أكثر من أي وقت مضى، تتصدر مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، المخططات الإسرائيلية الهادفة لضمها وتهويدها، على غرار مدينة القدس المحتلة، سياسياً وجغرافياً وديمغرافياً، وهو ما عكسه اقتحام رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس دولة الاحتلال رؤبين ريفلين وقادة الاحتلال الأربعاء الماضي المدينة التي خنقها الاستيطان.
وفيما يصر المستوى الرسمي الفلسطيني على اعتبار الاقتحام فصلاً مهماً في دعاية نتنياهو الانتخابية لكسب مزيد من الأصوات، حسب كل التصريحات الرسمية الفلسطينية من القيادة والحكومة، إلا أن واقع الحال على الأرض يثبت أن الخليل دخلت مرحلة الضم لدولة الاحتلال.
ويرفض خبراء في الشأن الإسرائيلي ما ذهبت إليه القيادة الفلسطينية من وصف الاقتحام بأنه ضمن الدعاية الانتخابية، مؤكدين أن من قاموا بالاقتحام إلى جانب نتنياهو، هم منافسوه السياسيون من أحزاب أخرى إلى جانب رئيس دولة إسرائيل رؤبين ريفلين، ورئيس الكنيست يولي أدلشتاين، ومجموعة كبيرة من الوزراء والمسؤولين.
وقال الكاتب والمحلل في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الاقتحام الإسرائيلي لمدينة الخليل يوم الأربعاء، والذي يطلق عليه الإسرائيليون مصطلح "زيارة"، هو حسم فعلي لمستقبل الخليل. ويشير شديد إلى أن "هذه أول مرة يُنظم فيها احتفال رسمي إسرائيلي يضم الصف الأول من القيادة الإسرائيلية في منطقة محتلة وسط كثافة سكانية فلسطينية عالية"، مضيفاً: "كانت الخليل يوم الأربعاء لا تختلف عن مدينة تل أبيب لجهة السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتهويد المكان، لقد كانت خطوة فعلية متقدمة باتجاه الضم من دون الإعلان عنه".
وجرت السياسة الإسرائيلية عادة على فرض حقائق على الأرض لجهة السيطرة على الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات أو توسيعها، أو مصادرة الأراضي الفلسطينية تحت مبررات التدريب العسكري أو المحميات الطبيعية أو شق الشوارع للمستوطنين، وبعد تثبيت الوقائع على الأرض، يتم استصدار قانون من الكنيست الإسرائيلي لإعطاء الفعل غطاء قانونياً ومن ثم يتم الإقرار به وتبنيه سياسياً ودولياً عبر أذرع إسرائيل الدبلوماسية الطويلة.
ورأى شديد أن "إسرائيل ترغب بتلافي أي توتر مع الاتحاد الأوروبي وأصدقائها الدوليين الذين ما زالوا يتبنّون حل الدولتين، لذلك لم يتم الحديث عن ضم الخليل علناً، بل جاء عبر زيارة فعلية لجميع أركان دولة الاحتلال".
رسائل الضم العلني الإسرائيلي للخليل كانت كثيرة ولم تبدأ فقط من خطاب نتنياهو في ساحة الحرم الإبراهيمي الذي يخضع لتقسيم زماني ومكاني بين المسلمين واليهود المحتلين منذ 1994. وعلى الرغم من رسائل القوة الإسرائيلية الكثيرة، لكن المفارقة كانت عندما قال نتنياهو من خلف ستار عازل مصفح في خطابه في ساحة الحرم الإبراهيمي: "نحن لسنا غرباء في مدينة الخليل وسنبقى فيها إلى الأبد". حديث نتنياهو عن الغرباء يؤكده انتشار آلاف من جنوده في منطقة (H2) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة حسب بروتوكول الخليل عام 1997 الذي قسّم المدينة إلى (H1) خاضع للإدارة الفلسطينية و(H2) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. وحوّل الاحتلال هذه المنطقة ومحيطها من الحارات الفلسطينية المحيطة بالحرم الإبراهيمي إلى منطقة عسكرية مغلقة وزاد عدد الحواجز العسكرية فيها من 100 إلى 160 حاجزاً عسكرياً يوم الاقتحام، فضلاً عن استعراض مئات المستوطنين الذين يسيطرون على قلب البلدة القديمة في الخليل قوتهم وأسلحتهم الرشاشة، وهي مشاهد أكدت أن الإسرائيليين غرباء في المدينة ويحتاجون إلى آلاف البنادق لتنظيم خطاب وتأمين زيارة رسمية للمكان.
اقــرأ أيضاً
وقال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدران جابر، لـ"العربي الجديد": "لقد تم إغلاق كل المدارس والمتاجر في البلدة القديمة في الخليل والحارات المحيطة بها، وفرض منع للتجول، واقتحام البيوت وإبلاغ ساكنيها بعدم النظر من النوافذ أو الخروج لشرفات منازلهم وإلا سيكونون تحت طائلة رصاص الجنود". ولفت إلى أن الاحتلال قام "بشلّ أكثر من 45 في المائة من الخليل، أي القسم الذي يسيطر عليه الاحتلال بموجب اتفاق بروتوكول الخليل والحارات والشوارع المحيطة به، والتي تقع تحت السيطرة الفلسطينية لتأمين الاقتحام، إلى جانب إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام المسلمين ومنعهم من الصلاة فيه".
وجاء اقتحام نتنياهو والقيادة الإسرائيلية للخليل في الذكرى الـ90 لثورة البراق عام 1929 التي أطلقها ثوار ومقاومون فلسطينيون قاموا بقتل عشرات المستوطنين الذين سهّلت بريطانيا هجرتهم إلى فلسطين في ذلك الوقت بغرض الاستيطان المبكر تمهيداً للاحتلال الكامل لفلسطين عام 1948، وفي هذه الذكرى قال نتنياهو: "جئنا إلى الخليل من أجل التوحد مع الذاكرة، لقد جئنا للتعبير عن النصر". وأضاف: "لن ينجح أحد في طردنا من هذا المكان وسنبقى في الخليل إلى الأبد".
ومن أبرز رسائل الضم الإسرائيلية ما قام به رئيس الكنيست الإسرائيلي من زيارة لمبنى عائلة الرجبي، وهو مبنى سيطر المستوطنون عليه بأوراق مزورة، وطردوا ساكنيه الذين توجهوا إلى المحاكم لكن من دون جدوى. وتُعتبر زيارة رئيس الكنيست للمبنى بمثابة غطاء قانوني من أعلى جهة تشريعية في دولة الاحتلال للمستوطنين، بأن دولة الاحتلال ومؤسساتها ستتكفل بإعطاء غطاء قانوني لأي بيت فلسطيني تتم السيطرة عليه من قبل المستوطنين.
توجُّه الاحتلال لضم الخليل ليس بالجديد، فقد سبق هذا الاقتحام التاريخي من قيادات الاحتلال للحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة، إجراء لا يقل أهمية في يناير/كانون الثاني مطلع العام الحال، تمثّل في قرار نتنياهو عدم تجديد وجود بعثة الوجود الدولي المؤقت في الخليل، وهي بعثة مدنية كان تشارك فيها الدنمارك، وإيطاليا، والنرويج، والسويد، وسويسرا، وتركيا، وكانت مهمتها رصد الانتهاكات، وقامت برصد آلاف الانتهاكات التي ارتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين في البلدة القديمة وتل الرميدة، حيث يحتل المستوطنون المباني الفلسطينية بعد طرد سكانها وبحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي. فكان عدم التجديد للبعثة وطردها استجابة للمستوطنين الإسرائيليين وانسجاماً مع ضم الخليل لاحقاً لتجسيد إسرائيل التوراتية على الأرض.
وبانتهاء وجود هذه البعثة، لم تعد هناك عيون دولية ترى ما يفعله المستوطنون في الخليل من اعتداءات وقتل وسرقة بيوت الفلسطينيين ومتاجرهم في البلدة القديمة ومحيطها.
وأمام المساعي الإسرائيلية المتلاحقة للسيطرة على الأرض وضم المستوطنات في الضفة الغربية فعلاً وليس قولاً، بقي رد الفعل الفلسطيني يقتصر على بيانات التنديد والتحذير من "الحرب الدينية" الآتية، وتغطية إعلامية رسمية باهتة للاقتحام التاريخي، فيما لم تفعل السلطة الفلسطينية أي شيء عملي حتى الآن.
ويتساءل نشطاء وقيادات ميدانية فلسطينية ما الذي يمنع السلطة الفلسطينية من نقل مقر الحكومة إلى الخليل، وما الذي يمنع القادة الفلسطينيين من الحضور إلى الحرم الإبراهيمي ودعوة الشارع للتظاهر والوجود في الشارع، لا سيما أن آخر مرة زار فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخليل كانت عام 2012، ولم تتضمن هذه الزيارة الذهاب إلى الحرم الإبراهيمي أو البلدة القديمة حيث يواجه الفلسطينيون يومياً المستوطنين بظهر مكشوف.
اقــرأ أيضاً
وفيما يصر المستوى الرسمي الفلسطيني على اعتبار الاقتحام فصلاً مهماً في دعاية نتنياهو الانتخابية لكسب مزيد من الأصوات، حسب كل التصريحات الرسمية الفلسطينية من القيادة والحكومة، إلا أن واقع الحال على الأرض يثبت أن الخليل دخلت مرحلة الضم لدولة الاحتلال.
ويرفض خبراء في الشأن الإسرائيلي ما ذهبت إليه القيادة الفلسطينية من وصف الاقتحام بأنه ضمن الدعاية الانتخابية، مؤكدين أن من قاموا بالاقتحام إلى جانب نتنياهو، هم منافسوه السياسيون من أحزاب أخرى إلى جانب رئيس دولة إسرائيل رؤبين ريفلين، ورئيس الكنيست يولي أدلشتاين، ومجموعة كبيرة من الوزراء والمسؤولين.
وجرت السياسة الإسرائيلية عادة على فرض حقائق على الأرض لجهة السيطرة على الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات أو توسيعها، أو مصادرة الأراضي الفلسطينية تحت مبررات التدريب العسكري أو المحميات الطبيعية أو شق الشوارع للمستوطنين، وبعد تثبيت الوقائع على الأرض، يتم استصدار قانون من الكنيست الإسرائيلي لإعطاء الفعل غطاء قانونياً ومن ثم يتم الإقرار به وتبنيه سياسياً ودولياً عبر أذرع إسرائيل الدبلوماسية الطويلة.
ورأى شديد أن "إسرائيل ترغب بتلافي أي توتر مع الاتحاد الأوروبي وأصدقائها الدوليين الذين ما زالوا يتبنّون حل الدولتين، لذلك لم يتم الحديث عن ضم الخليل علناً، بل جاء عبر زيارة فعلية لجميع أركان دولة الاحتلال".
رسائل الضم العلني الإسرائيلي للخليل كانت كثيرة ولم تبدأ فقط من خطاب نتنياهو في ساحة الحرم الإبراهيمي الذي يخضع لتقسيم زماني ومكاني بين المسلمين واليهود المحتلين منذ 1994. وعلى الرغم من رسائل القوة الإسرائيلية الكثيرة، لكن المفارقة كانت عندما قال نتنياهو من خلف ستار عازل مصفح في خطابه في ساحة الحرم الإبراهيمي: "نحن لسنا غرباء في مدينة الخليل وسنبقى فيها إلى الأبد". حديث نتنياهو عن الغرباء يؤكده انتشار آلاف من جنوده في منطقة (H2) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة حسب بروتوكول الخليل عام 1997 الذي قسّم المدينة إلى (H1) خاضع للإدارة الفلسطينية و(H2) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. وحوّل الاحتلال هذه المنطقة ومحيطها من الحارات الفلسطينية المحيطة بالحرم الإبراهيمي إلى منطقة عسكرية مغلقة وزاد عدد الحواجز العسكرية فيها من 100 إلى 160 حاجزاً عسكرياً يوم الاقتحام، فضلاً عن استعراض مئات المستوطنين الذين يسيطرون على قلب البلدة القديمة في الخليل قوتهم وأسلحتهم الرشاشة، وهي مشاهد أكدت أن الإسرائيليين غرباء في المدينة ويحتاجون إلى آلاف البنادق لتنظيم خطاب وتأمين زيارة رسمية للمكان.
وقال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدران جابر، لـ"العربي الجديد": "لقد تم إغلاق كل المدارس والمتاجر في البلدة القديمة في الخليل والحارات المحيطة بها، وفرض منع للتجول، واقتحام البيوت وإبلاغ ساكنيها بعدم النظر من النوافذ أو الخروج لشرفات منازلهم وإلا سيكونون تحت طائلة رصاص الجنود". ولفت إلى أن الاحتلال قام "بشلّ أكثر من 45 في المائة من الخليل، أي القسم الذي يسيطر عليه الاحتلال بموجب اتفاق بروتوكول الخليل والحارات والشوارع المحيطة به، والتي تقع تحت السيطرة الفلسطينية لتأمين الاقتحام، إلى جانب إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام المسلمين ومنعهم من الصلاة فيه".
وجاء اقتحام نتنياهو والقيادة الإسرائيلية للخليل في الذكرى الـ90 لثورة البراق عام 1929 التي أطلقها ثوار ومقاومون فلسطينيون قاموا بقتل عشرات المستوطنين الذين سهّلت بريطانيا هجرتهم إلى فلسطين في ذلك الوقت بغرض الاستيطان المبكر تمهيداً للاحتلال الكامل لفلسطين عام 1948، وفي هذه الذكرى قال نتنياهو: "جئنا إلى الخليل من أجل التوحد مع الذاكرة، لقد جئنا للتعبير عن النصر". وأضاف: "لن ينجح أحد في طردنا من هذا المكان وسنبقى في الخليل إلى الأبد".
ومن أبرز رسائل الضم الإسرائيلية ما قام به رئيس الكنيست الإسرائيلي من زيارة لمبنى عائلة الرجبي، وهو مبنى سيطر المستوطنون عليه بأوراق مزورة، وطردوا ساكنيه الذين توجهوا إلى المحاكم لكن من دون جدوى. وتُعتبر زيارة رئيس الكنيست للمبنى بمثابة غطاء قانوني من أعلى جهة تشريعية في دولة الاحتلال للمستوطنين، بأن دولة الاحتلال ومؤسساتها ستتكفل بإعطاء غطاء قانوني لأي بيت فلسطيني تتم السيطرة عليه من قبل المستوطنين.
وبانتهاء وجود هذه البعثة، لم تعد هناك عيون دولية ترى ما يفعله المستوطنون في الخليل من اعتداءات وقتل وسرقة بيوت الفلسطينيين ومتاجرهم في البلدة القديمة ومحيطها.
وأمام المساعي الإسرائيلية المتلاحقة للسيطرة على الأرض وضم المستوطنات في الضفة الغربية فعلاً وليس قولاً، بقي رد الفعل الفلسطيني يقتصر على بيانات التنديد والتحذير من "الحرب الدينية" الآتية، وتغطية إعلامية رسمية باهتة للاقتحام التاريخي، فيما لم تفعل السلطة الفلسطينية أي شيء عملي حتى الآن.
ويتساءل نشطاء وقيادات ميدانية فلسطينية ما الذي يمنع السلطة الفلسطينية من نقل مقر الحكومة إلى الخليل، وما الذي يمنع القادة الفلسطينيين من الحضور إلى الحرم الإبراهيمي ودعوة الشارع للتظاهر والوجود في الشارع، لا سيما أن آخر مرة زار فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخليل كانت عام 2012، ولم تتضمن هذه الزيارة الذهاب إلى الحرم الإبراهيمي أو البلدة القديمة حيث يواجه الفلسطينيون يومياً المستوطنين بظهر مكشوف.