سياسي للأزمة، يقبله السوريون، ويضمن وحدة سورية وتماسكها ويحمي سيادتها". ودعت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، فصائل المعارضة السورية إلى إعلان وقف إطلاق نار، تنفيذاً لاتفاق مناطق "تخفيف التوتر" الأربع. وقالت إنها "تتطلع لأن يكون اتفاق مناطق تخفيف التوتر خطوة نحو وقف دائم وشامل لإطلاق النار في جميع الأراضي السورية". وكررت "التأكيد على موقفها الداعي إلى ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة ويحافظ على وحدة واستقلال الأراضي السورية". ورحبت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، بقرار النظام السوري وقف هجماته في محافظة درعا، لكنها شددت على أنها "ستحكم على مبادرة النظام السوري بعد رؤية النتائج، وليس من خلال الإعلان فقط". ودعت المعارضة السورية إلى التوقف عن عملياتها العسكرية، لتحقيق صمود اتفاق وقف إطلاق النار، وفتح المجال أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.

المساهمون