قراءة تونسية في الحدث الجزائري: خشية من التدخلات الخارجية

18 مارس 2019
وصلت مطالب المتظاهرين للدعوة لتغيير النظام (Getty)
+ الخط -
عاد الحدث الجزائري ليضغط من جديد على التونسيين بعدما تنفسوا الصعداء، عندما أعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قراره عدم الترشح لولاية خامسة، وتحدث عن مرحلة انتقالية سيتولى هو إدارتها وستفضي إلى تنظيم انتخابات مفتوحة أمام الجميع، وذلك قبل نهاية العام الحالي. في تلك اللحظة، اعتبر العديد من السياسيين والمحللين التونسيين أن هذا القرار قد جنّب الجزائر صداماً بات وشيكاً بين القوى الداعمة للنظام وبين الشعب. لكن على الرغم من أهمية ما حدث، وعلى الرغم من الفرحة التي عمّت الجزائريين إثر هذا الإعلان، عاد القلق من جديد إلى الجزائريين أولاً ومن ثم انتقل إلى التونسيين، وساد مرة أخرى خوف من احتمال وجود مناورة تهدف إلى حماية المنظومة الحاكمة، وهو ما جعل أحد المثقفين التونسيين يكتب على صفحته في "فيسبوك": "انتبهوا، يمكن أن يقف خلف الرئيس بوتفليقة شخص آخر اسمه بوتفليقة".

يشترك الكثير من التونسيين مع أغلب الجزائريين، حول الخشية من حصول تدخّلات خارجية إقليمية ودولية في شؤون الجزائر. فهذا البلد يحتل موقعاً استراتيجياً، ويملك ثروة هامة من البترول والغاز، ومعروف عن شعبه عزة النفس ورفض الخضوع للأجنبي. لهذا ما إن تراجع بوتفليقة عن قراره المشاركة في السباق الرئاسي، حتى ازدادت المخاوف من أخطار التدخّلات الخارجية. وعلّق الناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، على احتمالات التدخّل الخارجي في الحدث الجزائري بالقول إن "هناك دولاً غربية مثل فرنسا وأخرى عربية مشرقية ربما من مصلحتها الحفاظ على النظام في الجزائر، ويهمها جداً ألا تنجح المسارات الديمقراطية لما في ذلك من تهديد للأسر المالكة على المدى البعيد". وأضاف بلهجة لا تخلو من تحذير: "على هذه الدول ألا تتدخّل في شؤوننا الداخلية".

من جهتها، واكبت فرنسا بكل دقة الحراك الجزائري، واتفق المراقبون هناك على القول إن الجزائريين "تحدّوا جدار الخوف" وإنه سقط نهائياً. لكن الموقف الفرنسي الرسمي من الجزائر متعدد الأوجه، وهو يتغير حسب المراحل والأوضاع. فقد التزمت الرئاسة والحكومة الفرنسيتان الصمت عندما انطلقت الاحتجاجات الجزائرية، واكتفتا بمراقبة تطورات الحراك، إذ اعتبرت بعض الصحف أن حكم بوتفليقة أصبح تحت الاختبار، ثم حيّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرار بوتفليقة، وأيّدت وزارة الخارجية سيناريو "المرحلة الانتقالية المعقولة". لكن بدل أن يُطمئن ماكرون الجزائريين بكلامه، زاد من شكوكهم وجعلهم أكثر حذراً وإصراراً على مواصلة الحراك، من أجل تغيير النظام لا ترقيعه وتجميله.


لا خلاف حول أهمية تخلّي بوتفليقة عن حلم الولاية الخامسة، لأن ذلك اعتُبر في لحظة ما موقفاً متقدماً مقارنة بالفترة السابقة التي كان المسؤولون يرفضون فيها الإقرار بوجود أزمة، وأصرّوا على القول إن أجهزة الدولة تعمل بشكل جيد. لكن المشكلة تكمن في أن السيناريو الذي تم اختياره (تأجيل الانتخابات من قبل الرئيس نفسه ومن دون وجود ظرف قاهر ومن دون العودة إلى البرلمان) يتعارض مع ما ورد في الدستور، وهو ما عمّق الشكوك حول أدوار القوى الخفيّة التي تقف وراء النظام، التي تسعى إلى تحقيق استمرارية المنظومة مع تغييرات في الشكل، أي تغيير بوتفليقة والإبقاء على النظام.

ظنّ بعض السياسيين التونسيين أن ما يجري في الجزائر ليس شبيهاً بما حصل في تونس، واعتقدوا أن سقف المطالب سيقف عند حدود رحيل بوتفليقة. لكن تبيّن اليوم أن الحركة الاحتجاجية تجاوزت الشخص وطالبت بتغيير النظام، أو إصلاحه جذرياً. وعلى هذا الأساس، يتساءل الكثيرون حول مدى استعداد القوى الفاعلة في الجزائر، وفي مقدمتها الجيش، للانسحاب من الحياة السياسية وترك المجال للقوى المدنية الصاعدة لتقود البلاد خلال المرحلة المقبلة. وفي حال رفضت القوى التقليدية التي حكمت منذ 1962 التخلي عن مكاسبها، وأبدت استعدادها للذهاب بعيداً من أجل البقاء حتى لو أعاد سيناريو الأرض المحروقة مثلما فعلت خلال العشرية السوداء، فكيف سيكون وضع الجزائر؟

كان عموم التونسيين يتجنّبون الخوض في الشؤون الداخلية للجزائر، غير أن هذا الحذر بدأ يتلاشى تدريجياً هذه الأيام. لم يعد الشأن الجزائري خطاً أحمر. وقال أحد الصحافيين الجزائريين: "ليس مسموحاً لأي كان التدخّل في الشأن الداخلي للجزائر باستثناء التونسيين"، في إشارة ضمنية إلى الثورة التونسية التي يتخذ منها الواقفون وراء الحركة الاحتجاجية في الجزائر، نموذجاً تحت الدرس. مع ذلك، لا تزال الأحزاب التونسية محجمة عن إبداء أي موقف مما يجري هناك. فهذه الأحزاب تخشى من حدوث منعرج خطير قد يقلب الأوضاع رأساً على عقب، ما يجعلها في وضع حرج إذا ما عبّرت عن رأي جزائري غير مدروس.

المساهمون