ساعات حاسمة لجبهة منبج: موسكو تريد تحجيم دور أنقرة

أمين العاصي

avata
أمين العاصي
27 ديسمبر 2018
57B5FF53-3228-48BA-B872-792E7C6C3FEC
+ الخط -
يحتدم التنافس بين الجانبين التركي والروسي على الفراغ الأميركي المتوقع أن يخلفه الانسحاب الأميركي، بدءاً من مدينة منبج السورية وسط انزعاج روسي ضمني من اتفاقات واشنطن وأنقرة على توسيع أدوار تركيا في هذا البلد. انزعاج بدت بوادره في اليومين الماضيين عندما نفى الكرملين مثلاً أي لقاء قريب بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، وذلك في اليوم نفسه الذي وجه فيه أردوغان دعوة إلى نظيره الأميركي دونالد ترامب لزيارة أنقرة، قبل أن تعرب وزارة الخارجية الروسية، أمس، عن تمسكها بتسليم المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية، إلى النظام السوري، لا إلى تركيا، وهو ما يعكس تخوفاً روسياً من التقارب التركي الأميركي. وربما يؤدي الموقف الروسي المستجد إلى سحب للموافقة الروسية على تنفيذ تركيا عمليتها العسكرية شرقي الفرات، بدءاً من منبج التي تبدو الساعات المقبلة حاسمة في إطلاق ساعة الصفر للعملية العسكرية فيها.

ويحاول الطرفان الروسي والتركي الحيلولة دون انتقال الصراع إلى مستويات يمكن أن تفضي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين قوات النظام، التي تتأهب في غرب وجنوب المدينة، وبين قوات المعارضة المحسوبة على تركيا والمتحفزة في الشمال، والتي تؤكد أن اقتحام منبج بات قاب قوسين أو أدنى.

وعلى وقع الاستعدادات العسكرية من قبل قوات النظام وقوات المعارضة للانقضاض على مدينة منبج، أعاد الجيش الروسي، أول من أمس، العمل بمركز التنسيق الروسي للمصالحة في سورية إلى بلدة العريمة بريف منبج بعد انسحابه منها قبل فترة، وفق "المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها" التابع إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والذي أشار إلى أن قوات النظام عززت وجودها في العريمة وغربها على خلفية التطورات الأخيرة في المنطقة، في إشارة إلى سحب الولايات المتحدة لقواتها من سورية وعزم تركيا على إطلاق عملية عسكرية ضد الفصائل الكردية في شرقي الفرات بالشمال السوري. وحاولت وزارة الدفاع التركية التقليل من شأن هذه الخطوة، إذ أشارت، أمس الأربعاء، إلى أن التحركات الأخيرة في بلدة العريمة بريف منبج السورية عائدة لقوات النظام السوري الموجودة في المنطقة منذ 2017. وتقع بلدة العريمة إلى الغرب من منبج بنحو 20 كيلومتراً، على الطريق الذي يربط الأخيرة بمدينة حلب. وقال المتحدث باسم "مجلس منبج العسكري"، شرفان درويش، لوكالة "فرانس برس"، "منذ عدة أيام هناك ازدياد في الحشود (العسكرية) على الحدود. نحن نراقب الأمر، وفي حالة استنفار". وأشار إلى أن "دوريات التحالف لا تزال في مكانها، ولم يتغير شيء بهذا الصدد"، مؤكداً "نحن جاهزون لصد أي هجوم".

وقال المحلل السياسي حسن النيفي، وهو ابن مدينة منبج، إن "هناك حالة تأهب واستعداد عسكري من قبل كافة الأطراف في محيط منبج"، مشيراً إلى أن قوات النظام تحشد في قرية تل أسود جنوب منبج، في الوقت الذي يستنفر فيه الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية شمال المدينة". وأوضح أن القوات الأميركية لا تزال في المدينة، مستبعداً دخول الجيش التركي قبل إتمام إجراءات لوجستية مع الجانب الأميركي ومن دون التنسيق والتفاهم مع الجانب الروسي باعتباره الوصي على النظام السوري، مدرجاً زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إلى موسكو في هذا الإطار. ويعتقد النيفي أن "مصير مدينة منبج بات محسوماً لجهة دخول الجيش التركي مع فصائل المعارضة إليها، مع تبلور التفاهمات الدولية حولها"، مشيراً إلى أن "ما يجري اليوم حرب إعلامية من الأطراف كافة". وأشارت وكالة "الأناضول"، أمس الأربعاء، إلى أنه من المنتظر أن تسحب أميركا جنودها من مدينة منبج قريباً. وتتمركز القوات الأميركية في مركز مدينة منبج، وعلى خط الجبهة مع منطقة "درع الفرات" شمال المدينة، على ضفة نهر الساجور، والتي تعد بمثابة "قوات فصل" بين الجيش التركي و"قوات سورية الديمقراطية" داخل مدينة منبج.

وكان جاووش أوغلو أعلن أن تركيا اتفقت مع واشنطن على إكمال بنود خارطة طريق منبج، التي وقعت في 4 يونيو/حزيران الماضي، وتنص على إخراج مسلحي "وحدات حماية الشعب" الكردية قبل انسحاب القوات الأميركية من سورية. لكن المعطيات السياسية تدل على أن روسيا تسعى لتحجيم الدور التركي في شمال سورية على خلفية انزعاج حيال التقارب التركي الأميركي الذي بدا واضحاً عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من سورية، وتأكيده على التنسيق مع أنقرة لإتمام هذه الخطوة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس الأربعاء، إنه "يجب أن تسيطر السلطات السورية على الأراضي التي سيخرج منها الأميركيون"، في إشارة إلى سعي موسكو لحرمان الأتراك من الوصول إلى مدينة منبج، وهو ما قد يفتح باب نزاع جديد بين البلدين الحليفين في إطار مسار أستانة. ومن المؤكد أن موسكو تبحث عن مكاسب على الأرض مقابل تسهيل مهمة الجيش التركي بالسيطرة على مدينة منبج، من قبيل دخول قوات النظام إلى مناطق معينة في شمال غربي سورية، أو ريف حماة الشمالي. وقالت زاخاروفا "من دون شك نحن ندرك أهمية هذا القرار (الانسحاب الأميركي)، ونعتبر أن الأهمية تكمن في المساهمة في تسوية شاملة للوضع". وأضافت "نحن لم نفهم بشكل كامل جميع أسباب ودوافع هذه الخطوة. كما لا يوجد وضوح في ما يتعلق بالجدول الزمني لانسحاب القوات الأميركية. في الوقت الحالي، نحن نركز على التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الانسحاب الكامل للقوات البرية الأميركية من شمال شرق سورية ومن منطقة التنف في جنوب البلاد يمكن تنفيذه في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر". وتابعت الدبلوماسية الروسية: "بطبيعة الحال يظهر سؤال أساسي: من سيسيطر على المناطق التي سيتركها الأميركيون؟ من الواضح أن هذا يجب أن يكون من قبل الحكومة السورية بموجب القانون الدولي وعلى أساس المسار الذي سلكته سورية والشعب السوري. لكن حتى الآن ليس لدينا معلومات عن أي اتصالات بين واشنطن ودمشق حول هذه القضية". وأعلنت زاخاروفا أن روسيا تنسق بشكل وثيق مع تركيا فيما يخص العملية العسكرية للأخيرة في سورية. وقالت "نقوم بتنسيق وجهات النظر عن كثب وننفذ سياسات محددة على المسار السوري مع الزملاء الأتراك، سواء باتجاه السياسة الخارجية أو في مجال العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب على الأرض".

وتبدو المعارضة السورية المسلحة على أهبة الاستعداد لخوض المعركة من أجل استعادة منبج. وأكدت مصادر أن أكثر من ثمانية آلاف مقاتل من "الجيش الوطني"، المكون من فصائل "الجيش السوري الحر"، باتوا على جبهات منبج مزودين بآليات عسكرية ثقيلة. وقال النقيب في "الجيش الوطني"، سعد أبو الحزم، لـ"العربي الجديد"، إن "التحضير للمعركة يعني أنها بدأت، أما ساعة الاقتحام فهي قاب قوسين أو أدنى". وقلل أبو الحزم من أهمية تحرك قوات النظام في محيط مدينة منبج، مشيراً إلى "أن هذا الأمر حدث قبيل معركة منطقة عفرين شمال غربي حلب" بداية العام الحالي، والتي انتهت بسيطرة الجيش التركي عليها وطرد "الوحدات" الكردية منها. وكان من المتوقع أن يبدأ تمهيد مدفعي من قبل قوات المعارضة صباح أمس الأربعاء، لكن مصادر في المعارضة أكدت أنه تم تأجيل المعركة بانتظار تفاهمات ربما تفضي إلى استلام المدينة من دون الدخول باشتباكات مع "قوات سورية الديمقراطية". وأكد القيادي في "الجيش السوري الحر"، مصطفى سيجري، لـ"العربي الجديد"، أن "قواتنا باتت على أهبة الاستعداد للبدء بعملية عسكرية تستهدف حزب العمال الكردستاني، وبانتظار ساعة الصفر"، مشيراً إلى أن مصير المدينة بات محسوماً لصالح المعارضة. وقال "عدد من قادة المجموعات في منبج تواصل معنا، وقد أعلن الجاهزية للعمل من داخل منبج ضد قادة حزب العمال الكردستاني لصالحنا، كما أن معظم شيوخ العشائر المقيمين في منبج وقادة المجتمع المدني أكدوا ذلك أيضاً".

وتقع مدينة منبج، التي يشكّل العرب غالبية مطلقة من سكانها، على بعد 85 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من حلب، وتعد كبرى مدن الريف الحلبي، وتتمتع بموقع جغرافي يُفسر سبب تنافس أطراف الصراع في سورية على السيطرة عليها. وانتزعت "قسد" السيطرة على منبج من تنظيم "داعش" منتصف العام 2016، بعد 56 يوماً من الحصار والقصف المكثف من قبل قوات التحالف الدولي. وفي السياق، رجحت مصادر مقربة من "قوات سورية الديمقراطية"، لـ"العربي الجديد"، أن يتفق "مجلس منبج العسكري" مع النظام على دخول المدينة، أو على الأقل دخول بعض نقاط التماس في الجانب الغربي الجنوبي من المدينة للحيلولة دون هجوم الجيش التركي انطلاقاً من ريف مدينة الباب. وأشارت إلى أن دخول النظام "سيكون تحت مظلة روسية، إذ لا يمكن له أن يتجاوز الاتفاق الروسي التركي"، مضيفة أن "مسألة السيطرة على منبج تشكل معضلة للتفاهمات والاتفاقيات بين محور أستانة الثلاثي، وربما تكون بداية نهاية شهر العسل التركي الروسي والإيراني، وإعادة اصطفاف لهذه الأطراف في محاورها الطبيعية". وعلى الرغم من الحديث عن إمكانية التقارب بين النظام و"قسد"، فقد دارت اشتباكات، بين قوات النظام والمليشيات الموالية لها من جهة، وبين "قوات سورية الديمقراطية" على ضفاف نهر الفرات في شرق سورية. وقالت مصادر محلية إن "الاشتباكات دارت بين الطرفين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة"، موضحةً أن قوات النظام كانت على الضفّة الأخرى من نهر الفرات.

وقال القيادي في "الجيش الحر"، العقيد فاتح حسون، إن المباحثات بين تركيا وأميركا "تجري بشكل عميق ووفق خطط بعيدة المدى ومتكاملة"، معرباً عن اعتقاده بأن "مفتاح التنسيق بين تركيا والولايات المتحدة سيكون حول انسحاب قوات الأخيرة من مدينة منبج التي تم الاتفاق سابقاً بين الدولتين حولها". وأضاف "في الوقت الذي تحتاجه القوات التركية مع قوات الجيش الحر للدخول إلى مدينة منبج تكون المباحثات حول باقي المناطق شرقي الفرات تجري على قدم وساق. إن كان الدخول إلى منبج، التي حشدت لها تركيا والجيش الحر، سيكون خلال ساعات أو خلال أيام، فبالمحصلة هذه المنطقة وغيرها من مناطق شرقي الفرات ستتحرر من سيطرة التنظيمات الإرهابية، وسيعود أهلها إليها ليديروا شؤونها".

ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي