الأمن القومي الجزائري يبحث سيناريوهات المرحلة المقبلة

09 مارس 2019
تظاهر الطلاب رفضاً لقرار الإجازة القسرية (فاروق بطيش/الأناضول)
+ الخط -
تضيق الخيارات أمام معسكر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي يدير المشهد السياسي والأمني في الآونة الأخيرة، لا سيما بعدما أوصل المحتجون الذين يرفضون ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، رسالة واضحة  الجمعة، عندما احتشدوا بأعداد غير مسبوقة، لتأكيد التمسك بمطلبهم. وسارع مجلس الأمن القومي في الجزائر للدخول في حالة انعقاد دائم منذ مساء يوم الجمعة الماضي، لتقييم الحراك الشعبي الذي يقترب من دخول أسبوعه الرابع، ومناقشة التطورات المتصلة به وترتيب السيناريوهات المستقبلية، لا سيما بعد الدعوة لإضراب عام الاثنين، في وقت قررت فيه السلطات غلق الجامعات بدءاً من الأحد، في محاولة منها للحد من أعداد المشاركين في التظاهرات.

واجتمع منذ مساء الجمعة قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح والمنسق العام لجهاز الاستخبارات الجنرال عثمان طرطاق، المعروف بـ"بشير"، ومديرو الفروع الثلاثة للجهاز الأمني، ومدير جهاز الأمن العام عبد القادر بوهدبة، ورئيس الحكومة أحمد أويحيى ووزير الداخلية نور الدين بدوي، ومستشار في الرئاسة لم يذكر اسمه. وفي حين أنه لم تصدر عن الاجتماع أية قرارات، فإن بعض التسريبات تتحدث عن أن الاجتماع المستمر، منذ يوم الجمعة الماضي، يمهد لقرارات سياسية حاسمة، تذهب في اتجاه إرجاء الانتخابات، سواء لفترة محددة، أو وفق الاستحقاق الدستوري المتضمن في المادة 102 التي تقر حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، وفق بيان يحيل إلى المبررات الطبية، كمخرج مُشرف للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ويهدأ الشارع ويتجاوب مع مطالب قوى المعارضة التي تتبنى مطالب الشارع.

ويأتي هذا الاجتماع بعد اجتماع عالي المستوى عقده قايد صالح، الأربعاء الماضي، مع كبار قادة الجيش للمناطق العسكرية الحيوية، التي تضم العاصمة الجزائرية والمناطق القريبة منها، لاستقراء الوضع الأمني على خلفية الحراك الشعبي وتداعياته. ولم تتسرب عن الاجتماع أية تفاصيل عدا تأكيد مناقشة القيادات العسكرية خطة وضع الجيش في حالة تأهب دائم لمواجهة أية تطورات، والمحافظة على أعلى مستويات ضبط النفس وتفعيل رفع مستوى التنسيق الأمني المحلي والمركزي حول تطورات الحراك الشعبي.

وخلال الفترة الأخيرة قدمت قيادة الجيش إشارات ايجابية لافتة لصالح الحراك، من خلال تأكيد بيان الجيش، الذي نشر الجمعة، على "التلاحم بين الجيش والشعب". لكن النشطاء في الحراك الشعبي، كما قيادات المعارضة السياسية، لا يبدون اهتماماً بحسابات السلطة، أكثر من انتظارهم لقرار أولي يخص عدم إجراء الانتخابات في 18 إبريل/ نيسان المقبل، والتراجع عن ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وتتفق المواقف بين النشطاء وقوى المعارضة بشأن أولوية تطبيق المخرجات الدستورية التي تقرها المادة 102 من الدستور. ويبدي الحقوقي والناشط في الحراك الشعبي عبد الغني بادي مخاوفه من أنه "وبرغم أن السلطة تبدو مستسلمة لمنطق الأمر الواقع الذي فرضه الشارع، فإنه لا يبدو أن لديها خيارات كثيرة، وليس أمامها غير اللجوء إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، إلا أن ذلك لا يلغي مخاوفنا من أن تصم السلطة آذانها وتصر على الاستمرار في المغامرة، ووقتها ستكون كل السيناريوهات ممكنة". واعتبر أن "الشارع هو الذي يملك أكثر من خيار، ويمكن القيام بخطوات تصعيدية لاحقاً في حال أصرت السلطة على تجاهل مطالب الحراك". وتزامنت اجتماعات القيادات العسكرية مع دعوات لإضراب عام بدءاً من غد الإثنين، وذلك قبل يومين من إعلان المجلس الدستوري القائمة النهائية للمرشحين لانتخابات الرئاسة، والتي أعلن أبرزهم الانسحاب منها، مثل رئيس جبهة المستقبل بلعيد عبد العزيز، فيما رفض اللواء علي غديري الانسحاب من السباق الرئاسي.

وفي سياق آخر، أقدمت السلطات الجزائرية على غلق الجامعات بدءاً من الأحد، وتسريح الطلبة لتلافي التظاهرات الحاشدة ضد ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وأقدمت وزارة التعليم العالي الجزائرية على اتخاذ قرار مفاجئ عن بدء عطلة الربيع في الجامعات الأحد، وحتى الرابع من إبريل/ نيسان. وأعلنت الوزارة، في بيان، أن "هذه الإجراءات لا تطبق على الموظفين الإداريين والتقنيين". وكانت إجازة الربيع مقررة في 21 مارس/ آذار الحالي قبل أن يتم تقديمها إلى الأحد، ما يعني بقاء الطلبة من دون دراسة ما يقارب 25 يوماً، فيما اعتاد الطلبة على عطلة تبلغ 15 يوماً فقط. وحال صدور القرار خرجت تظاهرات طلابية في العاصمة رفضاً للقرار الحكومي. ووصف الطلبة والأساتذة الجامعيون القرار بالمستفز، فيما أعلنت التنسيقية المستقلة للطلبة استمرار حراكها الطلابي، ودعت إلى مسيرات صباح الأحد في كل الجامعات ضد قرار الوزارة. وقال العضو في تنسيقية الطلبة المستقلين في كلية العلوم السياسية في العاصمة الجزائرية عبد الجليل حماس إن "قرار الوزارة مفاجئ ومستفز وينم عن ارتباك واضح. لا يمكن لقرار كهذا أن يدفع الطلبة إلى الانفصال عن الحراك الشعبي، سواء كانوا في الجامعات أو عادوا إلى ولاياتهم"، مشيراً إلى أن قيام الحكومة بإرسال الطلبة إلى منازلهم يخدم الحراك، إذ سيسمح هذا الأمر للطلبة بالمساعدة في تنظيم وتأطير الحراك في ولاياتهم.

المساهمون