العملية السياسية في العراق بعد سليماني: صراع على الزعامة

07 مارس 2020
لا بديل عن علاوي حتى الآن(مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -

لا يغفل المراقبون للشأن العراقي عن تسجيل ملاحظاتهم المستمرة على المشهد السياسي العام في البلاد، منذ اغتيال الولايات المتحدة زعيم "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، بغارة جوية قرب مطار بغداد، في 3 يناير/كانون الثاني الماضي. في السياق، سجّل مراقبون لـ"العربي الجديد"، جملة من المتغيرات والمواقف الجديدة المشيرة إلى تأثير غياب سليماني على العملية السياسية في العراق، سواء لجهة عودة الخلافات بقوة بين الكتل السياسية التي تعرف عادة تحت مسمى "البيت السياسي الشيعي"، منذ أكثر من شهر، أو على مستوى عودة التنافس على الزعامة مجدداً، وهو الصراع الذي خبت ناره منذ عام 2010، تحديداً من خلال اتفاق جرى برعاية سليماني، أوقف مناوشات وخلافات حادة بين عدة قوى سياسية، من خلال ما يمكن اعتباره توافقا على تقاسم صلاحيات ونفوذ وصل إلى مستوى إدارات المحافظات الجنوبية والوسطى والعاصمة بغداد. وحصل حزب "الدعوة الإسلامية" وفق ذلك الاتفاق، على حصة أكبر من غيره، بينما وجد التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر نفسه في مساحة لا تناسب حجمه الشعبي ولا حتى المسلح على الخارطة العراقية، إذ لم يكن الصدر بعلاقة مماثلة مع سليماني على غرار الزعامات الأخرى في العراق.

ورأى سياسيون عراقيون أن إفشال تمرير حكومة محمد توفيق علاوي لم يكن بسبب تحفّظ قوى عربية سنّية وأخرى كردية بقدر ما كان بسبب رفض قوى سياسية شيعية له، بعضها نكاية بمقتدى الصدر، أبرز الداعمين لعلاوي والذي سبق أن لوّح بتظاهرات واعتصامات عند أبواب المنطقة الخضراء في حال لم يتم تمرير حكومته. ومن أبرز الشخصيات التي عملت على منع وصول علاوي لتشكيل حكومته، زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي الذي يستعد للعودة مجدداً بدائرة الشخصيات المؤثرة بدعم إيراني، بعد تراجع واضح له منذ عام 2014، إذ صُنّف "عاملاً رئيسياً" في اجتياح تنظيم "داعش" لمساحات شاسعة من البلاد وسقوط 48 مدينة وبلدة، والتي خلفت مأساة كبيرة نتج عنها نحو ربع مليون عراقي بين قتيل وجريح ومغيب وأكثر من 6 ملايين نازح، وقرابة 88 مليار دولار خسائر مادية، عدا عن اتهامه بالتورط في صفقات وتعاملات مالية تسببت بفقدان العراق عشرات المليارات من الدولارات.

وقال عضو بارز في تحالف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات ذات الطابع الشخصي هي السبب الأول وراء الأزمة السياسية المتعلقة بمرشح رئاسة الوزراء"، معرباً عن اعتقاده بأن "الخلافات بين الزعامات السياسية العراقية والشيعية منها على وجه التحديد ستتسع مع اقتراب الانتخابات". ولفت إلى أن سليماني "كان بمثابة المسيطر على الخلافات، مثل الخلاف بين نوري المالكي ومقتدى الصدر، والخلاف بين عمار الحكيم وهمام حمودي، وأيضاً الخلافات على مستوى الفصائل المسلحة نفسها مثل الخلاف بين العصائب والصدريين".



وكشف أنه "بعد فشل المسؤول في حزب الله اللبناني محمد كوثراني، في مهمة توحيد مواقف القوى السياسية الشيعية وتمرير حكومة علاوي، هناك تسريبات بإعادة إيران دعمها لنوري المالكي، ليتولى دوراً جديداً على المستوى السياسي العام وليس التنفيذي أو الحكومي، وهو ما يلاقي أيضاً رفضا من أطراف عدة، أبرزها مقتدى الصدر وحيدر العبادي". وأقر بأن غياب سليماني "تأثيره إيجابي على الشارع العراقي الذي يطالب بدولة مدنية ومستقلة غير تابعة لأحد، لكن في حال الحديث عن مصالح القوى والكتل السياسية فيكون هذا الغياب سلبياً، إذ اعتادت تلك القوى والشخصيات على وجود ضابط وضاغط عليها وشرطي في بعض الأحيان، وهذا لا يشمل القوى السياسية الشيعية فقط، بل حتى السنّية التي رضخت عشرات المرات لإرادات وقرارات سليماني أيضاً على حساب جمهورها".

من جهته، قال المحلل السياسي نجم القصاب، لـ"العربي الجديد"، إنه "للمرة الأولى في العراق، يكلف رئيس وزراء من المكوّن الشيعي ويفشل، وهذا الفشل سببه من داخل البيت السياسي الشيعي، وليس من البيت السنّي والكردي، ولو كان هناك اتفاق لتم تمرير علاوي بالأغلبية التي يمتلكها في البرلمان العراقي". ولفت إلى أنه "بعد اغتيال قاسم سليماني، يلاحظ عودة الصراع على الزعامة أو التصدر بين القيادات السياسية المختلفة، وكل شخص يعتقد أنه هو المؤثر وهو المفاوض، وهذا سبب تأخير حسم اختيار رئيس الوزراء، وسبب إفشال تمرير علاوي".

وأشار القصاب إلى أن "هناك متغيرين بالعراق أثرا بشكل كبير على العملية السياسية، الأول التظاهرات العراقية، وما سبّبته من حرج وتأثير لكل القوى والكتل السياسية، والثاني اغتيال سليماني، لأن إيران لم تعد في العراق كما كانت قبل اغتياله، ولا يوجد بديل عنه، والصراع أو الخلافات ستزداد بين القوى والزعامات السياسية". واعتبر أن "إيجاد شخصية بديلة عن سليماني أصبح من التاريخ والماضي، ما لم تغير إيران سياستها وبرامجها داخل المشهد السياسي العراقي، مع تغيير الوجوه التي كانت وما زالت تتحدث عن أنها قريبة من إيران، فالمشهد سيكون أكثر تعقيداً، فإذا جرت انتخابات، هذا يعني عزل كل الجيل السياسي الأول القريب من إيران".

في المقابل، قال الباحث هشام الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن "غياب سليماني تعتبره الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية التي تساندها في العراق خسارة كبيرة، ولا يوجد حالياً من يتمكن من سد الدور الذي كان يقوم به". وبيّن الهاشمي أن "مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني، ليست لديه مهمة سليماني، فهو من الكوادر الوسطية التي تيسر الحوار بين الأحزاب السياسية الشيعية والسنّية، وغير صحيح أنه تسلم مهمة ضابط إيقاع الحوار الشيعي - الشيعي".

وتوقع أن تعيد إيران الدعم للمالكي، ليكون هو "اختيار" البيت السياسي الشيعي، بالتعاون مع قيادة تحالف "سائرون" ومنظمة "بدر"، في تنسيق مهمة اختيار رئيس وزراء جديد، مضيفاً "أي شخصية لن تمر إلا بموافقة المالكي، مع مراعاة فيتو تحالف سائرون ومراعاة مقترحات منظمة بدر، فلا يوجد شخص عراقي أو لبناني يستطيع أن يكون ضابط إيقاع الفصائل والأحزاب الشيعية في العراق مثل سليماني". أما محافظ الموصل السابق، القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أثيل النجيفي، فتحدث عما يصفه الكلمة المسموعة لسليماني التي غابت لدى قادة الكتل السياسية، وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى الآن لا يوجد شخص يستطيع القيام بدور قاسم سليماني، وإيران غير قادرة على إيجاد شخصية بديلة لقاسم سليماني في العراق، وإيجاد البديل ليس صعبا، لكنه مستحيل".

من جهته، قال عضو البرلمان باسم خشان، لـ"العربي الجديد"، إن "عدم تمرير حكومة علاوي ليس بسبب خلاف علاوي مع القوى السنّية والكردية على المناصب، بل بسبب الخلافات والصراعات بين القوى السياسية الشيعية". ولفت إلى أنه "في الساعات الأخيرة قبل اعتذاره، قرر علاوي إعطاء وزارات إلى القوى السنّية والكردية، لكن الخلاف داخل البيت السياسي الشيعي هو الذي منع تمرير حكومة علاوي، وهذه الخلافات هي الآن تقف عائقاً حقيقياً أمام اختيار رئيس الوزراء الجديد". وأضاف أن "استمرار الصراع على الزعامة أو النفوذ في الدولة العراقية، سوف يمنع تمرير كثير من المشاريع التي تصب بصالح العراقيين، ومنها حكومة مستقلة".


المساهمون