تركيا: معركة ملفات مالية من أنقرة إلى نيويورك

02 ديسمبر 2017
ضراب هدد العلاقات الأميركية التركية (أتيلغان أوزديل/الأناضول)
+ الخط -

يتصاعد التوتر في العاصمة التركية أنقرة، سواء على المستوى الخارجي مع الولايات المتحدة التي يبدو أنها تحاول الضغط على الإدارة التركية من خلال قضية رجل الأعمال التركي الإيراني رضا ضراب، أو على المستوى الداخلي من خلال الحملة التي يشنّها أكبر أحزاب المعارضة التركية، حزب الشعب الجمهوري، متهماً الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعمليات فساد.  وتستمر عملية محاكمة ضراب في مدينة نيويورك الأميركية، بتهمة خرق العقوبات الأميركية ضد إيران. وبعد نحو العام على إلقاء القبض عليه، تم تحريك القضية مجدداً، إذ وافق ضراب على الورقة التي تم تقديمها من قبل الادعاء العام الأميركي في القضية، بموجب ضمانات أتاحت تحويله من متهم في القضية إلى شاهد. بالتالي، حضر جلستي الأربعاء والخميس بملابسه المدنية، مقدماً بعض الاعترافات حول الطريقة التي تمكن من خلالها إدارة عملية خرق العقوبات الأميركية على إيران من خلال النظام المصرفي التركي.

وعمدت تركيا إلى تسديد المبالغ المستحقة عليها من استيراد النفط والغاز الإيراني خلال فترة العقوبات، من خلال السداد إما بالعملة المحلية أو بالذهب. لكن الأمور تجاوزت سداد مستحقات النفط والغاز، وتحول مصرف "خلق" الحكومي، إلى أحد منافذ خرق العقوبات بالتعاون مع عدد من الشركات المتواجدة في مدينة دبي في الإمارات. مع العلم أن أنقرة ملتزمة بالعقوبات الأميركية ضد إيران، طالما أن التحويلات المصرفية لم تستخدم الدولار الأميركي. 

وأشار ضراب في اعترافاته إلى أن "عمليات خرق العقوبات الأميركية ضد إيران تمت بموافقة من الرئيس التركي، الذي وجه برفقة وزير المالية التركي حينها، علي باباجان، أوامر سمح بموجبها لكل من مصرف وقف ومصرف الزراعة الحكوميين التركيين بتحويل أموال لإيران"، على حد قوله. كما اعترف ضراب بتقديمه رشى لوزير الاقتصاد التركي السابق، ظفر جاغلايان، تراوحت بين 45 و50 مليون يورو، مشيراً إلى أنه "لم يقدم أي رشى لنائب رئيس بنك خلق الحكومي التركي السابق، حاقان أتيلا الذي يشاركه القضية".

ومن المثير للسخرية في اعترافات ضراب، اعترافه أيضاً بمحاولة إغراء الحراس في السجن أثناء احتجازه في الولايات المتحدة بالأموال في سبيل الحصول على طعام خاص ومعاملة خاصة، وكذلك على النساء. وتداول الاعلام التركي تقارير أشارت إلى أن مغنية البوب التركية المعروفة، إبرو غونديش، زوجة ضراب، أكدت لدوائر مقربة من الرئيس التركي، بأن "زوجها قد يعمل على إيذاء تركيا لينجو بنفسه".

وبدت القضية، وحتى ورقة الادعاء، مطابقة تماماً لورقة الادعاء التركي الموالي لحركة الخدمة (المتهم الأول بإدارة المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في 15 يوليو/تموز 2016) خلال عمليات 17 و25 ديسمبر/كانون الأول 2013، التي قام بها قضاة من الادعاء وضباط من الشرطة التركية من الموالين لحركة الخدمة، وتم خلالها اتهام أبناء ثلاثة وزراء أتراك ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي ومدير مصرف "خلق" بالفساد وتلقي رشى، فيما بدا تمهيداً للمحاولة الانقلابية اللاحقة.



وتزامن ذلك، مع حملة شنّها حزب الشعب الجمهوري، اتهم خلالها رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان، بالفساد وتحويل الأموال لخارج البلاد من خلال شركات غسل الأموال. ما أثار استهجان أحزاب اليمين التركي في توقيتها، وشهدت إدانات واسعة من قبل كل من حزب الحركة القومية اليميني المعارض، الذي طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، بتقديم المستندات للقضاء، وكذلك حزب السعادة الإسلامي الذي أسسه رئيس الوزراء التركي الراحل، نجم الدين أربكان، وانشق عنه أردوغان، ليؤسس حزب العدالة والتنمية.

وبعد أيام من مماطلة كلجدار أوغلو، في الكشف عن أوراقه، طلب الادعاء التركي العام في أنقرة من الحزب، أخيراً، الكشف عن المستندات، فقدّم نائب رئيس الحزب، بولنت تزجان، في مؤتمر صحافي للبرلمان التركي، عددا من أوراق تحويل أموال باسم نجل أردوغان وعدد من أفراد الدائرة المقربة منه إلى الخارج، من وثائق "جزيرة مان" الإنكليزية.

وشملت الأوراق سندات تحويل مصرفية قاربت قيمتها 15 مليون دولار، من بينها سندا تحويل باسم نجل الرئيس التركي، أحمد براك أردوغان، الأول بقيمة 1.45 مليون دولار، والثاني بقيمة 2.35 مليون دولار، إضافة إلى العديد من السندات التي تخص مقربين في دائرة الرئيس التركي.

على الطرف الآخر، تم تحريك الدعاوى المرفوعة بحق الموظف المحلي الكبير في البعثة الدبلوماسية التركية، متين توبوز، المتهم بالتجسس والتعاون مع حركة الخدمة، الذي أثار أمر اعتقاله توتراً كبيراً في العلاقات التركية الأميركية، فقامت البعثة الدبلوماسية الأميركية، على أثرها، بوقف منح تأشيرات السفر في تركيا، قبل إعادة فتح الخدمة بشكل جزئي إثر المفاوضات التي تمت بين الطرفين. وبحسب وكالة "الأناضول" التركية، فقد "اعترف توبوز بدوره بأنه زار الولايات المتحدة برفقة كبار ضباط الشرطة المرتبطين بحركة الخدمة ممن قاموا بعمليات 17 و25 ديسمبر 2013".

وأضافت الوكالة أن "توبوز سافر إلى الولايات المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول 2012، برفقة أحد موظفي إدارة مكافحة المخدرات، جيمس لونغ، والمدير السابق لوحدة مكافحة الجرائم الاقتصادية في إسطنبول، يعقوب سايغلي، ونائبيه، ياسين توبجو، وابراهيم شنر، والذين أشرفوا على عمليات التنصت في عمليات 17 و25 ديسمبر. كما أن شهودا أكدوا في وقت سابق، بأن توبوز جهز شهود زور للمدّعين من أجل سجن مواطنين بريئين ممن كانوا يقفون ضد مصاح حركة الخدمة التي كانت تمتلك شبكة واسعة من الانصار داخل جهاز الدولية البيروقراطي وكذلك في القضاء والشرطة والجيش، قبل أن تجري الحكومة التركية عمليات تطهير واسعة في وزارة الداخلية إثر عمليات 17 و25 ديسمبر، وكذلك بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016.