إعمار غزة في عيون مصالح إسرائيل

12 يونيو 2015
إسرائيل تخشى أن تعزز حماس مكانتها في غزة (Getty)
+ الخط -
تتزايد الأحاديث حول سعي إسرائيلي لإجراء اتصالات مع حركة "حماس"، وفتح حوار معها، في محاولة إسرائيلية لخلق ظروف نوع من أشكال "العيش المشترك"، انطلاقاً من إعادة إعمار قطاع غزة. وتترافق هذه الأنباء مع تحركات مكوكية شهدتها المنطقة في الأيام الأخيرة، أبرزها الزيارة التي قام بها منسّق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، "بشكل سري" بحسب وكالة الأناضول، إلى غزة، مساء الأربعاء برفقة وفد أممي. كما شهدت القاهرة الإثنين زيارة للمبعوث السابق للجنة الرباعية للسلام توني بلير، بحث خلالها الأوضاع في قطاع غزة، وسبل إعادة إطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو صاحب نظرية "السلام الاقتصادي" الشهيرة. وفي السياق نفسه يضع كثيرون وصول مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام فرناندو جنسيلتيني، أمس الخميس، إلى قطاع غزة، في زيارة استغرقت ساعات.

وقد نشر الباحث الإسرائيلي في مجلس أبحاث الأمن القومي، كوبي ميخائيل، المحاضر في جامعة أرئيل الاستيطانية، ونائب المدير السابق لوزارة التهديدات الاستراتيجية، قبل أيام ورقة تقدير موقف حول معضلات إسرائيل الاستراتيجية في مسألة إعادة إعمار غزة، في الظروف الراهنة، لا سيما تراجع مكانة السلطة الفلسطينية في القطاع، وأردف ذلك بمقالة نشرها حول تحركات في سياق إعادة الإعمار، في الوقت الذي أشار فيه عاموس هرئيل في "هآرتس" الإثنين إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد يُفضّل التعاون مع "حماس"، وفتح ملف القطاع تحت إشراف الحركة أو بمشاركتها، للفت الأنظار عن الحاجة إلى الخوض في مسألة تحريك المسيرة السلمية، وما قد يجرّه ذلك من ضغوط داخلية وخارجية متناقضة عليه.

ويُحدد كوبي ميخائيل في ورقة تقدير الموقف التي نشرها على موقع مركز أبحاث الأمن القومي، أن لإسرائيل مصلحة استراتيجية في منع اندلاع مواجهة عسكرية، في حال استمر تدهور الأوضاع الكارثية في القطاع، إلا أن ذلك يضعها أمام أربع معضلات استراتيجية: أولى هذه المعضلات هي احتمالات أن تؤدي إعادة الإعمار في الظروف الراهنة، إلى ترسيخ وتعزيز مكانة حركة "حماس" باعتبارها جهة حكم سيادي في قطاع غزة، خصوصاً في ظل غياب فرص حقيقية لمصالحة فلسطينية، وفي ظل انعدام أي استعداد لدى الحركة لنزع سلاحها أو إتاحة موطئ قدم لسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

اقرأ أيضاً: نظرة إلى فلسطين

كما أن إطلاق إعادة الإعمار عبر آليات دولية ومن دون مشاركة مباشرة لـ "حماس"، من شأنه أن يُصعّب على إسرائيل مواصلة معارضة تغيير مكانة الحركة على الساحة الدولية أو الاستمرار في الادعاء بأنها حركة إرهابية، مما يعني في نهاية المطاف أن "حماس" ستخرج رابحة من هذه العملية برمتها؛ وهو أمر يناقض المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل. أما المعضلة الثانية التي يرصدها ميخائيل، فهي أنه لن يكون بمقدور إسرائيل أن تقود عملية إعادة الإعمار بمفردها من دون أن تضطر إلى إجراء مفاوضات أو اتصالات ولو غير مباشرة مع "حماس". ويعني ذلك في المحصلة تعزيز الصفات الدولاتية لحركة "حماس" وتعميق الانفصال بين الضفة الغربية المحتلة وبين قطاع غزة، مما يعني أنه سيكون على إسرائيل أن تواجه كيانين منفصلين متناقضين، وإن كان هناك من يرى في ذلك مكسباً لأنه يزيد من مجال المناورة الإسرائيلية، وبشكل استراتيجي في تعاملها مع الملف الفلسطيني بما يخدم مصالحها.

وتتصل المعضلة الاستراتيجية الثالثة بالعلاقات الإسرائيلية المصرية، واحتمالات تأثرها بالتنسيق والاتصال بين إسرائيل وحماس في ظل العداء، أو العلاقات السيئة التي تجمع بين نظام (الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي وبين "حماس". ويُبرز الباحث الإسرائيلي في هذا السياق حقيقة أن العلاقات بين إسرائيل ومصر، في ظل نظام السيسي قد بلغت حداً في مجالات التنسيق الأمني والاستخباراتي لم يسبق له مثيل. ويرتبط هذا برغبة نظام السيسي بعودة السلطة الفلسطينية بقيادة عباس إلى تسلّم مقاليد الأمور في غزة. وبالتالي فإنه إذا أرادت إسرائيل تعجيل وتيرة مشروع إعادة إعمار غزة، في غياب السلطة الفلسطينية ومن دون دور محوري لها، فإنها قد تجد نفسها في مواجهة مع مصر، وهي مواجهة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة بفعل تأثيراتها السلبية المحتملة على شبكة العلاقات والتنسيق المتبادل بين البلدين.

أما المعضلة الرابعة والأخيرة بحسب الباحث المذكور، فهي تتمحور في فقدان إسرائيل لمجال المناورة الواسع وحرية الحركة التي تتمتع بها حالياً لمواجهة وضرب "حماس"، مقابل تقليص هذه الحرية في السعي لإحباط تسليح الحركة وبناء قوتها، مع إطلاق مشروع إعادة الإعمار وفق آليات ومنظمات وأطراف دولية. وفي حال فشلت إسرائيل و"حماس" في التوصل إلى اتفاق تهدئة ووقف إطلاق نار متواصل، فإن فكر المقاومة لدى "حماس" مرفوداً بتعزيز قوتها العسكرية، سينذر بمواجهة عنيفة أخرى. مع العلم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعالون والجنرال عاموس جلعاد (رئيس الطاقم السياسي والأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية)، بادروا إلى التركيز على مسألة إعادة إعمار غزة خلال خطاباتهم أمام مؤتمر هرتسليا الأخير، من زاوية كون إسرائيل هي "الطرف الوحيد" حسب زعمهم، التي تساهم في مساعي إعادة الإعمار!

في المقابل لا يغفل ميخائيل الفرص والمكاسب التي قد تحققها إسرائيل، وأهمها على الصعيد الاستراتيجي الأمني هو تطور مصالح سيادية لدى حركة "حماس"، خلال عملية تحوّلها لحكم سيادي، تكبح جماح الحركة، وإن كان مثل هذا الأمر يظل محدوداً بفعل التجربة الماضية، إذ قد تفضل "حماس" بفكرها الأيديولوجي المصالح الحركية على المصلحة العامة في سياق سعيها لحماية مكانتها داخل القطاع وفي صفوف الشعب الفلسطيني.
ويخلص الكاتب إلى القول إن هناك حاجة للموازنة بين الفائدة الاستراتيجية التي قد تجنيها إسرائيل من إعادة الإعمار وبين المصالح الأخرى التي قد تتأثر سلباً. وبما أن إسرائيل لن تستطيع بمفردها تحمّل إعادة الإعمار، فإن هناك حاجة لتفكير سياسي مبدع يلزم إشراك السلطة الفلسطينية في العملية برمتها، ولو بفعل شرط الدول المانحة أن يتم الأمر عبر قناة السلطة الفلسطينية. كما أن هناك حاجة لمشاركة مصرية فعالة ونشطة إلى جانب تسليم قيادة المشروع للسعودية ودول أخرى في المنطقة.

ويوضح الكاتب أمراً إضافياً في سياسة إسرائيل وهو الانتقال لتعزيز دور السعودية، مقابل السعي الحثيث لإلغاء أي دور لقطر أو تركيا، بحسب ادعائه، وهو ما يتماشى مع سياسة حكومة نتنياهو، التي تُروّج وتحرض باستمرار ومنذ الحرب الأخيرة على غزة ضد أي دور لقطر، على ضوء المبادرة القطرية في حينه لوقف إطلاق نار يحفظ للمقاومة الفلسطينية إنجازاتها، بينما سعت إسرائيل إلى ترسيخ وتكريس ورقة مصرية أيّدتها السلطة الفلسطينية، اشترطت وقف القتال أولاً والبحث في شروط المقاومة لاحقاً. وللخروج من هذه المعضلات كلها، يقترح الباحث إطلاق مسار تسوية إقليمي يمكن لإسرائيل تشجيع بنائه، من خلال الاستعداد لدراسة المبادرة السعودية، وملائمتها مع مقترحات من السلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بمستقل وطبيعة "الحياة" في الضفة الغربية المحتلة، مع إشراف ورعاية دولية تضمن أيضاً توفير حلول التهديدات الأمنية الكامنة في إعادة إعمار غزة وتعزيز قوة حركة "حماس".

من جهته، رأى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، افرايم هليفي، أن "الحوار المباشر مع العدو اللدود يمكن أن يؤدي في النهاية إلى شكل من أشكال العيش المشترك". ولفت هليفي في حديث لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، إلى أن الوقت قد حان لإسرائيل لإجراء محادثات مباشرة مع "حماس"، لتشجيعها على تبني نهج أقل عدائية وأكثر واقعية تجاه الدولة اليهودية. لكن هليفي، الذي شغل منصب مدير "الموساد" لمدة أربع سنوات حتى 2002، وعمل بعد ذلك مستشاراً لرئيس الوزراء السابق أرييل شارون، قال "إن حماس تريد تحسين نوعية الحياة في غزة، وتريد تحقيق درجة من القبول كلاعب مؤهل، وعلينا التعامل معها بخيارات غير المواجهة العسكرية". وأيّد قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي الجنرال سامي ترجمان، ونائب الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي والعقيد شاؤول شاي، وغيرهم من القيادات الأمنية، الحوار مع "حماس"، وفقاً لمراسل "إندبندنت" في القدس، بن لينفيلد، على اعتبار أن "صعود تنظيم داعش وبروز جماعات سلفية في غزة مشكلة كبيرة لاسرائيل".

اقرأ أيضاً: "حماس" تنفي أي تعاون أمني مع مصر في سيناء

المساهمون