ويشرح لازار في المقابلة أنّ بذور العلاقات مع بوتين، بدأت في واقع الحال في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، مع تعيين الأخير رئيساً للحكومة في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، حيث أبدى بوتين من اللحظة الأولى استعداداً لاستقبال وفد عن يهود روسيا للبحث في مشاكلهم وقضاياهم الخاصة، بما في ذلك مسألة السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، بحسب الحاخام.
ومع أنّ لازار ينتمي إلى تيار حركة "حاباد" التي لا يعرف عنها الانشغال في السياسة (على الأقل في الجدل السياسي داخل الحركة الصهيونية وفي دولة الاحتلال في قضايا الدين والدولة، خلافاً مثلاً للأحزاب الحريدية)، إلا أنّ مراسل "يسرائيل هيوم" يقول في حديثه عن الحاخام المذكور، إنه عملياً أحد "الأشخاص المهمين في القيادات اليهودية في روسيا، وصاحب أثر كبير في تحريك الأمور الجدية في أروقة الحكم الروسي، ليس كساعٍ يهودي تقليدي، وإنما كحاخام ومثقّف ويهودي فخور، يسعى الحكم الروسي لسماع رأيه والأخذ بنصيحته في القضايا المطروحة على جدول الأعمال الروسي وفي العالم".
ومن هذا المنظور، ينقل المراسل عن الحاخام تصريحات خطيرة، تبدو مفاجأة لناحية عمق التأثير اليهودي الداخلي في روسيا، بما يلقي الضوء ربما على أحد أسباب وعوامل عمق العلاقة الحالية بين روسيا بوتين وإسرل ائينتنياهو، وانعكاس ذلك على الأزمة الأخيرة بين روسيا وإسرائيل على خلفية إسقاط الطائرة الروسية "إيل 20" فوق الأجواء السورية أخيراً.
ويضع لازار الأمور في نصابها، كما يراه هو من داخل روسيا، كشخص يعرف السياسات الداخلية وموازين القوى ومَن هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، فيقول للصحيفة: "ما يقوله الرئيس بوتين هو الأساس، كلماته هي صاحبة القرار في روسيا. يؤلمني ما تقوله وزارة الدفاع (بشأن إسقاط إسرائيل للطائرة الروسية)، ولكن عموماً في روسيا يوجد وزن أكبر لكلمات بوتين من أي كلمات أخرى"، مضيفاً "بوتين يقول كلمات واضحة: يجب استخلاص العبر مما حدث حتى لا يتكرّر". ويرى الحاخام أنّ "ما حدث لا يشبه إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وواضح من أقوال الرئيس أنّه يعرف أنه لم تكن لدى إسرائيل نية للقيام بعمل ضد روسيا، وقع هنا خطأ ويجب التعلّم منه. أعرف أنّه يوجد اليوم تعاون كامل بين روسيا وإسرائيل في كل ما يتعلق بسورية".
ولا تقف تصريحات لازار عند الحديث عن التعاون الروسي الإسرائيلي، بل يتعدّى ذلك للقول إنه "على إسرائيل أن تعلم أنّ روسيا تحمي حدودها، وأنها تدرك معنى المسؤولية الملقاة عليها في ما يتعلّق بحماية المصالح الإسرائيلية. أعتقد صدقاً أنّ الروس لا يريدون أن تتضرّر إسرائيل مما يحدث في سورية". ويتابع "نشأ وضع شائك للغاية مع إيران وتركيا وسورية التي لا تتفق فيما بينها، وإسرائيل ضمن هذه اللعبة خلافاً لرغبتها، لكن لا خيار أمامها. روسيا تدرك أنّ عليها أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه هذا الوضع، ومن المهم أن تستمرّ هذه التفاهمات وتبقى سارية".
ويضيف لازار: "الأمر المهمّ الآخر هو أنّ روسيا ضالعة في كل ما يحدث في سورية. يجب منحها شعوراً بأننا نعتمد عليها ونريد أن نرى حقاً أنها تتولى المسؤولية. لم تدخل روسيا إلى سورية عبثاً، وإنما لأنها أدركت أنّ الوضع هناك على وشك الانهيار وكاد ينقلب رأساً على عقب لصالح تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى"، موضحاً أنه "في ما يتعلّق بوقف الإرهاب وتثبيت الوضع، فإن روسيا وإسرائيل تتشاطران التفكير نفسه، ولهما عدو مشترك: الإرهاب، وهنا يجب التعاون الكامل بينهما، وإلا سيكون من الصعب التغلّب عليه (يقصد الإرهاب، في إشارة إلى الثورة السورية)".
ويلفت لازار إلى جانب مهم في فكر حركة "حاباد" التي ينتمي إليها، والقائل بوجوب انخراط اليهودي كلياً في حياة الدولة التي يعيش فيها (خلافاً لدعوات الانعزال لحركات الحريديم) وأن يتعلّم وفق منهاجها ويخدم فيها حتى يشعر بأنه جزء منها، مع الحفاظ على هويته وحياته اليهودية بموازاة ذلك. ويستمد لازار شرعية ذلك من حياة آخر قادة حركة "حاباد" وفق منهاجها الديني والروحي، وهو الحاخام ميلوفافيتش، (من بروكلين، توفي عام 1994، ويعتبر آخر قادة الحركة، وبعض أتباعه يرفض الاعتقاد بموته، بل يؤمن بانتقاله لحالة روحية أخرى وأنه سيعود في آخر الزمان)، ليقول إنّ هذا المنهاج كان في حياته أمراً واقعاً يجسّد مقولة كون اليهودي يهودياً أينما كان في كل مكان، ومرتبطاً بمكانه الذي يعيش فيه (خلافاً أيضاً لمقولات الحركة الصهيونية التي تدعو لتجميع اليهود وهجرتهم إلى فلسطين).
ومع أنّ لازار يحاول تصوير أوضاع اليهود في روسيا أواخر سنوات النظام الشيوعي، في عهد ميخائيل غورباتشوف، بأنّها "مزرية"، إلا أنّه يقرّ بأنه، وخلال وقت قصير من وصوله إلى موسكو، في عام 1991، تمكّن من تنظيم لقاء رسمي مع الأخير، ومع يلتسين، مضيفاً "لكن التغيير عملياً كان في اللقاء الأول مع بوتين عندما كان لا يزال رئيساً للحكومة، وعملياً أيضاً في بداية توليه المنصب، حيث التقى وفداً يمثّل مختلف الجاليات اليهودية في روسيا". وأبدى بوتين وقتها، بحسب الحاخام لازار، "معارضة لهجرة اليهود من روسيا، لكنّه وعد بتغيير أوضاعهم، إلا أنّ أحداً لم يعتقد بقدرته على البقاء في منصبه أو أن يفي بوعوده".
وقد جاء التغيير المنشود عملياً عام 1993، بعد تولي بوتين منصب الرئاسة ومشاركته رسمياً في ذلك العام في تدشين مبنى للجاليات اليهودية في موسكو، حيث تعهّد مجدداً بـ"أن يعيش اليهود في روسيا بفخر".
مع ذلك، يقول لازار إنّه في ما يتعلّق بالأزمة بين روسيا وإسرائيل، فإنّ "الجالية اليهودية لا تتدخّل في البعد السياسي بسبب احتمالات تبدّل المصالح"، لكن ذلك لا يعني أنّه لا يقول رأيه الشخصي وأن يطرح مسألة ما، لكن "من دون التدخّل سياسياً".
ولا يخفي لازار في المقابلة الفائدة والحكمة من وراء فلسفة حركة "حاباد" بشأن الانتشار لليهود في أنحاء العالم، وذلك "لمنع حالة إبادة الجماعة اليهودية مرة واحدة". ويقول إنّ "من وراء هذا الانتشار فائدة من وجود جاليات منتشرة تقدّم المساعدة والمعونة لدولة إسرائيل من خلال علاقاتها التي تنسجها مع القيادات السياسية في الأوطان التي تعيش فيها، أو مع قيادات قطاع الأعمال والمال. فلا يمكن أن نعرف متى ستحتاج جالية إلى المساعدة من جالية أخرى". ويتابع "أعتقد أنّ وجود جاليات يهودية قوية في العالم، يشكّل أكبر مساندة لإسرائيل. فالجالية هنا في روسيا، ساهمت كثيراً في تعزيز العلاقات بين الدولتين. تخيّل مثلاً لو لم يكن هناك يهود في الولايات المتحدة، ولو هاجروا جميعاً إلى إسرائيل، فهل سيكون ذلك جيداً لإسرائيل؟ هدفنا الأول جميعاً هو منع اختفاء الشعب اليهودي".