لبنان يترقب الضربة الأميركية لسورية: هل يلتزم "النأي بالنفس"

12 ابريل 2018
التناقض السياسي والشعبي من الضربة المُتوقعة (Getty)
+ الخط -
يترقب اللبنانيون عبور الطائرات أو الصواريخ المُجنّحة، التي ستستهدف مواقع جيش النظام السوري، بعد اقتراب اكتمال التحضيرات الغربية لتنفيذ عملية عسكرية، رداً على الهجوم الكيميائي الذي شنّه النظام في دوما.


ويسود في لبنان التناقض السياسي والشعبي من الضربة المُتوقعة، كما كان الحال منذ اندلاع الثورة السورية وحتى اليوم. وقد زادت تصريحات المسؤولين بشأن الضربة من حدة الاصطفاف اللبناني بين فريق يؤيد الضربة، ويعتبرها تصحيحاً لمسار التعامل الغربي مع الثورة السورية التي انطلقت قبل 7 سنوات، وبين من يُعارض الضربة لاعتبارات قومية أو لأنهم داعمون لنظام بشار الأسد، رغم كل الانتهاكات الجسيمة وكل المجازر التي تم ارتكابها.

وقد استمر الخلاف بعد أن اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن "سياسة النأي بالنفس لا تعني القبول بقصف سورية"، وأن "دعاة النأي بالنفس في هذه الحالة يساهمون بالعدوان على سورية".

ووصف رئيس المجلس النيابي الذي نأى بنفسه عن أي لقاءات خارج الإطار البروتوكولي العام مع مسؤولي النظام السوري منذ سبع سنوات وحتى اليوم، استخدام المجال الجوي اللبناني لاستهداف قوات النظام في سورية بأنه "انتهاك صارخ للسيادة اللبنانية". وبعكس حليفه المُباشر "حزب الله"، فإن بري منع مشاركة أي من عناصر "حركة أمل" التي يرأسها في القتال إلى جانب النظام السوري. لكن موقف بري المبدئي تعارض مع موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي شكّل "إعادة التزام كل القوى المُشاركة في الحكومة بسياسة النأي بالنفس" مدخلا لعودته إلى رئاسة الحكومة بعد الإقامة غير الطوعية والاستقالة الجبرية التي أعلنها من الرياض نهاية العام الماضي.

وبعد أن قال الحريري إن "لبنان يلتزم النأي بالنفس بشأن الضربة العسكرية الأميركية"، تحدث في جلسة مجلس الوزراء اليوم عن "العمل على تحييد لبنان من أي مشاكل يمكن أن تصيبه نتيجة هذه التطورات".

ورغم الخلاف السياسي القائم بين الحريري وبين رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، فإن الأخير ضم صوته إلى صوت الحريري، ورفض تصريحات بري. وقال جعجع رداً على تصريحات رئيس البرلمان "إن النأي بالنفس يعني النأي بالنفس ونقطة على السطر".​



وفي جلسة مجلس الوزراء أيضاً، أعلن رئيس الجمهورية، ميشال عون، أن "لبنان يعتبر استعمال الطيران الحربي الإسرائيلي للأجواء اللبنانية اعتداء على سيادتنا ولن نقبل أن تستبيح إسرائيل أجواءنا، وإن أي اعتداء إسرائيلي على أي دولة عربية ندينه ونستنكره"، وقال "إن لبنان سيرفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، ضد الانتهاك الإسرائيلي للسيادة اللبنانية".​

وفي ظل تواضع الإمكانات العسكرية للجيش اللبناني، يُخشى أن تتحول الأجواء اللبنانية إلى مساحة اشتباك جوي بين القوات الروسية المُنتشرة في سورية، وبين القوات الجوية الغربية والعربية التي ستشارك الولايات المُتحدة في توجيه الضربة. علماً أن روسيا تعهدت باعتراض الصواريخ التي قد تُطلق باتجاه سورية.

ولا تبدو إسرائيل بعيدة عن المشهد، وهي التي انتهكت المجال الجوي عشرات المرات خلال توجيه ضربات من فوق البحر ومن فوق المثلث الحدودي اللبناني السوري الفلسطيني باتجاه أهداف لبنانية وسورية داخل الأراضي السورية. يُذكر أن مُخلفات إسقاط طائرة "أف 16" الأميركية قبل أشهر، تناثرت فوق مناطق واسعة جنوب لبنان وفي فلسطين المُحتلة وصولاً إلى الأردن. ومن شأن أي عمليات جوية واسعة فوق لبنان أن تؤدي إلى ارتفاع مخاطر إصابة مدنيين بالأذى.



وبعكس مُختلف أطراف الصراع التي استبقت الضربات بتصريحات نارية، يغيب مسؤولو "حزب الله" عن السمع، وهم يلتزمن أصلا بسياسة عدم التصريح بشكل عام. لا يزال الحزب حاضرا عسكرياً على طول الحدود اللبنانية السورية، بعد أن حوّل مدينة القصير في ريف حمص إلى قاعدة عسكرية حدودية له، إلى جانب انتشاره في القلمون، دمشق، الجولان، حلب، وغيرها من المناطق السورية. ورغم سحب قواته الضاربة من هناك بعد انتفاء التهديد العسكري عن الكثير من المناطق مع انكفاء فصائل المعارضة السورية خلال السنوات الماضية، إلا أن الحزب لا يزال حاضرا عبر مستشاريه العسكريين وعبر قوات التعبئة التي تنتشر على الجبهات المُجمدة في سورية.



وقد سبق لعناصر الحزب أن شاركوا في العمليات العسكرية الدولية في سورية بعد مشاركتهم في عمليات البحث عن الطيار الروسي الذي أسقطت القوات التركية طائرته، وفي عمليات منطقة الفرات التي تداخلت فيها العمليات العسكرية للنظام وروسيا مع عمليات التحالف الدولي لمحاربة "داعش". وشكّلت قافلة مقاتلي "داعش" التي حاول "حزب الله" تأمين مغادرتها من حدود لبنان مع سورية إلى حدود سورية مع العراق العام الماضي، والتي رد التحالف الدولي بقصفها في رسم ميداني وسياسي لحدود عمل الحزب في سورية ميدانياً، أبرز الاحتكاكات الأميركية في سورية مع الحزب المدعوم من إيران.

وباستثناء إعلان شركة "طيران الشرق الأوسط" عن تعديل مسار الرحلات، لتجنب المرور فوق الأجواء السورية، فإن لبنان الرسمي لم يُعلن عن أي استعدادات لوجستية أو ميدانية للتعامل مع الضربة في حال وقوعها. وقد خالفت "طيران الشرق الأوسط" كل التوجهات الدولية بشأن تجنب الأجواء السورية منذ سنوات، وذلك لأسباب تجارية فقط، لكن حجم الضربة المُتوقعة فرض على الشركة التزام إجراءات سلامة الطيران الدولية هذه المرة. ​وقد تم تداول مجموعة إشاعات خلال الساعات الماضية، من صور لقطع عسكرية روسية وغربية قبالة الشواطئ اللبنانية، وصولاً إلى الحديث عن مناورات لطيران حربي جنوبي لبنان.