حشود على حدود إدلب: هل تدفع ايران لإسقاط الهدنة؟

28 مارس 2020
عاد عدد قليل من النازحين لمناطقهم(محمد حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

يسود الهدوء الحذر مناطق شمالي غرب سورية، مع مخاوف من تجدد المعارك في ظل التحشيدات التي قامت بها قوات النظام السوري أخيراً، والتي يعتقد أن هدفها السيطرة على منطقة جبل الزاوية، جنوبي الطريق الدولي "أم 4" (حلب ـ اللاذقية)، وسط تكهنات بأن إيران هي التي تحاول دفع النظام السوري لاستئناف العمليات العسكرية، بينما تعارض روسيا ذلك خشية انهيار تعاونها مع تركيا، مع تصاعد مخاوفها من تفشي فيروس كورونا في سورية، ما قد يلزمها بتقليص قواتها هناك. في السياق، ذكر مراسل "العربي الجديد" أن قوات النظام قصفت، ليلة الخميس وفجر أمس الجمعة، بالمدفعية قريتي سفوهن وكنصفرة في جبل الزاوية، جنوب إدلب، وأطراف قرية كفرعمة في ريف حلب الغربي. وأضاف أن المليشيات الإيرانية المتمركزة في الفوج 46 قصفت بالمدافع وقذائف الهاون المنازل السكنية في بلدة كفرعمة، فيما قصفت معسكرات النظام المتمركزة في الجب الأحمر براجمات الصواريخ قريتي الحدادة والتفاحية في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي.

في غضون ذلك، وفيما احتشد بعض المدنيين على طريق "أم 4" قرب مدينة أريحا، احتجاجاً على تسيير القوات التركية والروسية لدوريات مشتركة على الطريق هناك، سيّرت القوات التركية دورية عسكرية جديدة على الطريق، صباح أمس، انطلقت من منطقة سراقب وصولاً إلى قرية مصيبين بريف إدلب. وهذه الدورية هي الثامنة من نوعها التي تقوم بها القوات التركية خلال أيام بمفردها، إذ تمتنع القوات الروسية عن مرافقتها بحجة أن الطريق غير آمن.

وبالتزامن، وصلت تعزيزات عسكرية جديدة للجيش التركي، أمس، إلى إدلب. وقال مراسل "العربي الجديد" إن رتلاً عسكرياً مكوّناً من أكثر من 100 آلية عسكرية عبر، فجر أمس، الحدود السورية التركية وتوجّه باتجاه النقاط والمعسكرات التركية في أرياف محافظة إدلب، موضحاً أنه يضم دبابات ومدافع ميدانية، وراجمات صواريخ، وناقلات للجند، وآليات هندسية، وخزانات وقود، برفقة شاحنات تحمل أغذية ومواد لوجستية، وكانت وجهته تحديداً إلى المعسكرات التركية المنشأة حديثاً في أرياف مدينة جسر الشغور. ويواصل الجيش التركي بشكل شبه يومي، إدخال مزيد من التعزيزات العسكرية والهندسية لمواقعه المنتشرة في المنطقة، التي زاد عددها عن الـ40 موقعاً، وتحوي ما يقارب 4 آلاف آلية عسكرية وأكثر من 9 آلاف عسكري. وتأتي التعزيزات التركية في ظل تعزيزات مماثلة قامت بها المليشيات الإيرانية في المنطقة خلال الأيام الأخيرة، خصوصاً في محيط مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي ومحيط مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي ومواقع أُخرى في جبل الزاوية.

وتنتشر في محيط كفرنبل ما يعرف بقوات "313"، وهي قوات ممولة ومدعومة من قبل إيران، وتضم مقاتلين سوريين وغير سوريين، وفي محيط سراقب تنتشر قوات تسمى بـ"قوات الرضوان" وهي تابعة لـ"حزب الله"، إضافة لانتشار قوات من المليشيات العراقية الموالية لإيران في محيط سراقب. كما عززت المليشيات الإيرانية نقاط تمركزها في محيط جبل شحشبو، شمال غرب حماة، وانتشرت قوات تسُمى بـ"فوج النبي الأكرم"، وهي مليشيات موالية لإيران. ورأى مراقبون أن إيران تدفع النظام إلى استئناف المعارك في إدلب بغية تخريب الاتفاقات الروسية التركية الأخيرة التي أخرجتها تقريباً من المعادلة، وجعلت مصير تلك المناطق شأناً روسياً - تركياً.



ويعتقد المراقبون أن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قبل أيام إلى العاصمة السورية دمشق، حيث اجتمع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، استهدفت على الأغلب حث النظام على الالتزام بالهدنة المتفق عليها مع تركيا، وتحذيره من عواقب الانجرار وراء التحريض الإيراني لاستئناف العمليات العسكرية، ذلك أن روسيا لا تريد أي خطوات قد تفجر عملها المشترك مع الجانب التركي، خصوصاً أن سقوط حالة الاستقرار في المنطقة وحصول أي عمليات عسكرية جديدة يعنيان نهاية التنسيق بين روسيا وتركيا، إذ لم يعد الوضع يحتمل أي موجات نزوح جديدة، في ظل وجود أكثر من مليون نازح على الحدود التركية.

في المقابل، فإن الجانب التركي تعهد بالقيام بخطوات باتجاه المجموعات المتطرفة في إدلب، خصوصاً أن هذه المجموعات تعرضت للقوات التركية نفسها من خلال تفجير أسفر قبل أيام عن مقتل جنديين تركيين، واتهم تنظيم "حراس الدين" المحسوب على "القاعدة" بالوقوف خلفه. من جهة أخرى، فإن روسيا ومع انتشار وباء كورونا باتت تميل إلى التهدئة، وربما تفكر بسحب جزء من قواتها من سورية في حال تفشى المرض في هذا البلد.

ويتطلع النظام للسيطرة على منطقة جبل الزاوية، جنوبي الطريق الدولي "أم 4"، كونها تطل على الطريق، ويمكن من خلال السيطرة عليها التحكم بكل المناطق المجاورة نظراً لارتفاعها عنها. وجبل الزاوية يمثل حلقة وصل بين الجنوب والشمال والغرب والشرق إلى جانب دوره العسكري الذي تعاظمت مكانته منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 نتيجة لعدد من التحولات التي شهدها الصراع، فقد ساهم بشكل فعال في تعزيز المواجهة ضد النظام خلال المعارك السابقة. ومع تواصل سريان الهدنة نسبياً، بدأ نازحون بالعودة إلى قراهم وبلداتهم في ريفي إدلب وحلب. وقال فريق "منسقو استجابة سورية" إن 11347 نازحاً عادوا إلى مناطقهم حتى الآن.

وأرجع الفريق أسباب عودة النازحين بأعداد ضئيلة، إلى غياب ثقة المدنيين بوقف إطلاق النار في المنطقة، خصوصاً مع استمرار قوات النظام السوري والقوات الروسية بخرق الاتفاقيات، إضافة إلى الصعوبات المعيشية، في ضوء تضرر عدد كبير من المنشآت والبنى التحتية التي تقدم خدماتها للمدنيين في المنطقة، وانتشار مخلفات المعارك والذخائر غير المتفجرة، وصعوبة العمل على اكتشافها وإزالتها في العديد من القرى والبلدات، ما يشكل خطرا على المدنيين.

من جهته، طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بوقف كامل وفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سورية، تماشياً مع القرار 2254، لتمكين الجهود الشاملة لمكافحة فيروس كورونا. وذكر المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، في بيان، أن الأمين العام يدعو أطراف الصراع السوري "إلى دعم ندائه الذي أطلقه الاثنين الماضي، بضرورة وقف إطلاق النار في جميع مناطق الصراعات المسلحة في العالم، والتفرغ لمكافحة كورونا"، مشيراً أيضاً إلى مطالبة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن، يوم الثلاثاء الماضي، بوقف كامل وفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سورية، تماشياً مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. ولفت إلى أن المبعوث الخاص شدد في بيانه على استعداده للعمل مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة على الأرض، وكذلك مع البلدان الرئيسية التي يمكنها دعم توسيع نطاق العمل للتعامل مع فيروس كورونا وضمان استمرار وقف إطلاق النار.