نجاح المعارضة بـ"ملحمة حلب": مفاجأة النظام وتلافي الأخطاء السابقة

01 نوفمبر 2016
وجّهت المعارضة ضربات سريعة للنظام وحلفائه(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تخوض المعارضة السورية المسلحة، منذ أيام، معارك تُوصف بـ"الضارية" مع قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني ومليشيات إيرانية موالية لها في مناطق غرب مدينة حلب كبرى، مدن الشمال السوري، وأدت إلى تقهقر النظام وحلفائه عن مواقع تشهد للمرة الأولى اشتباكات داخلها، وتقدّم قوات المعارضة التي تسعى إلى فك الحصار عن نحو 300 ألف مدني محاصرين في المدينة، وتطوير الهجوم للسيطرة على كامل المدينة التي يرى مراقبون أن مصيرها سيغيّر أغلب معادلات الصراع في سورية.
وبدأت قوات المعارضة، صباح الجمعة، الفائت معركة "ملحمة حلب الكبرى" بتكتيك عسكري جديد، أفضى إلى تقهقر قوات النظام، والمليشيات الطائفية التي تلقّت ضربات عسكرية متلاحقة من الجهة التي لم تكن تتوقع أن تبدأ المعارضة عملياتها منها، وهي الجهة الغربية من المدينة.
وسيطرت قوات المعارضة، خلال ساعات، على "ضاحية الأسد" في مدخل حلب الغربي، الأمر الذي كان له "وقع الصدمة" على دفاعات قوات النظام، فاضطرت إلى الانسحاب من مناطق أخرى، ما مكّن قوات المعارضة من التقدّم باتجاه قلعة النظام الحصينة، وهي الأكاديمية العسكرية التي باتت للمرة الأولى في مرمى نيران المعارضة، ومعرضة للعزل والتطويق الكامل.
وتوغّلت قوات المعارضة في أحياء "مسترخية" تحت سيطرة النظام، ما شكّل ضغطاً إعلامياً كبيراً على قوات النظام، التي وجدت نفسها في موقع المدافع أمام الاندفاعة الكبرى لقوات المعارضة، التي اختارت مكان وتوقيت المعركة، ما أدى إلى تخبط كبير في قوات النظام، وهو ما أكده أبو يوسف المهاجر، المتحدث العسكري باسم "حركة أحرار الشام الإسلامية"، في حديث مع "العربي الجديد" عن مجريات المعركة. وقال المهاجر، إن قوات المعارضة حققت تقدّماً كبيراً وسريعاً في الساعات الأولى من المعركة في ضاحية الأسد ومعمل الكرتون، ما أدى إلى تخبّط كبير في دفاعات قوات النظام والمليشيات.
وأكد المهاجر أن قوات المعارضة اعتمدت في خططها العسكرية على توسيع جبهة الهجوم، وضرب القوات المعادية من أكثر من محور "ضربات سريعة"، وعدم أخذ "وضعية الدفاع"، مشيراً إلى أنه كان للأحوال الجوية دور كبير في تحييد سلاح الطيران، خصوصاً في اليومين الأولين للمعركة (الجمعة والسبت)، ما ساعد قوات المعارضة على التقدّم الكبير. وأوضح أن قوات المعارضة حاولت تحييد الطيران من خلال حرق الدواليب، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن قرب قوات المعارضة من قوات النظام، دفع الطيران الروسي إلى قصف الأخيرة سبع مرات عن طريق الخطأ.


وأكد محللون عسكريون أن قوات المعارضة، استفادت من معارك سابقة مع قوات النظام والمليشيات، وتلافت كثيراً من الأخطاء العسكرية التي وقعت بها، ومنها القتال في مناطق مكشوفة للطيران، وأدت إلى تراجعها عن مناطق طردت منها قوات النظام، واتّبعت في "ملحمة حلب الكبرى" تكتيكاً عسكرياً ناجحاً اعتمد على عنصر المفاجأة لإرباك العدو.
ورأى العميد زاهر الساكت، رئيس "المجلس العسكري الثوري" السابق في حلب، أن قوات المعارضة التي توغّلت في حلب "استفادت من تجربة معارك الكليات العسكرية في بداية شهر أغسطس/آب الماضي والتي لم تستطع الصمود فيها لأكثر من شهر، لأن أرض المعركة كانت مكشوفة بحيث يستطيع الطيران بسهولة تحديد الأهداف وضربها"، مضيفاً: "اختارت المعارضة هذه المرة اختراق دفاعات النظام من منطقة مغايرة لخلق تماس مع قوات النظام والمليشيات، والتوغّل في أحياء سكنية خاضعة للنظام لتحييد سلاح الطيران تماماً، وهو ما تحقق، إذ لم يستطع الطيران الروسي وطيران النظام فعل شيء لإيقاف قوات المعارضة".
وأوضح الساكت في حديث مع "العربي الجديد" أن قوات المعارضة اختارت الاقتراب من "القلعة الحصينة"، وهي الأكاديمية العسكرية في جنوب غرب حلب، مشيراً إلى أن سقوطها بيد هذه القوات "سيؤدي إلى انهيار قوات النظام والمليشيات، ومن ثم السيطرة على المدينة بشكل كامل"، وهو ما تسعى إليه المعارضة وتعمل من أجله.
وأشار الساكت إلى أن قوات المعارضة تمكّنت من تطويق الأكاديمية بشكل شبه كامل، ومنعت المليشيات من المرابطة حولها بعد السيطرة على "ضاحية الأسد"، وعلى المناشر ومنيان، والتوغّل في حيي الحمدانية وحلب الجديدة، واقترابها من "دوار الموت"، الذي لا يبعد سوى 400 متر عن سور الأكاديمية العسكرية من الجهة الشرقية، موضحاً أن التوغّل أكثر في الحمدانية يمكّن قوات المعارضة من الوصول إلى حي المشهد الذي يقع تحت سيطرة المعارضة في جنوب شرق حلب، ما يعني كسر طوق الحصار عن الأحياء الشرقية، وتحقيق الهدف المرحلي من هذه المعركة.
ولفت الساكت إلى أن "التماس مع قوات النظام والمليشيات أدى إلى تراجع السحابات الملوثة بالأسلحة المحرمة التي أطلقها النظام الأحد على قوات المعارضة إلى قواته والمناطق التي تقع تحت سيطرته، ثم ادعى أن قوات المعارضة استخدمت غازات سامة". ورأى أن معركة السيطرة على حلب "طويلة"، ولكنه أكد أنها ستنتهي لمصلحة المعارضة، مضيفاً: "لن يترك السوريون مدينة حلب مهما كلّف هذا الأمر من أثمان"، مشيراً إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يحاول مساعدة قوات النظام، إذ قام منذ يومين بتسليم مدرسة المشاة في شمال حلب من دون إطلاق طلقة واحدة.
ولا يزال نظام الأسد يمتلك كثيراً من المواقع العسكرية الهامة داخل مدينة حلب، ولكن الأكاديمية العسكرية أكثرها تحصيناً ورمزية بالنسبة للنظام، وتعد مقر قيادة لقوات النظام وحزب الله والمليشيات. وأشارت مصادر في المعارضة السورية المسلحة إلى أنها مركز التجمّع الأهم لقوات النظام قبل التوجّه للجبهات، مشيرة إلى أن النظام أقام حولها خطوط دفاع محكمة.
وجاءت "ملحمة حلب الكبرى" عقب حملة جوية ارتكب خلالها الطيران الروسي وطيران النظام مجازر يومية استمرت نحو شهر كامل، وأدت إلى انسداد الآفاق أمام حلول سياسية للقضية السورية، وكان من الواضح أن موسكو وطهران اتخذتا قراراً بالحسم العسكري. وباءت بالفشل كل محاولات المجتمع الدولي في إيصال المساعدات الإنسانية إلى نحو 300 ألف مدني محاصرين في شرق حلب، واصطدمت برفض روسي تجسّد أكثر في مجلس الأمن الدولي مع استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) لمنع تمرير مشروع قرار فرنسي يدعو إلى إغاثة المحاصرين في حلب.
وفي هذا الصدد، أكد بسام حاج مصطفى، عضو المكتب السياسي في "حركة نور الدين الزنكي"، كبرى الفصائل المقاتلة في حلب، أن قوات المعارضة "تهدف بالدرجة الأولى إلى كسر الحصار عسكرياً، وإلى إيضاح فكرة أن العالم لم يقدّم إلى الآن حلاً سياسياً، ولم يضع حداً للغطرسة الروسية، وحرب الإبادة التي تشنّها قوات النظام وحلفاؤه على الشعب السوري". وأشار حاج مصطفى إلى أن تعطيل الحل يجيء من روسيا، مضيفاً: "موسكو تحاول تغيير الواقع العسكري بضراوة لإبقاء بشار الأسد في السلطة، وفي سياق ذلك يرتكب الروس والنظام عمليات إبادة وحصاراً وتهجيراً، تزيد الأمور تعقيداً"، موضحاً أنه "إذا استمرت سياسة الأرض المحروقة من الروس والإيرانيين والنظام سنصل إلى طريق اللاعودة".