قبل نحو أسبوعين تحركت المسيرة الكبرى بزعامة زعيم جمعية علماء الإسلام المولوي فضل الرحمن، صوب العاصمة الباكستانية، ومرت عبر جميع المناطق، حتى تصل إلى إسلام أباد، بمشاركة معظم الأحزاب السياسية الكبيرة، مثل "الشعب الباكستاني" و"الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف وأحزاب قومية ودينية.
ومع وصولها إلى العاصمة، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أعلنت المعارضة اعتصاماً مفتوحاً، وأمهلت رئيس الوزراء عمران خان مدة يومين حتى يستقيل، مُهددة بالانتقال نحو خطوة جديدة، والتي كانت باعتقاد معظم المراقبين محاصرة المنشآت الحكومية. في المقابل، كانت الحكومة في حالة من الإرباك بعد أن فشلت جميع مساعيها في إقناع المعارضة بتأجيل المسيرة، أو منعها من الدخول إلى العاصمة. لكن يبدو أن تأييد المؤسسة العسكرية، ووقوفها علناً إلى جانب الحكومة، غيّر الكثير من المعطيات، وأعطى الحكومة فرصة من أجل إعادة حساباتها في وجه الآلاف من أنصار المعارضة، ومعظمهم من أبناء المدارس الدينية.
لكن المؤسسة العسكرية تعمل، من جهة ثانية، على احتواء الأزمة وجسر الهوة بين الحكومة وقيادة الاعتصام، لأنها الجهة الوحيدة التي تستطيع القيام بهذا الأمر. هذا الأمر ظهر مواربة في مقابلة فضل الرحمن، مع قناة "جيو" المحلية في 10 نوفمبر. وقد حاول التهرب من سؤال حول الجهة التي تجتمع معه بالسر، في إشارة مبطنة إلى المؤسسة العسكرية أو الاستخبارات، لكنه عاد وأكد أنه يعقد اجتماعات يومية مع أكثر من جهة، مع إصراره على أن الاعتصام المفتوح، الذي يشارك فيه الآلاف من أنصاره، لن ينتهي إلا باستقالة رئيس الوزراء، أو إجراء انتخابات مبكرة بعد ثلاثة أو خمسة أشهر، على حد قوله. وحظيت الجمعية في البداية، وقبل وصول المسيرة الكبرى إلى العاصمة، بتأييد غير مسبوق من قبل الأحزاب السياسية والقومية، ظناً منها أن دخول الحشود إلى إسلام أباد سيؤدي إلى سقوط الحكومة. لكن عدة تطورات جعلت الأحزاب السياسية، لا سيما "الشعب الباكستاني" بقيادة الرئيس السابق آصف علي زرداري و"الرابطة" جناح نواز شريف، تبتعد قليلاً عن الاعتصام، رافضة المشاركة في أي خطوة تأخذ البلاد صوب الصدام، على الرغم من مواصلتها إطلاق شعارات ضد الحكومة.
ومع فشل الحوار بين الطرفين ووصوله إلى طريق مسدود، تعول الحكومة على حصول سيناريو مشابه لذلك الذي حصل في العام 2014، إذ اعتصم متظاهرون لأكثر من 100 يوم في العاصمة ضد رئيس الحكومة السابق نواز شريف، بعد اتهامه بتزوير الانتخابات، لكنهم عادوا وفضّوا الاعتصام من دون إسقاطه. كما أن وقوف الجيش بقوة خلف حكومة خان جعل الأحزاب تتردد في دعم الاعتصام، إذ إنها تعرف أنه سيفشل في إسقاط الحكومة، وهو ما لمّح له النائب بلاول بوتو، نجل رئيسة الحكومة السابقة بنظير بوتو، في تصريح صحافي، إذ اعتبر أن فشل الاعتصام سيقوي الحكومة، مشيراً إلى أن حزب الشعب الباكستاني يؤدي الاحتجاج من الناحيتين السياسية والأخلاقية، لكنه لا يعتزم مواصلة المشاركة فيه. كما أعلن زعيم حزب الرابطة ــ جناح نواز شريف وهو زعيم المعارضة في البرلمان شهباز شريف، أن حزبه يرفض سياسة الصدام مع الحكومة.
وحول مستقبل الاعتصام، أكد الزعيم الديني أنه "لا يعتزم المضي قدماً في الاعتصام لأشهر كما فعل خان ضد نواز شريف في 2014 وقبل الوصول إلى السلطة، بل ستبدأ قريباً المرحلة المقبلة من الاحتجاج"، منوهاً إلى "أنها ستكون أيضاً في الشارع" دون أن يكشف عن معالم التحرك. لكن القيادي في حزبه وهو أحد قادة الاعتصام أكرم خان دوراني أكد، في تصريح صحافي، أن المرحلة الثانية ستبدأ خلال أيام محدودة، وأن المشاورات متواصلة بهذا الصدد. وأكدت تسريبات صحافية أن المرحلة المقبلة ستتمثل في اعتصام مفتوح في جميع المدن، مع إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة. وإذا حصل ذلك فإنه سيجعل الحكومة مرة أخرى أمام تحدٍ كبير وكذلك المؤسسة العسكرية. ولم يعرف بعد من سيستفيد من تلك الحالة. وفي حين كانت الأحزاب السياسية، لا سيما "الشعب" و"الرابطة"، المستفيد الأول من التظاهرة، فإن من دفع الثمن هم طلاب المدارس الدينية الذين يواصلون احتجاجهم في العاصمة.