الأشهر الأخيرة من عمر البرلمان العراقي: رحلة مع الصفقات والهيمنة الحزبية

01 اغسطس 2017
الشعب العراقي فقد أمله بالبرلمان (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يتمكن البرلمان العراقي، الذي قارب عمره على الانتهاء، من القيام بدوره التشريعي بالشكل المطلوب، إذ تحوّل، خلال نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من عمره، إلى برلمان لعقد الصفقات والمساومات والتسقيط السياسي، تاركاً مهامه الأساسية والواجبات الموكلة له. ولم يستطع البرلمان حتى اليوم التخلص من ضغوط السلطة وأحزابها، والتي سيطرت على عمله وكبّلته بقيود فولاذية قطّعت أوصاله. فما زالت عشرات القوانين المعطلة على رفوفه، لا تجد من ينفض الغبار عنها، بينما أصبح من المعلوم للجميع أنّ التوافق السياسي بين الكتل الرئيسة هو الأساس في تشريع القوانين، الأمر الذي أفقد مجلس النواب صوته ورأيه، ليتسبب بإحباط الشعب الذي فقد أمله بالبرلمان وبنهاية مساومات العملية السياسية.

وبينما يستعد هذا البرلمان لترحيل عدد من القوانين المهمة إلى البرلمان المقبل، بعد عجزه عن التوصل إلى صيغة توافقية بين الكتل لإقرارها، يؤكد برلمانيون أنّ مجلس النواب سينشغل من الآن حتى انتهاء عمره بالتحضير للانتخابات، راكناً كل القوانين المهمة على الرف. وقال رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني البرلمانية، النائب عرفات كرم، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من المؤسف أن البرلمان العراقي لم يكن برلماناً للشعب، ولم نتمكن أن نمثل الشعب ونحقق رغباته"، مبيناً أنّ "البرلمان تحوّل إلى مجلس للصفقات والمؤامرات والتسقيط السياسي للأطراف، ولذلك تعطّلت المشاريع ولم يكن فعالاً". وأضاف "أعبر عن احترامي لبعض النواب الذين استطاعوا أن يقدّموا شيئاً للشعب العراقي، وهم قلة قليلة، لكن كمؤسسة تشريعية لم يستطع أن يقوم بدوره كما ينبغي، ولهذا نجد أن البرلمان ركّز عمله على استجوابات شكلية، وتحوّل إلى مهزلة، وتم استجواب من لا يستحق أن يستجوب، وترك من يستحق أن يستجوب، وأقيل من لا يستحق أن يقال، وبقي من يستحق أن يعاقب".

وتابع كرم "لذلك فالبرلمان لا يمكن أن يكون مؤسسة شرعية للبلد. ويؤسفني أن أقول إنّ هذه المؤسسة لم تستطع أن تقوم بعملها كما ينبغي"، مشيراً إلى أنّ "الصراعات السياسية سيطرت على عمل البرلمان، كما أنّ التدخلات الخارجية أثّرت في الطبقة السياسية. هي لا تؤثر في الشعب لكنّها أثرت كثيراً في الطبقات السياسية". وأكد أنّ "كل طبقة سياسية عملت على أن تصنع شيئاً لنفسها وليس للشعب، وذلك حفاظاً على ثقلها السياسي للانتخابات المقبلة"، مبيناً أنّه "ومع بداية الدورة البرلمانية بدأت الأصوات المرتفعة والصراخ والمزايدات والمهاترات داخل البرلمان، ليتضح أنّ القصد من ذلك هو ضمان السنوات المقبلة، أو مرحلة ما بعد هذه الدورة. الغاية ليست خدمة المواطن، بل خدمة فكر الجهات السياسية وأيديولوجيتها ومشروعها السياسي". وشدّد على أنّ "البرلمان، الذي لم يحقق ما كان يصبو إليه الشعب، لن يستطيع خلال الفترة القصيرة المتبقية من عمره تحقيق شيء"، مؤكداً أنّ "الفترة المتبقية ستكون فترة للمناكفات والمهاترات والصراعات والاستجوابات والاستعداد للانتخابات المقبلة، وستكون مرحلة قاسية من عمر البرلمان، وستركز على هذه الملفات فقط".

وما زالت عشرات من مشاريع القوانين المهمة مركونة على رفوف البرلمان، الذي لم يستطع إقرارها، رغم حاجة الشعب إليها، بينما يؤكد برلمانيون ترحيلها إلى الدورة المقبلة. وقالت النائبة عن التحالف الوطني، ابتسام الهلالي، في تصريح صحافي، إنّ "هناك العديد من القوانين لم يتم التصويت عليها خلال الدورة البرلمانية الحالية، ومنها قوانين المساءلة والعدالة والنفط والغاز، والمحكمة الاتحادية"، مبينة أنّه "من المستبعد أن يتم التصويت على هذه القوانين، وسيتم ترحيلها إلى الدورة البرلمانية المقبلة". وأشارت إلى أن "هناك قوانين أخرى ننتظر إقرارها في المرحلة الحالية، وهي قوانين الانتخابات والخدمة الاتحادية والتقاعد الموحد بعد استكماله من وزارة المالية وإضافة التعديلات الخاصة بقانون العفو العام".

ويؤكد مراقبون أنّ المؤسسة التشريعية في العراق مشلولة الحركة بفعل الضغوطات السياسية والهيمنة الحزبية عليها، وأنّ هذه المؤسسة فشلت في تحقيق ما يصبو إليه الشعب. وقال الخبير السياسي، عبد الرحمن السالم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البرلمان العراقي لم يستطع التحرّر من القيود والأطواق التي تحيط به، بسبب هيمنة أحزاب السلطة التي لديها عدد كبير من البرلمانيين، واستطاعت أن تسيس عمل البرلمان، الذي خضع للضغوط السياسية من داخله وخارجه، ليثبت فشلاً كبيراً، وإن لم يعترف بذلك". وأوضح أنّ "الضغوط التي مورست على البرلمان منعته من العمل، وهذا واضح ومعروف، إذ إنّه وخلال محاولة استجواب وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، تدخّلت جهات سياسية لمنع ذلك الاستجواب، ودعت لأن يذهب المستجوبون إلى مكتب الجعفري ليستجوبوه تعالياً على سلطة البرلمان، ومن ثمّ وصل الأمر إلى محاولة اغتيال النائب الذي سعى لاستجواب الجعفري، وهو عضو لجنة النزاهة البرلمانية عادل نوري". وأشار إلى أنّ "البرلمان اليوم لديه الكثير من ملفات الاستجواب معطلة، ولن يستطيع تنفيذ إلّا جزء بسيط منها، وقد يستجوب المسؤولين الذين لا تتوفر لهم الحماية من قبل جهات سياسية، بينما مسؤولو أحزاب السلطة هم خط أحمر ولا يستطيع البرلمان الاقتراب منهم". وأكد أنّ "الفترة المتبقية من عمر البرلمان، هي بمثابة لفظ لأنفاسه الأخيرة، وهي فترة لا تسعفه لتدارك أمره وإقرار أي قانون مهم، ما يعني أنّ البرلمان العراقي أصبح عالة على الشعب". يشار إلى أنّه وفقاً للدستور العراقي، فإنّ عمل البرلمان سينتهي مع حلول أبريل/نيسان المقبل، ويجب أن ينتخب برلمان جديد خلال هذه الفترة، ولا يمكن التمديد للبرلمان الحالي في حال تأخرت الانتخابات.

المساهمون