علاقات متوترة عبر الأطلسي: ترقب لمواقف ترامب النووية والتجارية

01 مايو 2018
تساؤلات عن نجاح ميركل بتغيير نظرة ترامب (أليكس وانغ/Getty)
+ الخط -
تتجه الأنظار في الأسبوعين المقبلين إلى القرارات التي سيصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتعلقة بفرض الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم لدول الاتحاد الأوروبي، وبالاتفاق النووي الإيراني. ومن المقرر أن يحسم الرئيس الأميركي قراره حول القضية الأولى اليوم، فإما يعلن الإبقاء على إعفاءات التعريفات الجمركية، أو يرتكز على واقع تعاني منه الولايات المتحدة حالياً ويضغط لتصحيح العجز التجاري المقدر بقيمة 151 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي، لتحقيق المزيد من "الإنصاف" في علاقات الولايات المتحدة التجارية مع التكتل.
وبحلول 12 مايو/أيار الحالي، سيتبيّن أيضاً ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيحظى بمزيد من الوقت من قِبل ترامب لتحسين الاتفاق النووي، من خلال اتفاقات إضافية مع طهران، قبل تنفيذ التهديدات الأميركية بإعادة فرض العقوبات وبالتالي تعريض الاتفاق للخطر. وينطلق الخوف الأوروبي من كون إيران ليست بعيدة آلاف الأميال عن أوروبا كما هو الحال بالنسبة لأميركا، بحسب ما أوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من البيت الأبيض، "فهي على عتبة الدار".

أمام هذا الواقع، يلفت خبراء في العلوم السياسية والاقتصادية الأوروبية، إلى خشية أوروبية من عودة ترامب إلى قضية زيادة الإنفاق العسكري لحلف شمال الأطلسي، متوقفين عند ما قاله أخيراً بأن "حلف الأطلسي رائع لكنه يساعد أوروبا أكثر منا"، سائلاً "لماذا يتعيّن علينا أن ندفع حصة أكبر، في وقت لا تنفق دول الاتحاد ما يكفي على قواتها العسكرية، على الرغم من أن الميزان التجاري لصالحها".
وبحسب مراقبين للوضع، فهذه المقاربة من قبل الرئيس الأميركي تعكس عدم فهم كافٍ للمنحى الذي تتخذه ألمانيا في الدفاع عن مصالحها الاقتصادية مقابل عدم استعدادها لدفع المزيد من أجل الدفاع المشترك في بلد زاد الرخاء فيه بشكل كبير، من خلال المستوى الذي وصلت إليه صادراته إلى العالم. وهنا يتوقف المراقبون عند ضرورة تدخّل "الحزب الاشتراكي" الألماني الشريك في الائتلاف الحاكم وبذل المزيد من الجهد، لأنه لا يصح بعد مرور 70 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أن تبقى ألمانيا مختبئة تحت المظلة الواقية للقوى السابقة المنتصرة.


في المقابل، يقول المراقبون إنه يتعيّن على الأوروبيين معرفة أن ترامب يهتم بنفسه فقط، وهو حقق في الفترة القصيرة من ولايته أكثر مما يظن منتقدوه. فهو يهدد بالتعريفات الجمركية العقابية على الاتحاد الأوروبي، ويشكك في الاتفاق النووي الإيراني ويريد التخلص منه بلا بديل، وانسحب من اتفاقية باريس للمناخ، مع تلميحه بسحب قوات بلاده من الشرق الأوسط في ظل الوضع الأمني المتردي هناك. ويرى البعض أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة ميركل، لم يكتشفا بعد كيفية إقناع ترامب بموقفهما. وعلى الرغم من أنهما يمثّلان مصالح الاتحاد الأوروبي، فمن دون موافقة مسبقة من كل دول التكتل، لا يمكنهما تقديم التزامات للولايات المتحدة وترامب، وهذه نقطة ضعف لن يتردد الأخير في استخدامها ضدهما. مع العلم أن المفوضة التجارية في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم، اعتبرت، وفقاً لما ذكرته صحيفة "فرانكفورته الغماينه تسايتونغ"، أن الأولوية الآن للحوار الرفيع المستوى، وإلا فإن أوروبا ستتخذ إجراءات تقوم على رد ثلاثي: شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، ضمانات للاقتصاد الأوروبي، وتعريفات عقابية على السلع الأميركية.

وما يصعّب الأمر، النهج غير المنسّق بين الأوروبيين في هذا الوضع الصعب، وهو ما يسبّب الكثير من التخبّط والتوترات على الاقتصاد. وهنا يرى خبراء في العلاقات الأوروبية أن الخطأ حصل بمجرد تلبية الزيارات إلى أميركا بصورة منفصلة، وجرى الحديث مع ترامب بخصوص ملفات تجارية حساسة تهم الأوروبيين، بينما كان يفترض أن تكون المباحثات موحّدة، كي لا يستطيع ترامب اللعب بين فرنسا وألمانيا، مشيرين إلى ما يتم الحديث عنه همساً بأن ألمانيا وفرنسا منفتحتان على صفقات منفصلة، وهذا ما سيقسم أوروبا حول مسألة التعامل مع استفزازات ترامب.

وبالتالي سيكون على أوروبا المبادرة، لأن الاقتصاد الأوروبي والألماني خصوصاً مرهون بالصادرات، والمطلوب تعديل في الميزان التجاري وربما الاستثمار في الولايات المتحدة، علماً أن ميركل تحدثت عن إصلاحات تجارية مع أميركا، وهذا ليس من العبث بل لأن هناك خشية من قِبل الشركات الأوروبية من عواقب تصاعد النزاع الجمركي. وفي هذا السياق، يبدو أن ألمانيا قلقة بشأن صناعة السيارات وتكبّدها خسائر باهظة في هذا القطاع، أما فرنسا فيرتكز همها على قطاعات الزراعة واعتراف الولايات المتحدة باتفاقية باريس لتغير المناخ.
ومع تضاؤل الأمل الأوروبي بالإعفاء من التعريفات الجمركية بشكل دائم، ناشد رئيس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي بيرند لانغه، المنتمي إلى الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، الاتحاد الأوروبي بأن يكون موحّداً وثابت الموقف، فيما قال رئيس كتلة "الاتحاد المسيحي" في البرلمان الأوروبي دانيال كاسباري لصحيفة "دي فيلت": هناك إشارات تبعث على القلق وتشير إلى أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات حمائية مخالفة لمنظمة التجارة العالمية، آمل من المجتمع الدولي أن يتخذ موقفاً موحّداً ويحافظ على الأسواق المفتوحة".

ويبقى الانتظار قائماً لمعرفة ما إذا كان ماكرون وميركل استطاعا خلال الأسبوع الأوروبي في واشنطن، الترويج للأدوار الأوروبية الموزعة ولكن بحجج متساوية، إذ كان لافتاً أن ميركل بدت متوترة على الرغم من الإطراء والود الذي لقيته من ترامب ووصفه لها بـ"المرأة غير العادية"، فيما ترامب مشتت ذهنياً وهذا ما يؤشر إلى ما هو أصعب خلال الأيام المقبلة.